منجم فوسفات المكناسي.. ثروة ضائعة في تونس
يجرّون أذيال الخيبة وتعتريهم مشاعر الغضب والقهر؛ هكذا استقبلنا رشدي وفرحات وعماد، عمّال سابقون في منجم فوسفات (فسفاط) المكناسي بمحافظة سيدي بوزيد (وسط غربي)، وهم يعانون تبعات إيقاف العمل بالمنجم وغلقه وإحالتهم “قسرا” على البطالة.
أُقرّ مشروع منجم المكناسي في أبريل/نيسان 2013، ويضم 4 مقاطع (منقار نصر وعبد الله وقرقيبة وكاف النسور)، وتُقدّر مدخرات الفوسفات في مقطع “منقار نصر” بـ17 مليونا و92 مليون طن من الجبس.
وكان يعمل بهذا المقطع المذكور 163 عاملا من أبناء المنطقة، ويستخرج 600 ألف طن من الفوسفات سنويا، وأنجزت الدراسات المتعلقة بالمقاطع الثلاثة المتبقية وهي جاهزة للعمل والإنتاج ولانتداب مزيد من اليد العاملة بكامل محافظة سيدي بوزيد.
ويمتاز هذا المنجم بجودة فوسفاته الرفيعة حيث يبلغ طول سمك طبقته 17 مترا وهي من أجود الأنواع وطنيا ومغاربيا.
في عام 2013، نجح رشدي قاسمي في اختبار وطني أجرته شركة “فسفاط قفصة” المشرفة على مشروع منجم المكناسي، وباشر العمل فيه عام 2018 حتى مايو/أيار 2021 تاريخ غلقه.
أسباب واضحة
يقول قاسمي (35 سنة) للجزيرة نت “لم يوضح أي طرف مسؤول أسباب غلق المنجم، كما أن وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة نائلة نويرة القنجي وعدت خلال لقائها بعض العمال في فبراير/شباط 2022 باستئناف العمل فيه في أبريل/نيسان 2022، لكنها لم تف بوعدها”.
وطالب رئيس الجمهورية قيس سعيّد بالتدخل العاجل لإيجاد حل لأوضاعهم الاجتماعية “المزرية”، ويؤكد “بيننا من لم يستطع سداد إيجار سكنه منذ أشهر، فاحتجز أصحاب المنزل أثاثه”.
بدوره، وجد فرحات خصخوصي (43 عاما) -والد لطفلين- نفسه دون سابق إنذار عاطلا عن العمل؛ بعد فقدان عمله في تخصص المتفجرات بالمنجم، ويقول للجزيرة نت “أعيش كل يوم بيومه، أصبتُ بمرض السكري من فرط التفكير وضغوط الحياة المتراكمة علي”.
ويحمّل فرحات الدولة مسؤولية تردّي أوضاعهم المعيشية، ويؤكد “مر على وزارة الصناعة والمناجم والطاقة 5 وزراء، كلهم أخلفوا وعودهم التي قطعوها، ومنجم المكناسي مربح للدولة وحل لمعضلة البطالة التي يعاني منها أبناء سيدي بوزيد، ولا توجد أي أسباب موضوعية لغلقه”.
وينتقد بشدة تذرّع السلطة الحالية بتسبّب المنجم بآثار سلبية على البيئة وبإفلاس الدولة لإغلاقه، ويتساءل: “استخرجنا 600 ألف طن من الفوسفات من أجود الأنواع، فأين ثمنها؟”.
ويشدد على أنهم كانوا يعملون بإمكانيات لوجستية بسيطة وبآلات قديمة مهترئة ودون أدنى شروط السلامة، و”لكن صبرنا وصمتنا ولا نطلب إلا إعادتنا لمصدر رزقنا الوحيد”.
أما عماد مصباحي (40 سنة) -والد لطفلة- فكان أيضا يعمل في المنجم في تخصص المتفجرات، ويقول للجزيرة نت “استوفينا حلول الأرض والسماء مع كل الأطراف المسؤولة عن المنجم، وهم يتلاعبون بنا منذ فتحه، أين ذهبت القروض التي حصلوا عليها لاستغلال الأرض التي يوجد عليها المنجم؟”.
ويؤكد أن وزيرة الصناعة والمناجم والطاقة وعدتهم خلال لقائهم بأن الأمور ستتغير بعد تاريخ 25 يوليو/تموز 2021 (تدابير سعيّد الاستثنائية)، “يتحدثون عن العشرية السوداء وها نحن نشاهد ما هو أشد سوادا حاليا، فلسنا من طالبي العمل بل كنا نعمل وهم من أحالونا على البطالة بحجج كاذبة”.
تصعيد
ويشدد على أن عمال المنجم ضاقوا ذرعا بـ”لا مبالاة الدولة”، و”حلولها المؤقتة”، وأنهم لن يصمتوا عن حقوقهم المشروعة والمسلوبة، محذرا من خطوتهم التصعيدية القادمة بقطع الكهرباء عن المجمع الكبير في مدينة المكناسي الذي يزود محافظات سيدي بوزيد وقفصة وقابس (الجنوب الشرقي) بالكهرباء، “فقط نريد من يسمعنا”.
ويشار إلى أن عمّال منجم “فسفاط المكناسي” نفذوا سلسلة من التحركات الاحتجاجية للفت نظر السلطات المحلية والجهوية والوطنية لحل مشكلتهم وتسوية أوضاعهم، وتعيينهم الفوري في شركة “فسفاط قفصة”؛ قوبلت كلها “بالتجاهل”.
وأغلق العمال في الأول من الشهر الماضي الخط الحديدي رقم 13 بمدينة المكناسي أمام قطار المسافرين ونقل الفوسفات، ونفذ عدد منهم اعتصاما مفتوحا في محطة القطارات بالمدينة.