الاخبار العاجلةسياسة

بين مخاوف العاملين ونفي الحكومة.. هل يودع المصريون “ماسبيرو”؟

القاهرة – ما بين الدعوة للتطوير والحفاظ على التراث ومعالم العاصمة أذكت الأخبار المتعلقة بنقل مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو) من وسط القاهرة إلى العاصمة الإدارية الجديدة -ضمن خطة الدولة لنقل مختلف مقرات المؤسسات الحكومية الرئيسية- التكهنات حول مستقبل المبنى الضخم المطل على النيل وسط القاهرة، والذي يضم ذاكرة المصريين التلفزيونية والإذاعية.

وتدرس الحكومة المصرية –بحسب مواقع محلية– تخصيص أحد الأبراج في حي المال والأعمال بالعاصمة الإدارية الجديدة ليكون امتدادا لمبنى ماسبيرو القديم، وتحويل الأخير إلى فندق.

وقالت مصادر إعلامية متطابقة في المبنى الذي أنشئ قبل 6 عقود “إنها لم تبلغ بأي شيء من هذا القبيل”، ولكنها أكدت أن “الأمور تسير في هذا الاتجاه”، بسبب ما وصفتها “بحالة الإهمال غير المسبوقة التي يمر بها المبنى منذ سنوات”.

وأوضحت المصادر ذاتها في تصريحات للجزيرة نت أنه تم بالفعل هدم الكراج الملحق بالمبنى العام الماضي المكون من عدة طوابق ضمن خطة الدولة لتطوير ما تعرف بمنطقة مثلث ماسبيرو، مما أثار غضب العاملين حينها، كما سيتم هدم المبنى “س” والمبنى “ص” خلف المبنى، علاوة على نقل جزء من الإداريين إلى مؤسسات حكومية أخرى.

وكشف عدد من الإعلاميين في قطاعات عدة داخل ماسبيرو أن المبنى استقبل العام الماضي وفدا من الهيئة الهندسية للقوات المسلحة لمعاينته دون الكشف عن هدفها.

وأضافوا أن أحد مراسلي المبنى اطلع في وقت سابق على خريطة من قبل أحد المشرفين الهندسيين على المشروع، واتضح من خلالها أنه لا وجود لمبنى باسم الإذاعة والتلفزيون عام 2026، مما يعني تحويل نشاطه إلى نشاط آخر ضمن تطوير المنطقة.

وقال المراسل إنه اطلع على الخريطة أثناء تغطيته الميدانية لأعمال تطوير مثلث ماسبيرو خلف مبنى التلفزيون.

تدني أوضاع المبنى والعاملين

ومنذ مطلع العام الجاري شهد المبنى -الذي يضم قنوات التلفزيون ومحطات الإذاعة الحكومية- احتجاجات متكررة على ظروف العمل وتدني مستويات الأجور والمستحقات المالية المتأخرة التي لم يحصل عليها العاملون منذ عدة سنوات.

وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي لقطات للمذيعة المصرية هالة فهمي تطلق فيها صيحة فزع وتحذر مما وصفته بجحيم قادم وسيطال الجميع بسبب ممارسات قوات الأمن في المبنى، قبل أن يتم اعتقالها في وقت لاحق وتوجيه عدة اتهامات لها، من بينها الترويج لأخبار كاذبة.

يأتي ذلك على بعدما قامت الحكومة في عام 2018 بإخلاء السكان من منطقة مثلث ماسبيرو الكائنة خلف مبنى الإذاعة والتلفزيون، وهي منطقة شعبية عشوائية بموقع إستراتيجي على مساحة 75 فدانا (الفدان 4 آلاف متر)، لتحويلها إلى منطقة استثمارية تضم أنشطة تجارية وسياحية وترفيهية.

خطة التطوير شملت أيضا مجمع التحرير القريب من ماسبيرو، ففي نهاية العام الماضي شهد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي توقيع اتفاقية لإعادة تأهيل مجمع التحرير بعد إخلاء المبنى الذي يطل على ساحة ميدان التحرير الذي شهد أحداث ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 بإجمالي استثمارات أكثر من 3.5 مليارات جنيه مصري (الدولار يساوي 19.40 جنيها تقريبا).

 

نفي رسمي

الضجة التي أثارتها تقارير الصحافة المحلية دفعت رئيس الهيئة الوطنية للإعلام حسين زين إلى نفي ما يتم تداوله على صفحات التواصل الاجتماعي بشأن بيع مبنى ماسبيرو وتحويله إلى فندق، والانتقال إلى العاصمة الإدارية الجديدة.

وأكد زين -في تصريحات صحفية- أن المبنى سيظل كما هو دون مساس، مشيرا إلى أن مبنى الإذاعة والتلفزيون مثل أي جهة حكومية لديه مقر في العاصمة الإدارية، لكنه ليس مقرا أساسيا، وإنما سيكون مبنى تابعا.

في المقابل، يؤكد عدد من الإعلاميين في المبنى أن الأمر محسوم، ونقلت صفحة “ماسبيرو الأصل” رفض العاملين مثل هذا الإجراء، وهي صفحة غير رسمية على موقع فيسبوك تهدف إلى أن تكون منبرا لأصوات العاملين في المبنى من برامجيين وإداريين.

وفي ظل اعتزام الحكومة المصرية إنشاء أول مدينة للإعلام والصحافة (ميديا سيتي) في العاصمة الإدارية على مساحة 400 فدان لإنشاء المدينة الجديدة -وهي تعادل أضعاف مساحة مبنى ماسبيرو عشرات المرات- يصبح الثقل الإعلامي والإذاعي لا علاقة له بالمبنى العتيق في ماسبيرو.

ماسبيرو.. الاسم والمكانة

مبنى ماسبيرو -الذي يطل على نهر النيل مباشرة- هو من أقدم مقرات الإذاعة والتلفزيون الحكومية في الشرق الأوسط وأفريقيا، وتم تشييده في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على مساحة 12 ألف متر، وبدأت عملية البناء في أغسطس/آب 1959 وتم الانتهاء منه في 21 يوليو/تموز 1960.

اقرأ ايضاً
بنيامين نتنياهو أمر بمنع تحليق الرحلات القادمة من الأردن

واشتهر مبنى الإذاعة والتلفزيون المصري بهذا الاسم، لأنه يقع في منطقة ماسبيرو المتاخمة لميدان التحرير في قلب القاهرة، والتي تحمل اسم عالم المصريات الفرنسي غاستون ماسبيرو.

ارتبط وجدان المصريين وتعلقت أذهانهم بالمبنى الكبير الذي يأخذ شكلا أسطوانيا مميزا، واعتادوا على رؤيته في كل عمل فني ودرامي للتلفزيون المصري، وشهد وجود وميلاد وحضور آلاف الفنانين والممثلين والمطربين والمقرئين والمفكرين والمثقفين والعلماء والسياسيين طوال أكثر من 6 عقود.

وشهد محيط المبنى -الذي يقع غير بعيد عن ميدان التحرير- مظاهرات عديدة إبان ثورة 25 يناير/كانون الثاني، وفرضت القوات المسلحة حراسة مشددة عليه ومنعت الاقتراب منه، ورغم ذلك وقعت اشتباكات دامية بين متظاهرين وعناصر من الشرطة العسكرية أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات حينها، وهي ما عرفت إعلاميا بـ”مذبحة ماسبيرو” في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2011.

ومبنى ماسبيرو هو إحدى أكثر المؤسسات في الدولة المرهقة بالديون، إذ بلغ إجمالي الديون المتراكمة 42 مليارا و600 مليون جنيه، بحسب بيان للهيئة الوطنية للإعلام عام 2021، ويضم آلاف العاملين.

ردود فعل غاضبة

وانتشرت ردود غاضبة بين العاملين، وقالت الإعلامية ريهام منيب إن “كلمة النهاية كتبت من سنين، وكلنا عارفين (نعلم) حتى لو مش عايزين (لا نريد) نصدق، بس أرواح المبدعين حتفضل (ستظل) ساكنة مكانها وانتوا الخسرانين”.

ونقلت الصفحة التي دشنت وسم “صورتك مع ماسبيرو” عن المخرجة داليا فهمي المخرجة بالقناة الفضائية المصرية قولها إن هناك خطة لتوصيل المبنى إلى هذه الحالة “الرثة”، وتساءلت “من الذي أغلق جميع مصادر التمويل (قطاع الإنتاج، شركة صوت القاهرة، الشركة المصرية لمدينة الإنتاج الإعلامي) وأنشأ بدلا منها إعلاما بديلا هو المتحدة للإعلام (تمتلك أغلب وسائل الإعلام والإنتاج الفني في مصر)، مشيرة إلى أن أصغر موظف في المبنى يتعدى عمره 45 سنة” على حد قولها.

تحت عنوان “فندق ماسبيرو” كتب الإعلامي محمد علي خير في صفحته الشخصية على فيسبوك قائلا “أتمنى عدم صحة خبر تحويل مبنى ماسبيرو إلى فندق، وأسبابنا هي أن المنطقة التي يقع فيها ماسبيرو عامرة بالفنادق، وأغلب الفنادق السابق ذكرها تعاني من قلة الإقبال، قيل لنا إن مجمع التحرير هيتحول لفندق ضخم.. إزاي بقي (كيف) هيبقى (سيكون) عندنا فندقان بتلك الضخامة في مكان واحد.. مجمع التحرير وماسبيرو”.

وتساءل “أين دراسة الجدوى التي تؤكد أن المنطقة تعاني من طلب سياحي عالمي يفوق عدد الفنادق الموجود؟ سؤال أخير هو: أنت يا حكومة معاكي فلوس لتحويل ماسبيرو إلى فندق واحنا منعرفش (نحن لا ندري)؟”.

ليس الوحيد

على الجانب الآخر، علق المذيع عمرو أديب المقرب من السلطة على الحديث عن نقل مبنى ماسبيرو بالقول “هناك حديث عن نقل ماسبيرو، وأنت تعلمون رأيي في الموضوع، لكن أريد أن أقول معلومة بسيطة، الـ”بي بي سي” (هيئة الإذاعة البريطانية) تم نقلها بالكامل بعد إنشاء مبنى جديد بالكامل”.

وأضاف “إذا وجدت في دراسة الجدوى الفنية والاقتصادية أن الأفضل هو نقل مبنى ماسبيرو فليكن ذلك، كل الناس على استحياء يقولون حرام عليكم نقل مبنى ماسبيرو، فإذا كان يمكن تطويره فلمَ لا”.

وتهكم من القول أن يكون هناك امتداد لماسبيرو، قائلا “على أساس أنه ناجح جدا فسنقوم بعمل امتداد له في العاصمة الإدارية، فإما أن نقوم بنقله أو تركه كما هو”، مستنكرا الحديث عنه كأنه علم وعلامة في البلاد.

وجهة نظر أديب تتماشى مع توجهات السلطة المصرية في نقل جميع المؤسسات الحيوية بالبلاد مثل الوزارات والبرلمان بغرفتيه وقصور الرئاسة إلى العاصمة الإدارية الجديدة، لإفساح الطريق أمام استغلال تلك المباني في وسط العاصمة والتي تعاني من تكدس كبير واكتظاظ سكاني ضخم لصالح إقامة مشروعات استثمارية بأموال مستثمرين وتحويلها إلى منطقة جذب سياحي وتجاري وترفيهي.

يصل سعر المتر في الوحدات التجارية في أبراج ماسبيرو الملاصقة إلى 131 ألف جنيه ويرتفع إلى 160 ألفا حسب مساحة الوحدة ونظام السداد، وبهذا تكون أقل وحدة تجارية بـ9 ملايين و825 ألف جنيه وتصل إلى 12 مليون جنيه وفق مواقع محلية.

جس نبض

من جهته، اعتبر الكاتب الصحفي سليم عزوز أن “نقل ماسبيرو مع النفي الحكومي هو مسألة وقت”، مضيفا أن “السلطة التي قررت نقل كل مؤسسات الدولة إلى العاصمة الإدارية الجديدة هناك لا يمكن أن تترك المؤسسة الأهم وهي الإعلام بعيدة عن منطقتها الخضراء”.

وتابع عزوز -في تصريحات للجزيرة نت- “ويلاحظ أن النفي كان بعد رد الفعل، وأن الفعل كان جس نبض ومن موقع مملوك للأجهزة الأمنية، وإذا كان الخبر كاذبا فإن السؤال المهم هو: لماذا تقاعست السلطة عن توجيه الاتهام (الموضة) في السنوات الأخيرة للموقع، وهو الاتهام بنشر أخبار كاذبة؟”.

واختتم عزوز حديثه بالقول “في تقديري أنها لو نجحت في احتواء ردة الفعل فسوف تكون البداية الحقيقية لتصفية هذا المبنى والتخلص من معظم العاملين فيه”.

في 21 أغسطس/آب الماضي نقل موقع “مدى مصر” (مستقل) عن مصدرين بالحكومة أن المباحثات في مدينة العلمين بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره الإماراتي الشيخ محمد بن زايد شملت التوسع الإماراتي في منطقة مثلث ماسبيرو، وذلك بشراء مبنى وزارة الخارجية المجاور لأبراج ماسبيرو، وخطة الانتهاء من نقل من تبقوا من سكان شارع 26 يوليو والنطاق التجاري المسمى “وكالة البلح”، إلى جانب ملف جزيرة الوراق المتعثر أيضا، في ضوء عدم تمكن الدولة من تسليم كامل الجزيرة للمستثمر الإماراتي.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى