جلال القادري.. مدرب طوارئ يحلم بكتابة التاريخ في كأس العالم
تونس- تبدو قصة صعود جلال القادري لمهمة تدريب منتخب تونس لكرة القدم، الذي يستعد للمشاركة في كأس العالم 2022، تجربة مثيرة رافقها كثير من التحدي، وتخللتها تفاصيل بسيطة لعبت الصدفة دورا كبيرا فيها، ليكون القادري المدرب العربي الوحيد حتى الآن في نهائيات مونديال قطر.
وفي وقت يستعد فيه منتخب نسور قرطاج للشروع في المرحلة الإعدادية الرئيسية للمونديال، بمواجهة من العيار الثقيل أمام نظيره البرازيلي، استأثر جلال القادري بالأضواء في الساحة الكروية التونسية والعربية، باعتباره المدرب العربي الوحيد الذي يقود أحد المنتخبات المشاركة في النسخة المقبلة من كأس العالم.
وحتى يناير/كانون الثاني 2022، لم يكن القادري المولود في مدينة توزر (جنوب) سوى اسم عابر ضمن الجهاز الفني للمنتخب التونسي الذي كان يخوض آنذاك كأس أمم أفريقيا بالكاميرون، حيث تم منحه منصب مساعد للمدرب الأول، المنذر الكبير، لكن قُدّر أن تكون مباراة الدور ثمن النهائي بين تونس ونيجيريا منعرجا فارقا في مسيرة القادري، لكتابة فصل من التاريخ في سجلات نسور قرطاج.
صعود صاروخي لمدرب الطوارئ
قبل يومين من تلك المباراة، ضرب فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، نحو 10 أفراد من بعثة تونس في النهائيات، من بينهم المنذر الكبير المدرب الأول للمنتخب، مما حتم عليه الخضوع للحجر الصحي وتم استبعاده من مقر إقامة النسور، ليجد القادري نفسه بين عشية وضحاها مدربا أول ـولو لمباراة واحدةـ وهو الذي لم يمض على التحاقه بالجهاز الفني لمنتخب تونس سوى 7 أشهر (يونيو/حزيران 2021).
وجرت رياح الكرة بما يشتهيه جلال القادري، فبعد عروض باهتة في الدور الأول، انتفض المنتخب التونسي أمام نيجيريا وحسم بطاقة التأهل لربع النهائي بعد الفوز (1-0) في مباراة كان بطلها القادري.
وفبراير/شباط الماضي، قرر الاتحاد التونسي لكرة القدم إقالة المنذر الكبير من منصبه، لكنه اختار الحفاظ على مساعده الأول جلال القادري، بل منحه مهمة إعداد نسور قرطاج لمباراتي ملحق تصفيات كأس العالم قطر 2022، أمام منتخب مالي خلال الأسبوع الأخير من مارس/آذار الماضي.
يقول جلال القادري عن تلك الفترة “من المؤكد أن الأقدار لعبت دورا كبيرا في وصولي لمنصب المدرب الأول للمنتخب، وهو شرف أفتخر به، ولكنه تكليف يضعني أمام مسؤولية كبيرة لتحقيق أحلام وانتظارات الجماهير التونسية، لكن الصدفة التي لعبت دورها لأكون ربانا لسفينة النسور لم تأت على طبق ذهبي، بل كانت قبيل مواجهة حاسمة وصعبة أمام نيجيريا، أقوى منتخب في الدور الأول من كأس أمم أفريقيا آنذاك، هي صدفة جميلة أملاها الوضع الوبائي، لكن الأجمل أني نجحت في توظيفها”.
ويضيف القادري -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- “لا يمكن أن ننكر أني كنت دوما قريبا من المنتخب، لست غريبا عن معسكر النسور، فقد توليت الإدارة الفنية للشبان عام 2007 عندما كان وديع الجريء الرئيس الحالي للاتحاد مديرا للمنتخبات، وشغلت منصب مدرب مساعد في المنتخب الأول عام 2013، قبل أن ألتحق بالجهاز الفني عام 2021”.
ممثل المدربين العرب
واستمر جلال القادري (50 عاما) في مراكمة النجاحات، حين قاد نسور قرطاج للتأهل لمونديال قطر بعد الفوز أمام مالي في مجموع مواجهتي الذهاب والإياب (1 ـ 0)، ليتحول في غضون أسابيع قليلة من “مدرب طوارئ” إلى بطل دون منازع وحامل طموحات الجماهير التونسية في تحقيق مسيرة لافتة في كأس العالم.
يعد جلال القادري واحدا من المدربين التونسيين الذين خرجوا من دائرة الظل بشكل مفاجئ وسريع، إذ لم يكن الكثير من المتابعين يعتقدون أن اتحاد الكرة سيمنح مدربا صاعدا مهمة بجحم قيادة المنتخب في المونديال، لكن القادري نفسه يرى أن “التجارب العالمية التي اعتمدت على صعود المدرب المساعد لخلافة المدرب الأول كانت ناجحة جدا، منتخب ألمانيا يبدو مثالا جيدا، المنتخب الإسباني أيضا، الاستمرارية كثيرا ما أثبتت جدواها”.
وعن كونه المدرب العربي الوحيد في كأس العالم 2022، يقول القادري “هذا فخر كبير يضاف إلى مسيرتي، ويتجاوز شخصي ليكون شرفا ومسؤولية للمدربين التونسيين والعرب، أعرف أن الأضواء ستسلط أكثر على اللاعبين خلال المونديال، ولكن أعتبر نفسي محظوظا، عندما تسلط عليّ القليل من الأضواء، الفرصة مواتية لأثبت جدارتي وأكتب التاريخ مع المنتخب التونسي في أول مونديال على الأراضي العربية”.
لم تكن تجربة القادري كلاعب بارزة، فقد نشأ ضمن ناد في الدرجات الهاوية، وهو نادي جريدة توزر في الدرجة الثالثة، ثم لعب 5 مواسم مع نادي أمل جربة (جنوب شرق) حتى بلوغه 30عاما، وحينها بدأ مسيرته مدربا على رأس جمعية جربة (الدرجة الثانية) وذلك في موسم 2001-2002.
ويملك القادري سجلا تدريبيا متنوعا؛ إذ أشرف في تونس على عديد من الأندية، من بينها الملعب التونسي والنادي البنزرتي وشبيبة القيروان وجمعية جربة وجندوبة الرياضية وقوافل قفصة، ودرب أندية الخليج والنهضة والأنصار في السعودية، وأهلي دبي ونادي الإمارات حتى تعيينه مدربا مساعدا للمنتخب التونسي عام 2021، ثم مدربا أول فبراير/شباط الماضي.
بخصوص حظوظ المنتخب التونسي في النهائيات، لا يساور مدرب النسور شك في صعوبة المهمة أمام منتخبات قوية، مثل فرنسا بطل العالم 2018 والدانمارك وأستراليا، لكنه يقول بلهجة الواثق “الوقت مناسب لتونس لبلوغ الدور الثاني في كأس العالم قطر 2022، منتخبنا يشارك للمرة السادسة في تاريخه في المونديال، والهدف واضح بالنسبة إلينا: تجاوز الدور الأول، سنواجه كل الخصوم بثقة وعزيمة وندية”.
يشار إلى أن تونس تخوض الدور الأول من مونديال قطر 2022 ضمن المجموعة الرابعة، التي تضم أيضا منتخبات فرنسا والدانمارك وأستراليا. ويبدأ مشوار نسور قرطاج بمواجهة منتخب الدانمارك في 22 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل بملعب المدينة التعليمية.