استدعاء للتاريخ.. ما قصة جزر إيجه التي تشكل عنصر توتر مستمر بين تركيا واليونان؟
أنقرة- “قد نأتي ذات ليلة على حين غرة” مقولة كررها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخرا، وتحديدًا قبيل عمليات عسكرية شنتها قواته خلف الحدود في سوريا، لكن إعادتها في سياق الخلاف مع اليونان، وعند وصفه لسيطرتها على جزر شرقي بحر إيجه بالاحتلال، يحمل إشارة إلى انتقال الخلاف بين البلدين إلى مستويات جديدة.
وتعكر صفو العلاقات بين أنقرة وأثينا العديد من الملفات الخلافية، أبرزها قيام اليونان بتسليح جزر شرقي بحر إيجه المطلة على الشواطئ التركية.
وأعلنت تركيا في 28 أغسطس/آب أن طائرات تابعة، كانت في مهمّة ببحر إيجه وشرق البحر المتوسط، تعرّضت لمضايقة من قبل نظام الدفاع الجوّي اليوناني “إس-300” وذلك بعد سلسلة احتكاكات متشابهة السنوات القليلة الماضية.
هل هدد أردوغان اليونان بحرب؟
تعقيبًا على التطور الميداني الأخير، خاطب الرئيس التركي اليونان وطالبها بأن تلقي نظرة على التاريخ، ومهددا “إذا مضيتِ قدمًا، ستدفعين ثمنًا باهظًا”.
وأضاف أردوغان “احتلالكم لجزر إيجه لا يُلزمنا. حين تأتي اللحظة، سنفعل ما يلزم. قد نأتي ذات ليلة على حين غرة” في تهديد أثار الجدل بالأوساط السياسية بشأن احتمال انزلاق التوتر بين البلدين إلى حرب، لا سيما مع وصفه لسيطرة اليونان على الجزر بـ “الاحتلال” رغم أنه ليس التلميح الأول من نوعه.
ففي 29 أغسطس/آب 2020، وصف وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو نية اليونان توسيع مياهها الإقليمية في بحر إيجه إلى 12 ميلًا بأنها ستكون “سببًا للحرب”.
وتحدث الوزير التركي لأول مرة في فبراير/شباط الفائت عن إمكانية إعادة بحث مسألة سيادة اليونان على الجزر بسبب انتهاكها شرط عدم تسليحها، لافتا إلى أن أثينا بدأت انتهاك ذلك منذ الستينيات، مكررا هذا التحذير في يونيو/حزيران.
ما قصة الجُزر وما سبب نزع سلاحها؟
احتلت اليونان إبان الحرب العالمية الأولى مدينة إزمير التركية وأجزاءً أخرى من أراضي الدولة العثمانية، كما وضعت يدها، رفقة إيطاليا، على العديد من جزر بحر إيجه القريبة من السواحل العثمانية.
وجاءت سيطرة اليونان على الجزر بعد قرار اتخذته عدة دول عام 1914 (بريطانيا العظمى وفرنسا وروسيا وألمانيا وإيطاليا والنمسا والمجر) بموجب معاهدة لندن عام 1913.
وبعد حرب التحرير التي قادها مصطفى كمال أتاتورك، تنازلت تركيا عن مطالبتها بهذه الجزر، عبر معاهدة لوزان عام 1923 مقابل تعهد روما وأثينا بنزع السلاح في الجزر القريبة من الحدود التركية مراعاة لأمن تركيا.
انتقلت الجزر التي تسيطر عليها إيطاليا إلى يد ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، وبعد الهزيمة سلم الألمان هذه الجزر للبريطانيين الذين سلموها بدورهم إلى اليونان. وأُقرت سيطرة اليونان على الجزر بموجب معاهدة باريس عام 1947، وفق الشرط ذاته “عدم تسليح الجزر” تماشيًا مع المعاهدات الأخرى المبرمة مع أنقرة، ولا سيما ملحق المضائق التركية التابع لاتفاقية لوزان وكذلك اتفاقية مونترو.
كيف يرى الجانبان الوضع القانوني للجُزر؟
تقول تركيا إن سيادة اليونان على الجزر مرتبطة بتحقيق شرط نزع السلاح بموجب اتفاقيات دولية، ولا يمكن التخلي عن هذا الشرط بدون اتفاقيات جديدة.
بينما تعتقد اليونان أن الظروف التي كُتبت فيها هذه الاتفاقيات تبدّلت، وأن الأنظمة والشروط المنصوص عليها تطورت مع الوقت مما جعل تفسير المعاهدات السابقة أمرًا معقّدًا، كما أنه من حقها تسليح الجزر أسوة بتراجع بقية الدول الأوروبية عن تطبيق أوضاع مماثلة خلال الحرب الباردة.
وبعثت أنقرة في فبراير/شباط الماضي برسالتين إلى الأمم المتحدة بشأن انتهاك اليونان وضع الجزر منزوعة السلاح في بحر إيجه، وأشار وزير الخارجية إلى أن هذه الجزر منحت لليونان بموجب اتفاقيتي لوزان وباريس للسلام بشرط نزع سلاحها، لافتاَ إلى أن أثينا بدأت انتهاك ذلك منذ الستينيات.
من جهتها، قدمت اليونان تحفظاً على صحة اختصاص محكمة العدل الدولية بشأن المسائل الناشئة عن “مصالحها المتعلقة بالأمن القومي” والتدابير العسكرية المتعلقة بذلك، وهو إجراء تستطيع الدول الأطراف بمعاهدة إنشاء المحكمة اتخاذه عندما تريد منع إحالة أي نزاع مع دولة أخرى إلى المحكمة.
ما أهمية هذه الجُزر اقتصاديًا؟
ورغم أن اليونان سلحت 18 جزيرة حتى الآن منذ ستينيات القرن الماضي بحسب الجانب التركي، فإن الخلاف مع أنقرة بهذا الصدد برز على السطح أكثر بعد عام 2000 مع اكتشاف احتياطيات كبيرة من النفط والغاز شرقي المتوسط، ليبدأ على إثرها نزاع بشأن ترسيم الحدود البحرية وحدود مناطق الصلاحية الاقتصادية الخالصة بين البلدين، فما العلاقة بين ملفي الجزر والثروات المكتشفة بالمنطقة؟
يقول الصحفي والباحث السياسي، مصعب أبو شعبان، إن الخلاف الحقيقي حول مسألة جزر بحر إيجه يدور حول نقطتين: الأولى سيادة الجزر الممنوحة لليونان بشرط ضمان عدم تسليحها، وهو ما تنتهكه الأخيرة، والثانية قضية المياه الإقليمية والمياه الاقتصادية الخالصة لهذه الجزر.
ويلفت الباحث، في حديث إلى الجزيرة نت، إلى أن تطبيق القانون الدولي البحري بحذافيره أي 12 ميلًا للمياه الإقليمية وحدود الجرف القاري للمياه الاقتصادية الخالصة، سيحرم تركيا من مياهها الإقليمية في بحر إيجه بشكل شبه كامل “حتى أن التنقل من منطقة بحرية إلى أخرى داخل تركيا سيحتاج إذنًا من السلطات اليونانية، كون الجزر اليونانية تنتشر بشكل كثيف حول شواطئ تركيا المتعرجة”.
من جهته، اعتبر أستاذ الاقتصاد بجامعة غازي عنتاب التركية، إبراهيم أصلان، أنه نتيجة للأبحاث في مجال الطاقة، أصبحت منطقة شرق المتوسط تحظى باهتمام كبير، مشيرًا إلى أن كمية الاحتياطيات المكتشفة من النفط والغاز الطبيعي بالأحواض الأربعة للمنطقة كبيرة جدًا.
وفي خضم الخلاف بين الدول المشاطئة حول التنقيب عن النفط والغاز واستخراجه ونقله، يرى الأكاديمي التركي، متحدثًا للجزيرة نت، أن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين ليبيا وتركيا منحت الأخيرة ميزة كبيرة بهذا الصدد.
هل يتحول التوتر بشأن الجُزر إلى حرب؟
يستبعد أبو شعبان وقوع حرب بين تركيا واليونان على خلفية النزاع بشأن الجزر، ويعتبر أن “التوتر الحالي يقع في السياق السياسي الانتخابي لكل من الدولتين، ومن المستبعد أن يتطور إلى حرب أو عمليات محدودة لأن ذلك سيعني حربا بين حلفاء في الناتو مما سيقسم الحلف وقد يعني نهايته عمليا”.
وأشار الباحث السياسي إلى أن حربا كهذه قد تقود إلى تبعات خطيرة على الاتحاد الأوروبي “وستعمق المشكلة الحالية التي يواجهها بفعل الأزمة الأوكرانية”.
أما بالنسبة لتركيا، فقد تعني، وفقًا للباحث، حربا ضد أوروبا مما قد يفقدها وجهتها الغربية ويدفعها شرقا بقوة، وهو ما يحاول الأتراك تجنبه، منوهًا إلى أن “السياسة التركية قائمة بشكل أو بآخر على الموازنة بين الشرق والغرب لا القطيعة مع أحد منهما”.