فشل نفخ البوق في الأقصى.. أعداد المصلين تقلب المعادلة وتوصيات بالحذر
القدس المحتلة- اقتحم 335 مستوطنا المسجد الأقصى صباح وظهر اليوم الاثنين بحماية شرطة الاحتلال وقواته، إحياء لليوم الأول من رأس السنة العبرية الذي حشدت له جماعات الهيكل منذ أكثر من شهر، ودعت لنفخ البوق (الشوفار) داخل المسجد الأقصى، لكن أعداد المصلين الفلسطينيين المفاجئة قلبت المعادلة.
لم ينجح المستوطنون في نفخ البوق داخل المسجد الأقصى، لكن أحدهم حاول نفخه خلسة في اللحظات الأخيرة من انتهاء فترة الاقتحامات ظهر اليوم، بين بابي المغاربة والسلسلة، قبل أن تخرجه شرطة الاحتلال سريعا.
انخفاض ملحوظ
بدت أعداد المستوطنين مستغرَبة بالنظر إلى الحشد الإعلامي والميداني الكبير لهم، ومقارنة باقتحام ذكرى خراب الهيكل في 7 أغسطس/آب الماضي الذي اقتحم فيه 2201 مستوطن المسجد ونفذوا خلاله عدة انتهاكات، أبرزها الصلوات الجماعية الجهرية، والخروج من باب الأسباط، ورفع العلم الإسرائيلي.
وكانت شرطة الاحتلال استبقت رأس السنة العبرية بحملة إبعاد عن المسجد الأقصى طالت العشرات من القدس والداخل الفلسطيني، وقيّدت دخول المصلين عبر أبواب المسجد فجر اليوم مانعة من هم دون الأربعين من دخوله، لكن ذلك لم يمنع مئات المصلين من الاعتكاف منذ يوم السبت، والانتشار في ساحات المسجد بعد صلاة فجر اليوم.
استئناف الإرباك الصوتي
ورغم التقييد على أبواب سور القدس والمسجد الأقصى، أدى مئات الشبان صلاة الفجر على الإسفلت ورفضوا المغادرة رغم الاعتداء عليهم بالهري والقنابل الصوتية والغازية، وملاحقتهم حتى حي وادي الجوز القريب من البلدة القديمة.
أما داخل المسجد، فشرع المصلون بعد شروق الشمس بأداء صلاة الضحى جماعة قبالة المصلى القبلي، لعرقلة مرور المستوطنين، كما أغلق شبان ملثمون أبواب المصلى تحسبا لاقتحامه، وبدؤوا الإرباك الصوتي من خلال الطرق على الأبواب والتكبير وإطلاق المفرقعات النارية.
اللافت في هذا الاقتحام -مقارنة بسابقه في ذكرى خراب الهيكل قبل نحو شهرين- هو قلة مجموعات المقتحمين وأعدادهم. فمثلا، اقتحمت اليوم 13 مجموعة، العدد الأقصى للواحدة منها 35 فردا، مقارنة بـ37 مجموعة في ذكرى خراب الهيكل، وصل العدد الأقصى للمجموعة الواحدة منها إلى 90 فردا. هذا إلى جانب الغياب الإعلامي لجماعات الهيكل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، رغم توثيقهم المتواصل لاقتحاماتهم السابقة عبر البث المباشر ومقاطع الفيديو.
عكس التوقعات
ويعلل المختص في شؤون المسجد الأقصى زياد ابحيص ذلك -للجزيرة نت- بأن عيد رأس السنة العبرية يتكون من يومين (اليوم وغدا)، وتكون الأعداد أكبر في اليوم الثاني، لكن الحالة الطقوسية الرمزية لليوم الأول أكبر، ويعنيهم نفخ البوق فيه، لأن هناك عددا من جماعات الهيكل يعتبرون اليوم الأول بداية أيام التوبة، فيمارسون ممارسة شبيهة بالصيام، ويمتنعون عن التفاعل الإلكتروني.
وأشار ابحيص إلى أن سلوك شرطة الاحتلال اليوم يكشف عن تفاجئها بأعداد المرابطين الذين نجحوا في الاعتكاف منذ أمس، إلى جانب أعدادهم داخل الأقصى وعلى أبوابه، حيث شكلت ضغطا كبيرا واضطرت القوات إلى مواجهتها وتفريقها.
وأضاف “لذلك لجأت الشرطة إلى المباعدة بين المجموعات زمانيا وتقليل أعدادها، بالإضافة إلى توجس المستوطنين وتثبيطهم بعد نشر الشرطة تحذيرا سابقا يوصي بضرورة حمل المستوطنين السلاح خلال عيد رأس السنة العبرية، وهذا مردّه تصاعد المقاومة في الضفة الغربية، وتفعيل الرباط”.
اعتداء واعتقال
“حي على الجهاد، حي على الفلاح”، هكذا استغاث الملثمون المعتكفون عبر نوافذ المصلى القبلي، حيث تلاقت استغاثاتهم مع تكبيرات المصلين التي لم تنقطع طوال ساعات الاقتحام الخمس، رغم اعتداء قوات الاحتلال على النساء والمسنين، وإطلاق القنابل الصوتية باتجاه الملثمين، واعتلائهم سطح المصلى القبلي ومئذنة باب المغاربة، وإطلاق طائرة استطلاع مسيّرة فوق جموع المصلين.
تزامن ذلك مع اعتقال قوات الاحتلال أكثر من 10 شبان من داخل المسجد وعن أبوابه، أفرج عن بعضهم بعد ساعات، بالإضافة إلى تسجيل جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني 5 إصابات بالاختناق والضرب المباشر جراء اعتداء القوات على الصحفيين والمُبعدين والمصلين ممن منعوا من دخول المسجد، ومنهم مدير مكتب وكالة الأناضول أنس جانلي، والمرابط خير الشيمي من الداخل الفلسطيني.
فدا الأقصى
“إحنا فدا الأقصى ومستعدين نضحي أكثر من هيك، بالمال والولد، وكل ما نملك”، قالها المسن أبو بكر خير الشيمي (64 عاما) من سريره في مستشفى المقاصد بالقدس المحتلة، رافعا أصبع السبابة، والدماء تملؤ عمامته بعد الاعتداء عليه بالضرب قرب باب حطة.
بعد انتهاء خياطة الغرزة الـ15 في رأس الشيمي، قال للجزيرة نت بمعنويات عالية: “لم يزدني ذلك إلا قوة وعزيمة، هذا محتل غاشم لم يتردد جنوده في دفع رجل مسن وضربه”.
ويروي الرجل ما حدث قائلا “منعوني من دخول الأقصى رغم عمري المتقدم، ثم لاحقوني بالهراوات والطرد من باب السلسلة حتى باب حطة، نالت العصيّ من جسمي كله، وآخر ما رأيته هو جندي يدفعني نحو الدرج، وبعدها فقدت الوعي وسط صراخ وذعر الفتيات”.
معنويات عالية
وهي تتكئ على عكازها قبالة المصلى القبلي، قالت المقدسية أسماء شيوخي للجزيرة نت: “الحمد لله، أعداد المستوطنين قليلة، والتكبيرات تصدح من الرجال والنساء. لو كل يوم هيك ولا مستوطن يدخل على الأقصى، شيء يرفع الرأس، كلمة الله أكبر كأنها قنبلة موقوتة بالنسبة لليهود، أنا مستعدة أظل أرابط في الأقصى حتى ينتهي أجلي”، قالت الشيوخي ذلك ثم انضمت إلى مجموعات النساء اللاتي واصلن قراءة القرآن والتكبير دون كلل أو خوف، وكاميرات جنود الاحتلال مسلطة عليهن.
لباس أبيض ديني
ارتدى غالبية المقتحمين لباسا دينيا أبيض في الفترة الصباحية، وهو يحمل دلالتين بحسب الباحث ابحيص: الأولى، أنه “لباس التوبة” التوراتي الذي يرتديه المستوطنون خلال أيام التوبة العشرة التي تبدأ اليوم وتمتد حتى غروب شمس يوم الغفران في الخامس من الشهر المقبل. أما الثانية، فأنه “لباس الكهنة”، وهم رجال دين من نسل “الكاهن هارون” -بحسب وصف التوراة التي بأيدي اليهود الآن النبي هارون عليه السلام- ومهمتهم قيادة الصلوات اليهودية في الهيكل المزعوم.
ويحذر ابحيص قائلا: “هذا لباس ديني توراتي، وإدخاله إلى الأقصى مشابه لإدخال شال الصلاة والبوق والشمعدان، ومجرد اقتحام الأقصى به هو ممارسة لطقس توراتي في أقدس مقدسات المسلمين”.
ومع انتهاء اليوم الأول من رأس السنة العبرية، ينبّه مراقبون أن فكرة البوق ما زالت قائمة حتى انتهاء عيد الغفران (كيبور)، فيما ستستمر الأعياد اليهودية بوتيرة متواصلة حتى انتهاء عيد العرش (سوكوت) في 17 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وأخطر أيامها سيكون بين 11 و13 من ذات الشهر، فيما يعرف بفترة الحج الجماعي الكبير الذي يحدث مرة كل 7 سنوات ويوافق هذا العام.