هل تُضعِف التحقيقات الأمنية المضنية حركة النهضة في تونس؟
تونس- ملوّحا بعلامة النصر لأتباعه الملتفين من حوله، حاول زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي -وهو في عقده التاسع- البروز بمظهر المنتصر القوي، بعد ساعات طويلة من التحقيقات المضنية معه فيما يعرف بملف “التسفير إلى سوريا”.
لكن مسيرة الرجل -الذي تعرض للاعتقال والتعذيب في ثمانينيات القرن الماضي، وحُكم عليه بالإعدام في التسعينيات- لم تخرج من نفق الإرهاق والإنهاك بسبب التحقيقات المتكررة. وبحكم ما يمثله من رمزية للإسلاميين في تونس، يرى البعض أن الهدف من جرّه -مع قيادات أخرى- للتحقيق هو إضعاف حركة النهضة.
ومع سلسلة التحقيقات الأمنية ضد قيادات حركة النهضة، تارة في قضايا إرهابية وأخرى في قضايا غسيل أموال؛ يتساءل الكثيرون إن كانت هذه الإجراءات محاولة لإرهاق حركة النهضة بكل هذه القضايا والاتهامات، وإضعاف شعبيتها وتقليص وزنها السياسي؟ أم أنها قادرة على الصمود طويلا؟
منذ ما يزيد على سنة من تاريخ إعلان الرئيس التونسي قيس سعيد حزمة من التدابير الاستثنائية التي ألغى بها دستور 2014 وجمّد بها البرلمان وأطاح بالحكومة التي كانت النهضة مكوّنا أساسيا فيها، تحوّلت الحركة إلى جبهة المعارضة ضد سعيّد مع قوى أخرى.
وبحكم أن الأوضاع في تونس أخذت منحى معيشيا لا يُطاق مع ارتفاع الأسعار وفقدان المواد الأساسية وانسداد الأفق السياسي، وضعت النهضة توقيت حملة التحقيقات مع قيادتها في سياق هذه الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، معتبرة أنها “مفتعلة” لشيطنتها والتغطية على فشل السلطة.
لصرف الأنظار
يقول الناطق باسم حركة النهضة عماد الخميري إن استدعاء الغنوشي وقياديين آخرين في الحركة للتحقيق، لم يتأسس على أدلة أو مؤيدات. وبالنسبة له، كانت التحقيقات نتيجة لقضايا “مفتعلة لتشويه حركة النهضة والتورية على فشل سلطة الانقلاب في إدارة شؤون البلاد”.
ويؤكد الخميري -في حديث للجزيرة نت- أن “الاتهامات خاوية من الأدلة، وأنها مثارة من قبل خصوم النهضة السياسيين الذين يلتقون وظيفيا مع سلطة الرئيس”، والهدف -كما يقول- هو إقصاء الحركة بطريقة مغايرة لطرق الأنظمة المستبدة قديما، أي عبر إنهاكها بالتحقيقات وتلفيق الاتهامات والتشويه.
والتحقيقات الجارية وسيلة تستخدمها السلطة القائمة بالتحالف مع خصوم النهضة السياسيين والإعلاميين للإساءة لها ولجم كل الأصوات المعارضة، وفق الخميري الذي يرى أن السلطة عاجزة عن إرهاب النهضة، وأن الحركة ستظل صامدة و”متمسكة بالخط السلمي المدني لاستعادة الحياة الدستورية”.
وعن وزن النهضة في المشهد السياسي القادم مع إعلانها مقاطعة الانتخابات التشريعية في 17 ديسمبر/كانون الأول القادم، يقول الناطق إن الانتخابات ستكون صورية باعتمادها قانون انتخابات صاغه قيس سعيّد على المقاس، و”فتح به الباب أمام تسرّب المال الفاسد وأمام النعرات الجهوية”.
ويقول الخميري إن ما يهم حركة النهضة حاليا أكثر من وزنها هو وقوفها في المكان الصحيح مع الجماهير والقوى المدافعة عن الديمقراطية. ووفق تعبيره، فإن الأوزان تحددها المواقف، فكلما كانت النهضة في الجبهة الصحيحة للدفاع عن حرية التونسيين، جعل منها ذلك قوة رئيسية.
تزيد تماسكها
بدوره، قال الصحفي محمد الفوراتي إن حركة النهضة مستهدفة من قبل السلطة وخصومها لإنهاكها وإشغالها بقضايا مفبركة؛ لتشتيت تركيزها وصرف نظرها عن مناكفة السلطة والدفاع عن استعادة مسار الانتقال الديمقراطي ضد محاولات تركيز نظام شمولي في تونس.
لكن في الوقت نفسه، قد تستفيد النهضة -من حيث لا يدري خصومها- برأي الفوراتي؛ فالمحاكمات والتحقيقات وحملات التشويه قد تزيدها تماسكا وشعبية، لأن الرأي العام على علم أن “السلطة القائمة بأجهزتها لم تستطع إثبات أي تهمة ضدها، وهذا دليل على بطلان التهم”.
وباعتبارها أكبر مكون لجبهة الخلاص المعارضة لقيس سعيد، ليس لدى حركة النهضة أو بقية القوى الديمقراطية المعارضة -وفق قوله- سوى التصدي بكل الطرق القانونية والسلمية للنظام الشمولي الذي يسعى لتركيز سلطانه في تونس عبر المراسيم الاستثنائية المعدة على المقاس.
مسار فاشل
ويرى الباحث منذر بالضيافي أن ما يحصل مع حركة النهضة ومع مختلف القوى هو نتيجة مسار كامل من الفشل في تحصين الديمقراطية وتركيز المحكمة الدستورية، معتبرا أن النهضة كانت تُعد طرفا أساسيا في فشل المسار الانتقالي لأنها تصدرت المشهد من سنة 2011 إلى 2021.
وبالرغم من غياب أي إنجاز اقتصادي أو اجتماعي للرئيس قيس سعيّد -وفق بالضيافي- فإن مشروعه المتمثل في إضعاف الأحزاب ما يزال يلقى إقبالا من قطاع واسع من التونسيين، نتيجة شعورهم بخيبة الأمل من الطبقة السياسية ولا سيما من حركة النهضة خلال العشرية الماضية.
ويقول الباحث إن أي استبانة للشارع التونسي ستثبت أن حركة النهضة فقدت شعبيتها، وأن هناك رفضا مجتمعيا لها، وهو ما يتناقض مع خصائص الحركات الإسلامية المعروفة بامتدادها الشعبي، معتبرا أنها خسرت سياسيا ومجتمعيا وأصبحت موصومة بالفساد، “جراء فشلها في الحكم”.
وبالرغم من تأكيده على أنه لا يمكن تحميل المسؤولية الجزائية لحركة النهضة في قضايا إرهابية وملفات غسل الأموال إلا عن طريق القضاء، فإنه يحملها المسؤولية السياسية والأخلاقية عن “الاغتيالات السياسية وتنامي نشاط الجماعات الجهادية وتسفير الشباب إلى بؤر التوتر”، من وجهة نظره.