اقتصاد

أزمة في المخزون لكثرة الاستهلاك.. لماذا لا تزرع مصر البن والشاي؟

القاهرة – لم تكن الأنباء الرائجة حول وجود أزمة في مخزون الشاي والبن بمصر صادمة للأسر المصرية التي تحتل المركز الثالث عربيا في استهلاكهما فحسب، ولكن كانت محركة كذلك لجدل في الأوساط الزراعية والنخب الاقتصادية بالبلد الذي يقترب عدد سكانه من 104 ملايين وفق التقديرات الرسمية، فهل هناك إمكانية لزراعة الشاي والبن في مصر، وما العائد الاقتصادي وراء ذلك؟

حسب خبير في بحوث التنمية الزراعية تحدث إلى الجزيرة نت، فإن هناك إمكانية وعوائد مهمة لصالح الدولة، فيما يرى مستثمر في المجال الزراعي في حديث خاص عدم وجود جدوى اقتصادية لتلك الزراعة، داعيا الحكومة لتبنيها إذا صحت التقارير الفنية بإمكانية زراعتها من أجل تشجيع المستثمرين في مرحلة أخرى في حالة جودة المنتج على الاتجاه لزراعة الشاي والبن.

ورسميا، ما زالت الأمور مليئة بالضباب، فبينما يتحرك مركز البحوث الزراعية في تجاربه لتوطين زراعة البن والشاي (مشروبات المزاج المصري) جاءت تصريحات مصدر مسؤول في وزارة الزراعة المصرية مخيبة للآمال بحسب وصف البعض، حيث أكد اعتماد استيراد أبرز أصناف الشاي والقهوة كخيار إستراتيجي للبلاد.

بالأرقام

وفق إحصائية الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في أغسطس/آب الماضي، شهدت أسعار البن والشاي ارتفاعا بنسبة 7% لهذا الشهر نتيجة نقص المخزون وأزمة التضخم.

وبحسب تقديرات غير رسمية، يعتبر المصريون ثالث الشعوب العربية استهلاكا للشاي والقهوة، ويصل استهلاك الفرد ما يقارب 273 مليار لتر من الشاي والقهوة سنويا اللذين تستوردهما مصر بنسبة 100%.

هذا الأمر يمكن أن نلاحظه في أرقام الاستيراد طبقا لأمين عام اتحاد المستوردين المصريين محمد رستم، حيث بلغ حجم استيراد مصر في الأشهر الخمسة الأولى من البن في 2022 ما يقارب 100 مليون دولار، وحجم الاستيراد خلال نفس المدة في 2021 كان 74 مليون دولار، أما بالنسبة للشاي فإن حجم استيراد مصر من الشاي الأسود في أول 5 أشهر في 2022 كان 127 مليون دولار، وفي أول خمسة أشهر من 2021 كان 120 مليون دولار.

وكشفت الأرقام كذلك في وقت سابق عن أن فاتورة استيراد المصريين من الشاي والبن خلال 2020 بلغت نصف مليار دولار.

اماكن بيع القهوة في مصر تأثرت بأزمة نقص المخزون - الصورة خاصة من تصويري
أسعار البن والشاي شهدت ارتفاعا بنسبة 7% لهذا الشهر نتيجة نقص المخزون وأزمة التضخم (الجزيرة)

إمكانية الزراعة

وتعزز هذه الأرقام الفرضية المثيرة للجدل حول إمكانية اكتفاء مصر ذاتيا من أبرز مشروبات المزاج الأسري بالبلاد التي يقترب عدد سكانها من 104 ملايين وفقا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في التاسع من سبتمبر/أيلول الجاري.

وفي سؤال للأستاذ المساعد في مركز البحوث الزراعية بالقاهرة الدكتور عبد التواب بركات قال في حديث خاص للجزيرة نت “لا أستبعد أبدا إمكانية زراعة الشاي والبن القهوة في مصر، حيث تتميز مصر بتنوعها المناخي الجغرافي وأراضيها الزراعية مختلفة، ويغذيها نهر النيل بطول ألف كيلومتر، وتحتوي على 5 أقاليم زراعية متنوعة، منها الحامضية اللازمة لزراعة الشاي والقهوة، ومنها القلوية، وفيها الفلاح المصري أقدم وأكثر مزارعي العالم خبرة بالزراعة”.

ويرى الأكاديمي المتخصص في بحوث التنمية الزراعية وسياسات الأمن الغذائي إمكانية الزراعة أيضا في ظل وجود الكفاءات البحثية الزراعية في كليات الزراعة ومراكز البحوث الزراعية بوزارة الزراعة المنتشرة في محافظات مصر ومركز بحوث الصحراء والمركز القومي للبحوث، مؤكدا أن كل هذه العوامل تستطيع سد فجوة استيراد الشاي والبن، والذي يبدد النقد الأجنبي كثيرا.

ويضيف الدكتور بركات أن الأمر يتطلب خطة إستراتيجية لتوفير نحو 50 ألف فدان من إجمالي مليون فدان مخصصة لزراعة بساتين الفاكهة، كثير منها أقل قيمة من الشاي والبن من الناحية الاقتصادية، وتتم زراعتها في الأقاليم الزراعية المناسبة، ويمكن أن يتم استقطاعها من مساحات البساتين والخضر الهامشية ضمن تركيب محصولي قومي يراعي الأولوية للمحاصيل الإستراتيجية، القمح والأرز والذرة والقطن والبقول.

ويوضح الدكتور بركات أن تجارب توطين محصول الشاي نجحت في التسعينيات من القرن الماضي في مركز البحوث الزراعية، ثم حلت محلها تجارب زراعة أنواع أقل جدوى مثل الفراولة والبطيخ على حساب محاصيل إستراتيجية، مثل القطن والأرز.

ويرى الأستاذ المساعد في مركز البحوث الزراعية بالقاهرة أن زراعة المساحة اللازمة لإنتاج احتياجاتنا من الشاي والقهوة توفر العملة الأجنبية اللازمة للاستيراد طالما أن البيئة مناسبة لزراعته في مصر، مشيرا إلى القهوة كانت المشروب الشعبي الأول في مصر قبل ثورة يوليو/تموز 1952، ثم تراجع الأمر مع تردي الحالة الاقتصادية ليحل الشاي الأرخص سعرا محلها، وكان يختفي لفترات طويلة بسبب عجز الحكومة عن توفير العملة الأجنبية لاستيراده.

اقرأ ايضاً
توقيع اتفاق انضمام "قطر للطاقة" لتحالف للتنقيب عن النفط في لبنان
000 Nic6492494
فاتورة استيراد المصريين من الشاي والبن خلال 2020 بلغت نصف مليار دولار (الفرنسية)

ما موقف الحكومة؟

وفق رصد الجزيرة نت، فإن هناك اتجاها بحثيا رسميا، لكن لم يتم تبنيه حكوميا، فالتصريحات الرسمية تعتمد مسار عدم قابلية الإنتاج بالبلاد.

وعلى أرض الواقع يتحرك مركز البحوث الزراعية بالقاهرة ممثلا في معهد بحوث البساتين في مسار زراعة البن والشاي، حيث يولي اهتماما لإكثار نباتات البن في مزارعه في محافظات الجيزة والبحيرة والقليوبية بواسطة باحثين من قسم بحوث الفاكهة الاستوائية في المعهد، ويسعى في القريب العاجل إلى أن يكون هناك إنتاج من البن المصري يطرح في الأسواق للحد من الاستيراد وسد الاحتياجات، وفق تصريحات صحفية.

وكشف الدكتور مرتضى خاطر رئيس البحوث المتفرغ في معهد بحوث البساتين ورئيس المشروع القومي للشاي بمصر الذي تم إغلاقه في التسعينيات في تصريحات لصحيفة الأخبار الحكومية عن أن المعهد نجح في زراعة 30 نوعا من الشاي في التسعينيات، لكن سببا مجهولا وراء التوقف عن استمرار المشروع حتى الآن، أما رسميا فالاتجاه إلى عدم تبني الزراعة هو سيد الموقف حتى الآن.

وقال مصدر مسؤول بوزارة الزراعة في تصريحات صحفية قبل أيام “إن زراعة أشجار الشاي لا تجود في مصر بسبب تربتها القلوية، لذا فإننا نستورد 100% من استهلاكنا لمنتجات الشاي والقهوة”.

البعد الاقتصادي

أما البعد الاقتصادي فلا زال تشتبك فيه أطراف عديدة بعد نقص حصة السوق المصري الواردة من الخارج بسبب التغيرات المناخية، خاصة في البرازيل، إضافة إلى إجراءات البلاد لتوفير العملة الأجنبية.

وطال الأمر مستويات عديدة، سواء المستثمر الزراعي الذي من المفترض أن يتجه للإنتاج في حال إمكانية توطين تلك الزراعة أو شركات الاستيراد وتجار التجزئة وشركات المنتجات المتصلة بالشاي والبن، أو المقاهي المشتبكة مع الأزمة.

استثماريا، يرى عمرو علي صاحب إحدى شركات الاستثمار الزراعي في حديث للجزيرة نت أن زراعة البن والشاي في مصر تتطلب درجة حرارة مرتفعة، وتحتاج إلى معدات زراعية بمواصفات مكلفة، لتوفير هذه الدرجة، وهو ما يجعل التكلفة الأساسية للزراعة باهظة ولا تفي بمردود مالي على المزارع.

ويضيف أن الجودة ستختلف لا شك، فالشاي الكيني يختلف عن الشاي التركي، فما بالك بالشاي المصري إذا تمت زراعته، والأمر نفسه في البن، وبالتالي فالمنتج قد لا يلقى قبولا داخليا ولن ينافس عالميا في التصدير، وهو ما يجعلني كصاحب مشروع لا أتجه إلى زراعته من الأساس.

ويعلق علي على الحديث المتداول على إمكانية زراعة البن والشاي في مصر بأنه حديث قد يكون علميا من الناحية النظرية ولكنه لا يحقق جدوى اقتصادية للمستثمرين من الناحية الاقتصادية، وبالتالي فيمكن للحكومة أن تتولاه حتى نرى بشائره التي تدفع نحو الاتجاه إليه.

علاء حمدي قريطم -وهو أحد أبرز رجال الأعمال العاملين في مجال صناعة الشاي بمصر، وعضو لجنة الصناعة بمجلس النواب كذلك- أطلق من جانبه تصريحات قبل أيام تطالب بالبدء في زراعة الشاي فورا، وفق الموقع الإلكتروني لمجلة دار الهلال الحكومية.

وأوضح قريطم أهمية النظر في تجارب بعض الدول التي سبقت مصر في مجال زراعة الشاي ودراستها، مثل كينيا والهند وملاوي ورواندا وسريلانكا وتركيا.

بدوره، يرى رئيس شعبة البن في الغرفة التجارية حسن فوزي أن هناك جدوى اقتصادية من زراعة البن بمصر، مؤكدا وفق تصريحات صحفية أن ذلك يوفر “آلاف الدولارات، مع التوجه للتصدير أيضا”.

وتقدمت شركة شاي العروسة الشهيرة في مصر بشكوى رسمية إلى مجلس الوزراء مؤخرا عبرت فيها عن قلقها من صعوبة توفير العملة الصعبة “الدولار” اللازمة لعمليات استيراد الشاي لتلبية احتياجات الاستهلاك المحلي، خاصة أنها تستورد 60% من احتياجات السوق المصري، مما يلقي بظلاله على الأمر برمته.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى