ما رسائل السلطة الفلسطينية من اعتقال مصعب اشتية؟ ولمن ترسلها؟
نابلس- بعد شهور على مطاردته وإخفاق قوات الاحتلال الإسرائيلي في اغتياله، تمكنت الأجهزة الأمنية الفلسطينية من اعتقال مصعب اشتية (30 عاما) الناشط في حركة حماس وأحد أبرز المطاردين في مدينة نابلس وشمال الضفة الغربية.
ووفق عائلته وروايات محلية أخرى، تمكنت الأجهزة الأمنية الفلسطينية من اعتقال اشتية قبيل منتصف الليلة الماضية.
وفي حين قالت العائلة -في بيان لها وصل إلى الجزيرة نت نسخة منه- إن ابنها تعرّض “لكمين” من أمن السلطة و”تم الاعتداء عليه خلال اعتقاله”؛ صرّحت المؤسسة الأمنية الفلسطينية على لسان الناطق باسمها طلال دويكات أن “قرار التحفظ على المواطنَين مصعب اشتية وعميد طبيلة جاء لأسباب ودواعٍ موجودة لدى المؤسسة الأمنية، سيتم الإفصاح عنها لاحقا”.
وشدد الناطق، في بيان صحفي وصل للجزيرة نت، على أن “المذكورين لم ولن يتعرضا لأي مساس بهما وسُمح لمؤسسات حقوق الإنسان بزيارتهما فورا”.
بعد 6 شهور من المطاردة
وبشكل علني، بدأت مطاردة الاحتلال لاشتية قبل نحو 6 أشهر مع تصاعد نشاط المقاومين المسلحين في مدينة نابلس. وتعززت ملاحقته بعد اغتيال رفيقيه الشهيدين محمد العزيزي وعبد الرحمن صبح أواخر يوليو/تموز الماضي.
وفي هذه الأثناء، وجهت إسرائيل اتهامات للسلطة الفلسطينية بالتقصير وعدم القيام بدورها في اعتقال المطلوبين. بينما ردت السلطة بأن ممارسات الاحتلال وتصعيده على الأرض هو ما يضعف عملها.
وجاء اعتقال مصعب اشتية الناشط في حماس والذي قضى عدة سنوات في سجون الاحتلال سابقا، بعد أيام من اجتماع أمني بين أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ ورئيس جهاز المخابرات الفلسطيني ماجد فرج مع مسؤولين في جهاز المخابرات الإسرائيلية، كما أعلنت وسائل إعلام عبرية.
ووفق هذه المصادر، فقد مارس الإسرائيليون ضغوطا على المسؤولين الفلسطينيين لإعادة نشاط الأجهزة الأمنية الفلسطينية. وخاصة في مناطق شمال الضفة الغربية.
ويربط محللون ومتابعون للحدث الفلسطيني بين الضغوط الأخيرة على السلطة وبين تصعيدها ملاحقة نشطاء المقاومة المسلحة في الضفة.
فيديو| تغطية صحفية: “اشتباكات ومواجهات مع الأجهزة الأمنية في نابلس رفضا لاعتقال المطارد مصعب اشتية من قبل الأجهزة الأمنية”. pic.twitter.com/NtTevXMwyW
— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) September 19, 2022
رسالة طمأنة
وترى الكاتبة السياسية لمى خاطر أن اعتقال اشتية “رسالة طمأنة” تبعثها السلطة للاحتلال، لتؤكد قدرتها على السيطرة في الضفة الغربية ولكي تنفي بذلك اتهاماته لها بالضعف مقابل تنامي المقاومة المسلحة.
وتعتقد خاطر في حديث للجزيرة نت أن اعتقال المطارد اشتية قد يكون مقدمة لاستهداف بقية رفاقه وصولا إلى إنهاء حالة خلايا المقاومة المسلحة في نابلس وجنين أيضا التي اعتقل الأمن الفلسطيني فيها نشطاء يتهمهم بالمقاومة أيضا.
وتلفت خاطر إلى أن معظم المقاومين الذين اغتالهم الاحتلال في الآونة الأخيرة “كانوا مطلوبين للاعتقال عند السلطة الفلسطينية بسبب مقاومتهم، ومنهم من تم اعتقاله وتعذيبه بسجونها فعلا”.
وبرأيها، السلطة الفلسطينية “غير معنية ببروز أية حالة للمقاومة”، ولهذا فإن استمرار اعتقال المقاومين أو توقفه “مرهون بردة فعل الشارع الفلسطيني وتحركه بمختلف مكوناته الوطنية”.
وتعتقد خاطر أن الخطير في اعتقالات المقاومين هو نجاح الاحتلال بوضع السلطة في مواجهة مع المقاومة. وأن تبعات ذلك خطيرة على النسيج الاجتماعي الداخلي وعلى مجمل الحالة المقاومة في الضفة الغربية.
لاستعادة السيطرة وتزامنا مع خطاب عباس
ومن جانبه، يتفق سليمان بشارات، مدير مركز يبوس للاستشارات والدراسات الإستراتيجية، مع خاطر في أن اعتقال مصعب اشتية سببه شعور السلطة بفقدان سيطرتها على ساحات الضفة المقاومة والآخذة بالتمدد من جنين شمالا إلى نابلس ومن ثم إلى قرى رام الله في الوسط، وبالتالي خلق حالة جماهيرية رافضة ومناهضة لسياساتها.
ويقول بشارات إن هناك محددا آخر من وراء الاعتقال وهو استجابة السلطة لضغوطات الاحتلال الكبيرة وما مارسه من تحريض عليها لإنهاء ظاهرة المقاومة المسلحة.
وأوضح المحلل أن هذا الضغط أُتبع برسائل تهديد واضح من قادة الاحتلال لقيادة السلطة الفلسطينية التي تعيش وضعا حساسا ماليا وسياسيا وجماهيريا، ما حدا بالسلطة إلى امتصاص الضغط الإسرائيلي والتأكيد أنها تقوم بدورها إذا ما أعطيت هامشا للعمل الميداني.
والمحدد الثالث وفق بشارات هو “ربما” مزامنة الحدث مع خطاب الرئيس محمود عباس المرتقب في الأمم المتحدة الجمعة، ومحاولة التأكيد على السياسة التي رسمها منذ توليه رئاسة السلطة الفلسطينية أنه “لن يسمح سوى بخيار السلام في التعامل مع إسرائيل”.
اعتقال في حاضنة المقاومة
ويرى بشارات أن التصعيد الأخير باعتقال أحد أبرز المطاردين في مدينة نابلس مرتبط أيضا برمزية المدينة ودورها في المقاومة المسلحة تاريخيا وحاليا، حيث شكلت حاضنة رئيسية للمقاومين خلال الانتفاضتين الأولى والثانية، ويخشى الاحتلال انخراطها في مواجهة واسعة مع قواته.
وخلص بشارات إلى أن السلطة أخطأت تقدير الوقت بتنفيذ اعتقال المطارد اشتية، لأن ما حدث “سيعمق الفجوة بين المجتمع والقيادة السياسية وقيادة السلطة، كما سيعزز المعارضة لسياسات السلطة، وبالتالي زيادة النقمة والعدائية ضدها، وهو ما يتم التعبير عنه في الصدامات التي شهدتها نابلس ليلة ونهار اليوم الثلاثاء.
تجربة وقلق من حماس
من جهته رأى الصحفي الفلسطيني محمد دراغمة أن السلطة تتعرض فعلا لضغوط إسرائيلية وأميركية لإنهاء “ظاهرة المسلحين” بالضفة الغربية، وأن “اعتقال اشتية تحديدا جاء بفعل حساسيتها وقلقها من أي نشاط عسكري لحركة حماس؛ لاعتقادها الراسخ بأن الحركة تسعى لخلق فوضى أمنية بالضفة الغربية تمهّد لإسقاط السلطة”.
والسبب الثاني من اعتقال اشتية وفق دراغمة هو محاولة السلطة التخفيف من الضغوط عليها، وأنها قامت بذلك كتجربة لقياس رد الفعل، وجاءت الاحتجاجات والاشتباكات في أعقاب اعتقال اشتية لتؤكد أن “محاربة واستئصال ظاهرة المسلحين” ستكون “بالغة الصعوبة” والسلطة تدرك ذلك.
خطوة غير كافية
وحتى باستجابة السلطة للضغوط، فالاحتلال ووفق تعبير أمير بحبط المراسل العسكري لموقع “واللا نيوز” العبري، يرى في اعتقال المطارد اشتية “خطوة غير كافية”، وأنها جاءت كدعم للرئيس الفلسطيني محمود عباس في الأمم المتحدة. وقال بحبط “محزن أنهم في إسرائيل تحمسوا لاعتقال اشتية، فالاعتقال ترويجي فقط..”.
وفي الوقت نفسه، حذرت مواقع إعلامية إسرائيلية من “غليان” الشارع الفلسطيني، ومن إمكانية ترجمة حالة الغضب بتصعيد عمليات الهجمات ضد الاحتلال.