تكرار نفخ البوق بين قبور المسلمين ومخاوف من نفخه في الأقصى
القدس المحتلة – لم يعلم الصحابيان الجليلان عبادة بن الصامت وشداد بن أوس حين عاشا ودفنا في القدس بعد الفتح العمري، أن يهودا سينفخون في البوق على بعد أمتار من قبريهما في مقبرة باب الرحمة، بعدما أجازت محكمة إسرائيلية في القدس النفخ في البوق وأداء الشعائر اليهودية قرب السور الشرقي للمسجد الأقصى، لينفخ المستوطنون في البوق عشرات المرات بعدها خلال أسبوع فقط.
تسلسل الأحداث
بدأ الأمر في الرابع من سبتمبر/أيلول الجاري عندما أذاع عضو الكنيست السابق يهودا غليك صوت البوق عبر هاتفه المحمول خلال اقتحامه المنطقة الشرقية في المسجد الأقصى، وعلى إثر ذلك سلمته شرطة الاحتلال قرارا بمنع اقتحام الأقصى لمدة شهرين.
وردا على ذلك، قرر غليك النفخ في الشوفار (البوق بالعبرية) حول سور القدس والمسجد الأقصى، فقام بالنفخ من كنيسة “الدمعة” في منتصف جبل الزيتون المطل على الأقصى، والقصور الأموية جنوب المسجد. وبعدها اقتحم مقبرة باب الرحمة شرقي الأقصى صباح 15 سبتمبر/أيلول الجاري، ونفخ في البوق قبالة باب الرحمة من الخارج، ورفع علم الاحتلال فوق أحد القبور، قبل أن يصل 3 من جنود الاحتلال لنجدته وتأمين مواصلة النفخ بعد تصدي مقدسيين له.
أعاد غليك الكرّة بعدها بثلاثة أيام، وتحديدا يوم 18 سبتمبر/أيلول الحالي، إذ اقتحم المقبرة برفقة متطرفيْن اثنين من جماعات الهيكل يدعيان توم نيساني وإيمانويل بروش، ليتصدى لهم مقدسيون، غير أنه حال بين الطرفين شرطة الاحتلال، التي طلبت من محكمة الصلح تصديق قرار بإبعاد غليك ورفيقيه عن المقبرة حتى نهاية الأعياد اليهودية، لكن المحكمة رفضت طلب الشرطة واكتفت بإبعادهم بضع ساعات.
إذن قضائي
إلى جانب إبطال الإبعاد، تضمن قرار المحكمة يوم 19 سبتمبر/أيلول الحالي إجازة النفخ بالبوق وأداء الشعائر اليهودية الدينية قرب السور الشرقي للمسجد الأقصى. استأنفت شرطة الاحتلال قرار إبطال الإبعاد، لكنها وبشكل مفاجئ سحبت استئنافها بعد ساعات، وإثر ذلك اقتحم غليك وآخرون المقبرة مرة ثالثة خلال أقل من أسبوع، وتحديدا يوم 20 سبتمبر/أيلول الجاري، ونفخ بالبوق رافعا علم الاحتلال بين القبور.
لم ينقطع المستوطنون عن النفخ بالبوق بعد فعلة غليك، إذ اقتحم المتطرف إيمانويل بروش المقبرة أمس الخميس، ونفخ بالبوق مرارا وسط حضور لشرطة الاحتلال، كما سُمع صوت النفخ بالبوق داخل المسجد الأقصى، وتحديدا في المنطقة الشرقية، تزامنا مع أداء المستوطنين المقتحمين صلاتهم فيها قرب باب الرحمة.
بحصانة الكنيست
أحدث نفخة كانت صباح اليوم الجمعة، حيث اقتحم مقبرة باب الرحمة عضو الكنيست عن حزب “الصهيونية المتدينة” سيمحا روتمان برفقة بضعة مستوطنين، ونفخ بالبوق وشارك المستوطنين رقصهم وغناءهم بين القبور، وقبيل نفخه قال في تسجيل مصور “اليوم هو آخر أيام شهر أيلول العبري الذي يتم فيه نفخ الشوفار، ولا يوجد مكان أكثر ملاءمة من باب الرحمة والجدار الشرقي للصلاة، انفخوا شوفارا كبيرا من أجل حريتنا”.
يذكر أن الشوفار (البوق) هو أحد أدوات الطقوس اليهودية، والذي يتكون من قرن كبش يُنفخ فيه خلال عيد رأس السنة العبرية وقبله، وفي عيد الغفران أيضا. ويرمز النفخ فيه إلى التعجيل بمجيء “المخلص المنتظر”، كما يرمز للسيادة الإسرائيلية، وينفخ في عيد الاستقلال ولحظات الانتصار كما حدث حين احتلال الأقصى وسيناء.
تمهيد للنفخ في الأقصى
وكانت الهيئة الإسلامية العليا وهيئة العلماء والدعاة في بيت المقدس، أصدرتا بيانا مشتركا قبل يومين قالتا فيه إن “محاكم الاحتلال ليست ذات صلاحية ولا اختصاص في شؤون المقدسات، وقرار السماح بنفخ البوق في مقبرة باب الرحمة هو انتهاك لحرمة المقابر”. كما طالب البيان الاحتلال بإرجاع مفاتيح باب المغاربة، رافضا اقتحامات المسجد من أي باب، ومحملا حكومة الاحتلال المسؤولية عن أي توتر في الأقصى ومحيطه.
من جهته أكد خطيب المسجد الأقصى الشيخ عكرمة صبري للجزيرة نت أن قرار السماح بالنفخ في مقبرة باب الرحمة هو تمهيد لخطوة قادمة أخطر، وهي النفخ في البوق بالمسجد الأقصى خلال اقتحام رأس السنة العبرية بعد يومين، مضيفا أن ذلك مشابه لقرار إجازة الصلاة اليهودية الصامتة في الأقصى، ومن بعدها الصلاة العلنية، موضحا أن خطوة النفخ داخل الأقصى مرهونة بالرد العربي والإسلامي.
حصاد العام
يعلل المختص في شؤون المسجد الأقصى محمد الجلاد للجزيرة نت تعمّد النفخ في البوق بمقبرة باب الرحمة بنيّة جماعات الهيكل إحراز أكبر قدر من الإنجازات قبيل عيد رأس السنة العبرية -التي تصادف الـ26 من الشهر الجاري- حيث يمثل العيد حصادا وتتويجا لنتاج العام كله في الأقصى ومحيطه، على صعيد التقسيم الزماني والمكاني والإحياء المعنوي للهيكل المزعوم.
ويبيّن الجلاد أن النفخ بالبوق داخل الأقصى لم يحدث إلا وقت احتلاله عام 1967، ومرة ثانية بشكل سريّ العام الماضي، ولا يستبعد أن ينفخ بعد أيام مرة ثالثة بسبب عدة عوامل أبرزها طول موسم الأعياد المقبل الذي سيستمر 20 يوما، وتمكّن المستوطنين من إحراز قفزات نوعية في الأقصى مثل الصلوات الجماعية الجهرية، واقتحام المسجد بالآلاف ورفع العلم داخله.
ويضيف “جماعات الهيكل تمر بفترة ذهبية لتنفيذ أجنداتها في الأقصى بسبب نفوذها داخل حكومة الاحتلال والانقسام الفلسطيني وتغييب المقاومة وموجة التطبيع وانشغال الدول العربية بشؤونها، لكن الأقصى قادر على قلب المعادلة، لأنه لا يزال سر الأمة ومفتاح وحدتها، والمساس به سيقلب السحر على الساحر، بحسب استعدادنا ووحدتنا”.
يذكر أن مقبرة باب الرحمة تعد من أكبر مقابر المسلمين وأقدمها في القدس المحتلة، وتبلغ مساحتها 23 دونما على طول السور الشرقي للمسجد الأقصى من باب الأسباط وحتى حدود القصور الأموية جنوبا، وتمتاز باحتوائها على قبور صحابيين ومجاهدين شاركوا في تحرير القدس زمن صلاح الدين الأيوبي، كما صادر الاحتلال جزءا من أراضيها ومنع الدفن فيها تمهيدا لإقامة حديقة توراتية.