713 عراقيا قضوا في حوادث جنائية خلال شهر.. تعرف على الأسباب
بغداد- بعد أن كشفت وزارة الصحة العراقية عن تسجيل أكثر من 700 حالة وفاة في العراق، خلال أغسطس/آب الماضي نتيجة حوادث جنائية متنوعة، يؤشر العديد من المراقبين للشأن العراقي ارتفاعا مطردا في نسبة الجرائم لتصل الإحصائيات إلى أرقام لم تسجل في البلاد منذ سنوات.
وفي إحصائية لهذه الوزارة المعنية أعلنت عنها قبل أيام، كشفت دائرة الطب العدلي عن تسجيل 713 حالة وفاة خلال الشهر الماضي ما بين حوادث جنائية ومرورية وغيرها، ومنها 24 حالة وفاة لمقيمين من جنسيات عربية وأجنبية.
في غضون ذلك، أوضح مدير عام دائرة الطب العدلي زيد علي عباس أنهم، بحسب الإحصائية الرسمية، تسلموا أكثر من 700 جثة، وردت من الجهات التحقيقية ومراكز الشرطة نتيجة لجرائم قتل وقضايا جنائية متعددة ووفيات طبيعية، مبينا أن 71% من المجني عليهم من الذكور و29% من الإناث.
وعن حيثيات هذه الإحصائية، يؤكد مدير قسم فحص الأموات بدائرة الطب العدلي في العاصمة عبد الوهاب عصام أن دائرته سجلت 713 قضية جنائية توزعت بين 83 حالة وفاة نتيجة الحوادث المرورية، وتبين أن 72 حالة وفاة كانت نتيجة طلق ناري، في الوقت الذي قضى فيه 28 مواطنا نتيجة للحرائق و37 وفاة ناتجة عن الصعقات الكهربائية، لافتا إلى أن بقية النسب تتوزع بين الحالات المرضية والحوادث المتفرقة، بحسب تعبيره.
تضارب في الأرقام
وتعليقا على هذه الإحصائية، يقول المتحدث باسم الداخلية اللواء خالد المحنا إن الإحصائية التي أعلنت عنها “الصحة” متنوعة ولحوداث متفرقة، لافتا إلى أنه رغم أن مجموع الوفيات مرتفع فإنه في كثير من الأحيان لا تتشابه ظروف الوفاة، مضيفا “إذا ما اعتبرنا أن الحوادث المرورية لا علاقة لها بالحوادث الجنائية، وكذلك الحوادث الناتجة عن الحرائق أو الصعقات الكهربائية، فإن الداخلية سجّلت أرقاما أقل بكثير مما سجلته الصحة”.
وعن جهود الداخلية، تابع المحنا -في حديثه للجزيرة نت- أن الوزارة ومن خلال وكالاتها الأمنية تعمل بكل جهودها للحد من الأعمال الجنائية، بعدما تمكنت الأجهزة الأمنية من الحد من الأعمال “الإرهابية” خلال السنوات الماضية.
أسباب متنوعة
تثير أعداد الوفيات في أغسطس/آب قلق العراقيين الذين كانوا قد تنفسوا الصعداء بعد أن تراجعت حدة الصراعات الطائفية في غالبية المدن والتي بلغت ذروتها بين عامي 2006 و2008، ليعود العراق مرة أخرى لتسجيل أرقام قياسية بأعداد الضحايا.
من جهته، يرى الخبير الأمني صفاء الأعسم أن إحصائية معدل أعداد الضحايا التي سجلت خلال الفترة الماضية تجاوزت ما سجله العراق خلال الحرب الطائفية بين عامي 2006 و2008، لافتا إلى أن البلاد لا تزال تشهد الكثير من جرائم القتل والاغتصاب والسطو المسلح وغيرها، منبها إلى أن هناك شكوكا بأن أعداد الضحايا أكبر مما هو معلن، سيما ما يتعلق بالجرائم ذات الصلة بالصدامات السياسية، بحسب تعبيره.
المخدرات
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول الأعسم “هناك تهاون في العقوبات الخاصة بتجارة وتعاطي المخدرات، وينبغي أن يكون للقانون سلطة أقوى في فرض عقوبات مشددة لردع جرائم المخدرات التي تفضي إلى الجرائم الجنائية، وهو ما يؤشر لوجود ضعف في الجانب الأمني وفرض القانون”.
ويعلل ذلك من خلال استشهاده بإحصائية كانت الداخلية قد أفصحت عنها من خلال تصريح للوزير الحالي عثمان الغانمي الذي كان قد أكد في وقت سابق أن ما نسبته 50% من الشباب يتعاطون المخدرات، وهو ما يستوجب التصدي لهذه الظاهرة -بحسب الأعسم- من خلال إجراءات صارمة لتعزيز ثقة المواطن بالأمن وبسلطة القضاء.
ويذهب في هذا المنحى الخبير القانوني علي التميمي الذي يضيف أن الجرائم الجنائية المتصاعدة بالعراق تعزى لارتفاع معدلات تعاطي المخدرات والاستخدام المفرط لأجهزة الجوال وإدمان مشاهدة المسلسلات المدبلجة التي تظهر في حلقاتها حالات انتحار وما شابه، لافتا إلى ضعف الوازع الديني والوضع الاقتصادي المتردي حيث تدفع هذه الأسباب مجتمعة لارتكاب الجرائم، بحسبه.
وفي حديثه للجزيرة نت، يؤكد التميمي أن العراق اليوم بحاجة لتشريع بعض القوانين منها قانون المسعِف الطبي الذي يخشى من المساءلة القانونية والعشائرية، فضلا عن ضرورة تشريع قانون مكافحة العنف الأسري الذي يعد الأهم، مع ضرورة استحداث مناهج دراسية مركزة تنمي روح القيم وتعزز مبادئ حقوق الإنسان.
دوافع نفسية
لا تقف أسباب الجرائم عند حد معين، إذ يشير رئيس الجمعية النفسية العراقية قاسم حسين صالح إلى 3 دوافع نفسية وراء ارتكاب الجرائم تتمثل بالناحية البيولوجية والاجتماعية والاقتصادية.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح صالح أن هذه الدوافع ازدادت بعد عام 2003 بشكل ملحوظ، إضافة إلى ظهور دوافع جديدة مثل انتهاك قدسية الحياة وسهولة القتل لأسباب طائفية أحيانا، مضيفا “إن ما عاناه العراقي بعد 2003 من بؤس ومن استفراد بالسلطة والثروة، ولّد لديه ضغوطا نفسية وشعورا حادا بالحيف، فدفعته قسرا إلى ارتكاب الجرائم للتفريغ النفسي في أجواء تضعف أو تنعدم فيه سلطة القانون”.
وينبه صالح بختام حديثه إلى طبيعة النظام الاجتماعي والسياسي، حيث تضاعفت فيه حالات الطلاق وتعاطي المخدرات والانتحار -وحتى الإلحاد- لتخلف أجواء تستوعب ارتكاب الجريمة لدى المحبطين الذين يفتقدون المعنى الحقيقي لسبب وجودهم في الحياة.