بشر نورزاي وفريريتشز.. تعرف على طرفي صفقة تبادل السجناء بين طالبان وواشنطن
كابل- أثار إعلان البيت الأبيض وحكومة طالبان الأفغانية صفقة تبادل سجناء تم بمقتضاها الإفراج عن بَشَر نورزاي المقرب من مؤسس حركة طالبان، مقابل إطلاق سراح المهندس الأميركي مارك فريريتشز المحتجز في أفغانستان منذ عامين؛ تساؤلات عن الصفقة وأطرافها وملابساتها.
وقال وزير الخارجية الأفغاني بالوكالة أمير خان متقي إن التبادل تم في مطار كابل صباح اليوم الاثنين، وأضاف الوزير الأفغاني أن إطلاق سراح بشر نورزاي من معتقل غوانتانامو يمثل صفحة جديدة في العلاقات الأفغانية الأميركية. كما أكد متقي أن اتفاق الدوحة دليل على أن المفاوضات هي أسهل طريقة لحل القضايا العالقة بين كابل وواشنطن.
من بَشَر نورزاي؟
ولد حاجي بشر نورزاي في مديرية ميوند بولاية قندهار جنوبي أفغانستان لعائلة ثرية، وكان والده محمد عيسى نورزاي من وجهاء قبيلة نورزاي، أشهر القبائل البشتونية في الولايات الجنوبية.
وكان بشر نورزاي مقرّبا من مؤسس وزعيم حركة طالبان الملا محمد عمر. ونظرا لثرائه، فقد كان يوفر الدعم المالي للحركة، ومن ذلك تقديم 350 سيارة رباعية الدفع للحركة عند تأسيسها عام 1994.
ويقول مصدر مقرب من بشر نور زاي للجزيرة نت إن صيت بشر نورزاي ذاع خلال سنوات قليلة، وقد عمل معه مواطنان أميركيان في إدارة أعماله وتجارته، ولكن شقيقه حميد نورزاي لم يكن يرتاح لوجود الأميركيين إلى جانب شقيقه، وكان يعترض على وجودهما.
وبعد سقوط حكومة حركة طالبان عام 2001، سلم حاجي بشر نورزاي 40 سيارة، و15 شاحنة مليئة بالأسلحة وعدد من صواريخ كروز إلى حاكم ولاية قندهار “كل آغا شيرازي”، والتقى بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول بضباط من المخابرات الأميركية في سبين بولدك قرب الحدود مع باكستان، ونقل إلى مدينة قندهار، حيث تم احتجازه واستجوابه لمدة 6 أيام من قبل الأميركيين قبل أن يفرج عنه.
ولاحقا، استدرجته المخابرات الأميركية إلى الولايات المتحدة حتى يقدم توضيحات على خلفية اتهامه بتهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة، واعتقل في مدينة نيويورك عام 2005، ووجهت له تهمة تهريب مخدرات بقيمة 50 مليون دولار.
وفي عام 2008، حُكم عليه بالسجن مدى الحياة، وتم رفض استئنافه مرتين في عام 2013، وقضى في السجن الأميركي 17 سنة، قبل أن يفرج عنه اليوم.
يقول مصدر حكومي للجزيرة نت إن “نورزاي استفاد من وقته في السجن، فحفظ القرآن الكريم، وأجاد اللغة الإنجليزية، وكان يمارس الرياضة للحفاظ على صحته”.
من المهندس الأميركي مارك فريريتشز؟
ولد فريريتشز في 13 يوليو/تموز 1962، وعمل في الجيش الأميركي مهندسا مدنيا، وزار أفغانستان منذ 2012 بصفته مدير الدعم اللوجستي، وهو من قدامي المحاربين في البحرية الأميركية.
تقول مصادر أفغانية إن فريريتشز اختطف على أيدي مسلحي طالبان في أبريل/ نيسان 2020 في ولاية خوست جنوب شرقي أفغانستان مع مترجم أفغاني، واقتادوه إلى جهة مجهولة، ورغم تعقب المخابرات الأميركية هاتفه الخلوي ومداهمة منطقة قريبة من مكان اختطافه، إلا أنهم لم يعثروا عليه.
وفي العاشر من مايو/أيار 2020، عرض “مكتب التحقيقات الفدرالي” (FBI) مكافأة قدرها مليون دولار مقابل معلومات تساعد في إطلاق سراح فريريتشز أو إنقاذه.
وفي اليوم نفسه قالت حركة طالبان إنها أجرت تحقيقا موسعا مع فصائلها ومسلحيها للتأكد من وجود فريريتشز وتبين أنه غير موجود لديها.
ولكن في الأول من أبريل/نيسان 2022 تم نشر فيديو يظهر فيه فريريتشز مناشدا السلطات الأميركية بإطلاق سراحه، وبعد مفاوضات استمرت 6 أشهر تمكن الجانبان الأميركي والأفغاني من عقد صفقة تبادل السجناء بينهما.
ويقول مصدر حكومي أفغاني للجزيرة نت “جاء وفد أميركي في مايو/أيار الماضي إلى أفغانستان للحديث عن الإفراج عن المهندس الأميركي، ولكن الحكومة الأفغانية أنكرت وجوده لديها، ثم اعترفوا به، ولكن بشرط عقد صفقة لتبادل السجناء مع الولايات المتحدة، وقُدم اسم بشر نورزاي”.
ماذا جرى خلف الكواليس؟
طالبت حركة طالبان بالإفراج عن بشر نورزاي في الجولة السابعة من مفاوضاتها مع الولايات المتحدة في يوليو/تموز 2019، ولكن الأمر أُجّل بسبب إلغاء الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب المفاوضات مع حركة طالبان.
ويقول الكاتب والباحث السياسي حكمت جليل للجزيرة نت إن الصفقة كانت تواجه مشكلتين، الأولى أن الدستور الأميركي لا يسمح بتبادل السجناء، والمشكلة الثانية أن نورزاي سُجن بقرار من محكمة أميركية وإطلاق سراحه يحتاج إلى موافقة الكونغرس الأميركي أو قرار رئاسي؛ لذا استغرقت عملية التبادل فترة طويلة.
وأثارت الولايات المتحدة موضوع إطلاق سراح المواطن مارك فريريتشز عدة مرات، حتى إن وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو تحدث عن الموضوع مع الحكومة الأفغانية أثناء زيارته الأخيرة إلى أفغانستان، كما تحدث المبعوث الأميركي إلى أفغانستان تام ويست عنه خلال لقائه وزير الخارجية الأفغاني أمير خان متقي في الدوحة والنرويج.
وتعد هذه الصفقة لتبادل السجناء؛ الأولى مع الولايات المتحدة بعد وصول حركة طالبان إلى السلطة، والثالثة خلال عقدين ماضيين، حيث تبادلت الولايات المتحدة وحركة طالبان السجناء مرتين أثناء تواجد القوات الأميركية في أفغانستان.
ويرى الباحث في العلاقات الدولية طارق فرهادي أن العلاقات بين الحكومة الأفغانية الجديدة والولايات المتحدة فترت بعد اغتيال زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في العاصمة كابل، ولذلك وافقت الحكومة على صفقة التبادل حتى تحقق بعض المكاسب من الولايات المتحدة مثل تمديد فترة إعفاء عدد من قيادات طالبان من حظر السفر.
وكان زعيم حركة طالبان الشيخ هبة الله آخوند زاده يتابع ملف إطلاق سراح بشر نورزي بنفسه لأنهما ينتميان إلى نفس القبيلة التي لها نصيب الأسد في الحكومة الحالية، ولأن زعيم الحركة تعرض إلى ضغوط من قبيلته. ويقول مصدر مقرب من نورزي للجزيرة نت “سيؤدي إطلاق سراح بشر نورزي إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات بين أفغانستان والولايات المتحدة وإن نورزي سيلعب دورا مهما في تقارب وجهات النظر بين الطرفين”.