مع تبدّل الولاءات وتداخل المعسكرات.. أي حرب تنتظر العاصمة الليبية؟
طرابلس- منذ أسابيع تعيش العاصمة الليبية طرابلس احتقانا وتحشيدا مستمرا بين التشكيلات المسلحة المختلفة، مع تبدل متسارع في الولاءات بين قادة بعض الكتائب ومواقفهم من الصراع السياسي بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة من جهة، ورئيس الحكومة المكلفة من برلمان طبرق فتحي باشاغا من جهة أخرى.
لغة الرصاص تهيمن
وينذر هذا التوتر بتجدد الاشتباكات بين تلك القوى في أي وقت، كما يرى الخبير العسكري عادل عبد الكافي، والذي لا يرجح احتمال الدخول في حرب واسعة وطويلة الأمد على غرار ما حدث في 2019، بل يرى أن الاشتباكات المحتملة ستتخذ شكل عمليات محدودة ما سيجعل القوى الدولية تغض الطرف عنها، كما حدث مؤخرًا.
وقال عبد الكافي للجزيرة نت إن محاولات وزير الدفاع السابق اللواء أسامة جويلي وبقية القوات المناصرة له لن تتوقف لاستعادة أماكن سيطرتها في العاصمة، مرجحًا أن يظل شبح المواجهات المسلحة مخيّما على المشهد الأمني والعسكري في طرابلس بعد تمدد بعض الكتائب في مساحات تابعة لكتائب منافسة في محاولة للاستحواذ على بعض المناطق وكسب النفوذ تزامنًا مع الصراع السياسي المحتدم.
تداخل المعسكرات
في هذه الأثناء، أكدت مصادر عسكرية من وسط طرابلس للجزيرة نت وصول مقاتلين تابعين للواء المتقاعد خليفة حفتر إلى أكبر المعسكرات التابعة للواء جويلي في منطقة العزيزة جنوبي العاصمة.
ويُقدر عدد الآليات التي وصلت بنحو 600 آلية بينها سرية كاملة لصواريخ “الكورنيت”، وعلى رأسها 38 عنصرًا من كتيبة طارق بن زياد التي يقودها صدام حفتر كانت موجودة في مصنع التبغ بطرابلس ودخلت في مجموعات صغيرة بمساعدة قائد كتيبة (55) معمر الضاوي في منطقة ورشفانة المحاذية للعاصمة، والتي شهدت اشتباكات عنيفة على مدار اليومين الماضيين فيما قيل إنها عملية تطهير للمدينة من قبل قوات تابعة للدبيبة.
وقالت مصادر متطابقة إن القيادي في كتيبة ثوار طرابلس أيوب أبو راس والمنسحب من عين زارة جنوبي العاصمة، وصل مقاتلوه برفقة آليات وأسلحة ثقيلة إلى العزيزية أيضًا، بعد إعلانه الانضمام رسميا إلى معسكر باشاغا في لقاء مغلق مع مجموعة القوات المنسحبة من طرابلس إلى مدينة الزاوية غربا على خلفية المواجهات الأخيرة.
وتوعد أبو راس بالعودة إلى العاصمة بعد تحالفه مع قوات يقودها أسامة جويلي الداعم لباشاغا في انتظار وصول قوات منسحبة من سرت، يرجح أنها في طريقها للانضمام لجويلي، بحسب ما ذكرته مصادر عسكرية في مصراتة للجزيرة نت.
تحشيد محموم
في المقابل، أكدت مصادر عسكرية مقربة من جويلي في مدينة الزنتان للجزيرة نت وجود “تحشيد كبير ومحموم في المدينة بعدما أخرجت قواته من مواقعها جنوب وغرب طرابلس ومكونها الأكبر من قبائل الزنتان إضافة إلى قوات أيوب أبو راس”.
وجويلي الذي استبعد سابقا تعرض قواته لضربات بالطيران المسيّر، وقال إن ذلك سيغير المعركة جذريا، نقل عنه صحفي بالفايننشال تايمز مؤخرا تأكيده “إصابتهم بنحو 18 ضربة من المسيرات” التي يرتبط ذكرها بالعتاد التركي.
وقد تضمنت تجهيزات جويلي أيضا، بحسب المصادر ذاتها، منظومات بانتسير الروسية المعروفة بتعاملها مع الطيران عامة، والمسيرات التركية في الحرب على طرابلس قبل عامين خاصة.
الخارطة المتبدلة
أسفرت حرب اليوم الواحد التي اندلعت مؤخرا عن سيطرة القوات الموالية للدبيبة على مقرات هيثم التاجوري وكتيبة النواصي وسط العاصمة، وانسحاب قوات أسامة جويلي من “معسكر 7 أبريل” في الجنوب الغربي، وطرد قوات معمر الضاوي وحسن أبو زريبة، شقيق وزير داخلية باشاغا.
وفرضت الحرب التي لم تستمر أكثر من 17 ساعة، واقعا جديدا على الأرض حيث برزت قوات جديدة لعبت دورا حاسما في المعركة مثل “اللواء 111″، بينما استغلت قوات جهاز الردع الفرصة وتمددت في المنطقة على حساب القوات المنسحبة.
على مشارف الغليان
ويقترب الوضع في طرابلس من درجة الغليان بين القوات الأبرز فيها، وهي: النواصي أهم الكتائب الداعمة لباشاغا، وقد تقلصت بعد إخراجها من تمركزاتها على يد قوة “الردع” غير المحسوبة حتى الآن على أي طرف.
وسيطرت هذه القوات إلى جانب مواقعها الأساسية في مطار معيتيقة وقاعدة أبوستة البحرية وسوق الجمعة شرق العاصمة، على ميناء طرابلس وطريق السكة الذي يضم مؤسسات سيادية مثل المؤسسة الوطنية للنفط ومقر رئاسة الوزراء.
في المقابل، نجد قوات جهاز حماية الدستور التابع لوزارة دفاع الدبيبة، والقوة الرئيسية المكلفة بحماية حكومته، برفقة جهاز دعم الاستقرار بقيادة عبد الغني الككلي، القوة الأكبر لحكومة الوحدة الوطنية المتمركزة في حي أبو سليم.
ويُعد “اللواء 444” من القوى الأكثر تنظيما والأفضل تجهيزًا. ورغم عدم وضوح ولائه بالنسبة لكثيرين فإن تدخله كان حاسمًا ضد قوات جويلي ببوابة الجبس في الحرب الأخيرة، بل إن بعض المحللين ربط تدخله بضربات الطيران المسيّر التركي ضد قوات جويلي من حيث المكان والتوقيت.
ولا ننسى وحدات الأمن المركزي بقيادة عماد الطرابلسي، المنحدر من الزنتان والذي يبدل ولاءاته بشكل مستمر منذ حرب فجر ليبيا في 2014، وقد تولى استلام مقرات جويلي غرب العاصمة بعد إخراجه منها في آخر معركة.
الزمن يعيد نفسه
وتعتبر المعارك الأخيرة، الأولى من نوعها بين كتائب المنطقة الغربية في طرابلس منذ 2017، زمن الانقسام بين حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج وحكومة الإنقاذ برئاسة خليفة الغويل.
وفتحت هذه المعارك باب التكهنات على مصراعيه لإمكانية اندلاع حرب جديدة في ظل انسداد أفق الحوار الذي كان قد بدأ بين الدبيبة وباشاغا في وقت سابق، وخاصة أمام ما تشهده المنطقة من تبدل في الولاءات بحسب قادة الكتائب في كل مرحلة.
الموقف الدولي
رغم الترويج لفكرة أن المجتمع الدولي لن يسمح بزعزعة الأمن والاستقرار بطرابلس والمنطقة الغربية عامة، فإن الخبير العسكري عادل عبد الكافي يرى أن الأطراف الدولية الفاعلة في ليبيا “ربما تغض الطرف عن بعض المواجهات المحدودة في ظل لعبة تغيّر التحالفات بين التشكيلات المسلحة، وكذلك تبدّل المواقع وإعادة الانتشار في محاولة لإعادة رسم الخارطة الجديدة للقوى العسكرية والأمنية على الأرض”.
ولا يستبعد الخبير عبد الكافي أن يكون لحراك التشكيلات العسكرية على الأرض غطاءٌ من دول تريد كل منها كسب نقاط تفاوضية أو فرض وجه نظرها باللغة الأقرب للمشهد الحالي في البلاد.