اقتصاد

دول عديدة تخلفت عن السداد.. كيف يمكن إعادة هيكلة الديون السيادية؟

بعد ما يقرب من عقدين من الهدوء النسبي، تلوح في الأفق عاصفة من التخلف عن سداد الديون السيادية، فقد تخلفت كل من موزمبيق ولبنان والإكوادور وسريلانكا وسورينام وبليز وروسيا وأوكرانيا وزامبيا عن سداد ديونها أو أعادت هيكلة ديونها في السنوات القليلة الماضية، كما أن دولا أخرى حددت بالفعل مخاطر عالية لإعادة الهيكلة هذا العام والعام المقبل.

ويمكن تعريف الديون السيادية بأنها “السندات التي تقوم الدولة بإصدارها بالعملة الأجنبية، مثل أن تقوم مصر بإصدار سندات بالدولار أو اليورو لتمويل المشاريع القومية”.

وذكرت صحيفة “فايننشال تايمز” (Financial Times) الأميركية أن الافتراض الأساسي لجميع الديون السيادية تقريبا هذه الأيام هو أن القروض لن تُسدّد بالكامل بل سيصار إلى جدولتها؛ حيث يميل الرصيد الاسمي للديون إلى الزيادة بمرور الوقت، وتستبدل القروض السريعة بأخرى جديدة عند استحقاقها، لذلك يمكن أن تنشأ أزمة بسرعة، فمن المستحيل اقتراض أموال جديدة.

ولنفترض أن بلدا ما نفد فيه المال، ولكنه يريد أن يظل جزءا من النظام المالي العالمي فسيحتاج إلى إعادة هيكلة التزاماته، وربما يكون قد تخلّف بالفعل عن سداد قسيمة ما، وحتى لو لم يتخلف عن السداد تعاقديا فإنه سيفعل ذلك تحت ضغط تبادل الديون المتعثرة، وستصنف النتيجة على أنها تخلف عن سداد الديون السيادية بغض النظر عن نوع التخلف أو شدة النتيجة.

تحديد المشكلة

تحدثت الصحيفة عن إعادة هيكلة الديون التي تدور بشكل أساسي حول تخصيص التكاليف الاقتصادية لشخص ما، في حين تريد البلدان أن يقع عبء التكيف على عاتق الدائنين الخارجيين، ويريد الدائنون تحميل دافعي الضرائب هذا العبء، وتكمن المشكلة في تخصيص الموارد وتحديد سبب عدم إمكانية تحمل الدين وإلى أي درجة.

وتتمثل الخطوة الأولى في إصلاح معضلة الديون في تحديد المشكلة:

  • انخفاض النمو المزمن
  • انخفاض أسعار السلع
  • عدم وجود قطاع تصدير
  • قطاع مالي مفلس
  • هيكل استحقاق دين
  • وجود مخزون كبير من الديون
  • دين خفي لم يُفصح عنه
  • الدين قابل للإدارة بأسعار فائدة منخفضة لكن أسعار الفائدة مرتفعة الآن وخدمة القروض تعدّ قضية مالية

أما الخطوة الثانية فتتمثل في معرفة نوع الديون التي تتحملها الدولة:

  • هل الدين خارجي؟ وما نوعه؟
  • ما نصيب الديون المحلية؟

فإذا كان الدين يحكمه القانون المحلي، فمن الأسهل إعادة الهيكلة بشكل قانوني، ولكن إذا كانت جميع الديون السيادية مملوكة للنظام المالي فربما تتسبب إعادة الهيكلة في أزمة مالية محلية تجعل كل شيء أسوأ وربما لا تكون معظم الالتزامات مباشرة في دفاتر الحكومة بل شركات مضمونة مملوكة للدولة تحتاج إلى أن تكون جزءًا من إعادة الهيكلة، وعلى أي تحليل أولي الإجابة عن هذه الأسئلة.

 صندوق النقد وإعادة الهيكلة

حسب الصحيفة، يمكن لصندوق النقد الدولي أن يقوم بتحليل القدرة على تحمل الديون ويضفي مصداقية على أرقام الاقتصاد الكلي؛ حيث يُجري الصندوق تحليلا لميزان المدفوعات ومخزون الديون من بين أشياء أخرى، كما يمكنه توفير تمويل مؤقت إذا كانت هناك طريقة موثوقة لجعل الديون مستدامة.

والجانب السلبي هو أن برامج صندوق النقد الدولي غالبا ما تأتي مصحوبة بشروط مثل “الإصلاحات” التي قد لا تجدها دولة ما جذابة حيث لا توجد عملية محددة لإعادة هيكلة الديون السيادية، لكن الفاعلين عادة ما يكونون متشابهين وكذلك الأدوات المعنية، ومن المحتمل أن يقترح تحليل القدرة على تحمل الديون الدين المراد إعادة هيكلته والدين الذي يجب استبعاده.

وتعتمد العملية -وفقا للصحيفة- على نوع الدين الذي تتحمله الدولة وعلى دائنيها؛ فهي فكرة جيدة أن تبدأ حيث يمكن الحصول على أفضل صفقة ويمكن أن تحدث المفاوضات مع الدائنين الثنائيين بين السياسيين أو على مستويات بيروقراطية.

وهناك طريقتان عموما للتعامل مع الدائنين التجاريين:

  • إما استشارة الدائن عبر مستشار سيرفع تقريرا إلى البلد أو صندوق النقد الدولي.
  • أو التفاوض مع لجان الدائنين المكونة من أكبر المقرضين، وقد يجعل هذا الدائنين الآخرين مرتاحين لأنها أفضل صفقة مطروحة على الطاولة.

وأشارت الصحيفة إلى أن أول الفاعلين:

  • المقترض، والدولة ذات السيادة عبارة عن مدين فريد، فمن الصعب جدا إجبار دولة على فعل أي شيء، ولا يوجد قانون إفلاس سيادي، ولا توجد طريقة لحل مشكلة الديون المتعثرة، والاستيلاء على أصول الدولة أمر صعب للغاية، فما تتمتع به الدولة هو سمعتها ورغبتها أن تكون جزءا من المجتمع العالمي، ومن المفترض أن تدفع الدول ديونها لتبقى جزءا من هذا المجتمع العالمي.
  • الدائنون، وتكمن أهميتهم في كونهم يقرضون المال لكنهم من ناحية أخرى لا يصوّتون. لذلك يواجه الدائنون بالفعل بعضهم بعضا إذا استبعدت فئة واحدة أو أكثر من الديون من إعادة الهيكلة المحتملة، لذا فهي لعبة محصلتها صفر، وفي كثير من الأحيان لا يكون الخصم الرئيسي للدائن هو المدين بقدر ما يكون الدائنون الآخرون خصما للدائن.
  • وهناك أيضا كبار الدائنين وهم عادة مؤسسات متعددة الأطراف، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبعض بنوك التنمية التي غالبا ما تتمتع بوضع دائن مفضل. ويمكن أن يكون الدائنون مقرضين ثنائيين أو بنوكا أو حاملي سندات أو دائنين تجاريين أو أسرا أو كيانات تابعة للدولة، ويحاول كل دائن الحديث عن هيكل رأس المال.

الجوانب القانونية

وأشارت الصحيفة إلى الحاجة إلى تحليل قانوني لمعرفة النهج التكتيكي؛ حيث يصعب تطبيق القانون الدولي، لكن التحليل القانوني لا يزال يلعب دورا مهما في عالم الديون السيادية اليوم، ويرجع ذلك أساسا إلى أن معظم عقود الديون يحكمها قانون نيويورك أو القانون الإنجليزي.

وتتمثل الخطوة الأولى في معرفة مقدار الدين الذي يمثل القانون المحلي الذي يسهل التعامل معه ومقدار الدين الذي يتم التعامل معه وفق القانون الأجنبي.

بعد ذلك، يمكن معرفة عدد السندات التي تحتوي على بنود متكافئة قديمة ونوع بنود الإجراءات الجماعية التي تحكم السندات، وإذا كانت بعض القروض تحتوي على بنود غريبة، وإذا كان إجمالي الدين يدعو إلى التقاضي.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى