ماسة التاج البريطاني كوهينور.. ما قصة صراع باكستان وإيران وحتى أفغانستان عليها؟
بعد 14 دقيقة من نشر قصر باكنغهام خبر وفاة الملكة إليزابيت الثانية، نشر رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي -عبر حسابه على موقع تويتر الذي يتابعه 82 مليون مشترك- تعزية وإشادة بالملكة، مما تسبب في سيل من ردود الفعل الغاضبة على وسائل التواصل في الهند، مثل “لم تُعد (أي الملكة) لنا كويهنور” و”أعيدوا لنا كوهينور”، و”لا تنادها صاحبة الجلالة، توقفوا عن احترام اللصوص”، قبل أن يطلق رجل أعمال هندي التماسا عبر الإنترنت لاستعادة الماسة التي تزين تاج المملكة منذ عام 1853.
وتبدأ ملحمة الماسة من عيار 105 قيراط -حسب تقرير بصحيفة “لوفيغارو” (Le Figaro) الفرنسية- عندما صادرها البريطانيون عام 1849 من المهراجا الطفل دوليب سينغ (10 سنوات) بعد أن دمروا جيشه وألقوا بوالدته في السجن، وأجبروه على توقيع معاهدة لاهور التي تلزمه بالتنازل عن العرش وعن جميع ممتلكاته، وتنص المادة الثالثة منها على أن “الماسة المسماة كوهينور يجب التخلي عنها لملكة إنجلترا”.
رحلة كوهينور
في عام 1850، نقلت شركة الهند الشرقية البريطانية إلى لندن هذه الجوهرة التي يرغب الهنود والباكستانيون والإيرانيون وحتى طالبان أفغانستان في استرجاعها، وقد استخدمها التاج البريطاني منذ ذلك الحين رمزا للقوة الإمبراطورية، وقدمت في “معرض كبير” في لندن عام 1851. يقول المؤرخان ويليام دالريمبل وأنيتا أناند إن هذا الحجر “كان رمزا للسيطرة الإمبراطورية الإنجليزية وقدرتها على الاستيلاء على أغلى الأشياء في جميع أنحاء العالم”.
أما في الهند -كما يقول إيمانويل درفيل في تقريره للصحيفة الفرنسية- فلم تمح السنوات ذكرى ابتزاز بريطانيا الماسة الغامضة الأصل، حيث تقول الأسطورة، التي انتشرت بين تجار الأحجار الكريمة في دلهي في القرن 19، إنها استُخرجت من منجم في ولاية أندرا براديش جنوبي الهند في العصور القديمة، ويُزعم أنها بعد ذلك سُرقت من معبد قبل أن يتناقلها عدد كبير من الحكام الهنود وأمراء الحرب في آسيا الوسطى.
وتؤكد دائرة المعارف البريطانية أن الماسة الثمينة مرت بيد بابور، ملك فرغانة في أوزبكستان الحالية، قبل أن تصبح شعارا للشرعية وتزين “عرش الطاووس” في هرات شمال أفغانستان العائد للسلطان شاه جيهان -كما يقول المؤرخ الإيراني محمد قاسم مارفي- لتغادر شبه القارة الهندية مع وصول أمير الحرب نادر شاه بعد استيلائه على العرش الفارسي عام 1732، وقد عرض الماسة كما فعل البريطانيون بعد ذلك.
وبعد مقتل نادر شاه عام 1747، أعطت زوجته الجوهرة لقائد حرسه الشخصي أحمد خان العبدلي كمكافأة له على حمايتها، فلجأ إلى قندهار، حيث أسس أفغانستان الحالية عام 1747، عندما انتخبته القبائل زعيما أعلى، لتنتقل كوهينور -ومعناها جبل النور- عند وفاته إلى يد ابنه ثم حفيده شاه زمان الذي خبأها في جوف جدار زنزانته، قبل أن يعثر عليها شقيقه شجاع عند رجل كان يستخدمها وزنا للورق لأنه لا يدرك قيمتها، ولما تمت الإطاحة بشجاع عام 1809 وانتهى به الأمر في سجن في كشمير، عهد بماسة كوهينور إلى زوجته التي دفعتها إلى رانجيت سينغ مقابل إطلاق سراح زوجها من السجن، لتبقى كوهينور ملكا لمملكة السيخ لمدة 36 عاما.
العديد من المطالبات
وقد أثارت هذه الملحمة العديد من المطالبات باستعادة الجوهرة الثمينة، فقد ادعى رئيس الوزراء الباكستاني ذو الفقار علي بوتو عام 1976 ملكية كوهينور في سياق كانت فيه إسلام أباد تغادر الكومنولث وتقترب من الصين، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2000، طالب نظام طالبان الأفغاني بالجوهرة كما طالبت إيران باستعادتها، لكن الهند كانت الأكثر تصميما في هذا الشأن، حيث طالب المجتمع المدني والسياسيون والمشاهير باستعادة كوهينور على مدى 30 عاما.
وفي عام 2000، وقع 50 برلمانيا على عريضة لإجبار حكومة الهند على مطالبة لندن بإعادتها، وعام 2010، طلبت وسائل الإعلام من رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون -في أثناء زيارته إلى الهند- اتخاذ خطوة في هذه الصدد، ولكنه رد قائلا “إذا قلت لكم نعم، فستكون هناك طلبات أخرى من هذا النوع.. ولن يتبقى شيء في المتحف البريطاني”.