المصروفات والمستلزمات والتبرعات.. “ثلاثية النكد” تطارد أولياء الأمور مع بداية الدراسة في مصر
القاهرة- في بداية أكتوبر/تشرين الأول ينطلق العام الدراسي الجديد في مصر في عهد وزير جديد للتعليم، ووسط أعباء إضافية على أولياء الأمور راكمتها الأزمة الاقتصادية المستمرة، فضلا عن ارتفاع أسعار المدارس والطلبات المبالغ فيها لمستلزمات الدراسة، وفق شكاوى رائجة وبيانات برلمانية.
وفي محاولة لتخفيف تلك الأعباء وغيرها، أقامت الحكومة المصرية معرضين بأسعار منخفضة لمستلزمات المدارس، بالتعاون مع الاتحاد العام للغرف التجارية بمصر، إلى جانب إعلان وزارة التربية والتعليم قرارات مشددة تحدد عدد أقساط المدارس الخاصة والدولية، ومنع أي تبرعات أو مصروفات إضافية بالمدارس الحكومية، مع إعفاء غير القادرين.
وعلى التوازي، دشنت جمعيات خيرية ومؤسسات مجتمع مدني مبادرات عديدة، منها “كفالة طفل تعليميا”، و”فرّح طلاب المدارس الحكومية”، فيما وصل الأمر إلى البنوك التي سارعت إلى الإعلان عن قروض تعليمية.
صداع شديد
وتعد مستلزمات الدراسة وأقساط المصروفات في المدارس الخاصة والدولية والتبرعات في المدارس الحكومية، ثالوثا ضاغطا على أولياء الأمور في هذا العام، مما سبب لهم صداعا شديدا وفق حديث بعضهم للجزيرة نت.
ويرى عبد الحميد محمد، وهو والد طفلين في أحد مدارس اللغات الخاصة بالقاهرة، أن هناك خوفا من قبل إدارات المدارس من عدم دفع أولياء الأمور المصروفات الدراسية هذا العام، في ظل الظروف الاقتصادية الضاغطة الحالية، ولذلك رفعوا القسط الأول إلى 50%، فيما طالبت بعض المدارس الخاصة العربية بدفع المبلغ كله.
وفي حديث للجزيرة نت، أوضح محمد أنه كان يدفع المصروفات على 3 أقساط، ولكنه فوجئ هذا العام بمطالبة الإدارة المالية بدفع أكثر من 50% قبل بداية العام الدراسي، وعندما واجه الإدارة المالية بقرار وزير التعليم الذي ينص على تقسيط المصروفات على 3 أقساط، بررت المدرسة الأمر بحاجتها إلى تأمين رواتب المدرسين ومصروفات العام الدراسي في ظل غموض المستقبل، وطالبوه باعتبار الأمر وديا في ظل الظروف الحالية، مما أجبره على دفع المبلغ المطلوب والدخول في ضائقة مادية.
نوال والدة 3 أطفال في التعليم الابتدائي بإحدى المدارس الخاصة، ترى أن مستلزمات الدراسة باتت عبئا على كل أولياء الأمور، ولكنها تعلمت الدرس من السنوات الماضية، وجهزت أطفالها بإعادة تأهيل ما تبقى من العام الدراسي السابق، وشراء ما يلزم من المعارض المتاحة لبيع هذه المستلزمات بأسعار مخفضة.
لكنها تقول للجزيرة نت إنها اضطرت لشراء بعض المستلزمات بأسعار مرتفعة لوجودها في مكتبات معينة، مثل الكتب الخارجية.
إبراهيم، العامل في إحدى المكتبات الشهيرة، أرجع سبب الارتفاع إلى وقف الاستيراد، في ظل عدم وجود كفاية لبعض الأدوات والمتطلبات فضلا عن زيادة أسعارها، وهو ما يتحمله ولي الأمر في نهاية المطاف، لكنه يؤكد أنهم يحاولون في المكتبة وضع هامش ربح بسيط “كي تدور عجلة البيع ومن أجل الحفاظ على الزبون”، وفقا لحديثه للجزيرة نت.
أما في المدارس الحكومية، فيقول إسلام -وهو صاحب ورشة- إنه فوجئ عند تقديم ملف ابنه لإحدى المدارس الحكومية بمطالبة المدرسة بالتبرع لها، كشرط “ودي” للقبول، موضحا أنه اضطر للدفع من أجل تمرير الأمر.
تحرّكات حكومية وبرلمانية
هذا الصداع الموسمي في رؤوس أولياء الأمور، دفع عضوة مجلس النواب إيناس عبد الحليم وآخرين لتقديم طلبات إحاطة بسبب ما وصفته بـ”مستلزمات المدارس الخاصة والدولية المبالغ فيها”.
الحكومة المصرية من جانبها بادرت -منذ أواخر الشهر الماضي- بمحاولة لدعم أولياء الأمور، حيث دشن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي معرض “أهلا مدارس” لبيع جميع مستلزمات الدراسة بأسعار أقل من الأسواق، بمشاركة من اتحاد الغرف التجارية بمصر، وتحت إشراف وزارة التموين.
وصرّح وزير التموين علي مصيلحي أن 23 معرضا رئيسيا أقيمت في المحافظات، و119 معرضا فرعيا، بالإضافة إلى 33 شادرا و27 قافلة متحركة و500 مكتبة.
وبحسب بيان رسمي، أكد مدبولي حرص الدولة على تقديم مختلف صور الدعم الممكن؛ من أجل المساهمة في تخفيف العبء عن كاهل الأسر المصرية، جرّاء التداعيات السلبية التي خلفتها الأزمات المتعاقبة على مستوى العالم، والتي نتج عنها آثار اقتصادية سيئة طالت مختلف مناحي الحياة في دول العالم ومصر.
ولكن الأسعار قوبلت بجدل وشائعات في المجتمع، بحسب بيان رسمي صادر قبل أيام عن المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، نفى ما تردد بشأن طرح السلع والمنتجات في معارض “أهلا مدارس” بنفس أسعار بيعها في الأسواق دون تخفيض.
وأكد البيان أن المعارض تطرح كافة منتجاتها من المستلزمات والأدوات المدرسية والزي المدرسي، بتخفيضات تتراوح بين 30% و50%، مقارنة بمثيلاتها في الأسواق الأخرى.
تدخل وزارتي التعليم والداخلية
وزارة التربية والتعليم من جانبها، تحركت في مسار مواجهة الشكاوى الأسرية، حيث اعتمد وزير التربية والتعليم والتعليم الفني رضا حجازي قرارا قبل أيام بتحديد الرسوم والغرامات والاشتراكات، ومقابل الخدمات الإضافية التي تحصَّل من الطلاب في المدارس الحكومية.
وتضمّن القرار إعفاء البعض من سداد الاشتراكات والخدمات الإضافية والأنشطة الطلابية المقررة بالمدارس، ومن بينهم الأيتام وأبناء شهداء ثورة 25 يناير، وأبناء الأسر المستفيدة من معاش الضمان الاجتماعي والمساعدات والطلاب اليتامى، مشددا على أنه لا يجوز تحصيل أي مبلغ من الطلاب تحت أي اسم إلا بموافقة من وزير التعليم.
كما أصدر الوزير قرارا رسميا بتقسيط مصروفات المدارس الخاصة والدولية على 4 دفعات، و3 أقساط لطلاب المدارس الحكومية، و3 أقساط أيضا لطلاب المدارس الرسمية للغات “التجريبية”، وسط جدل حول عدم التزام البعض بتنفيذه حتى الآن، مما دفع الوزارة إلى إصدار بيان رسمي حذرت فيه المخالفين بالعقوبات.
وشاركت وزارة الداخلية في مواجهة الأعباء، عبر تدشين فعاليات المرحلة الـ23 من مبادرة “كلنا واحد” المستمرة حتى دخول المدارس، تحت رعاية رئيس الجمهورية.
ووفق بيان رسمي، توفر هذه المرحلة كافة متطلبات المدارس، من أدوات مدرسية أو أحذية أو زي مدرسي، ومن خلال أسعار مخفضة بنسبة 30% عن الأسواق، وذلك في 814 منفذا، مع 6 معارض رئيسية، بالإضافة إلى 17 معرضا فرعيا، وذلك في مختلف محافظات الجمهورية.
مبادرات خيرية
وفي السياق ذاته، بادر العديد من المؤسسات الخيرية وائتلافات المجتمع المدني للتخفيف عن كاهل أولياء الأمور.
وبدأ عدد من الجمعيات الخيرية، منها: مؤسسة “عمار الأرض” المقربة من الداعية المصري الشهير مصطفى حسني، في جمع تبرعات لدعم التلاميذ قبل دخول المدارس، عبر مشروع كفالة طفل تعليميا بمبلغ 1200 جنيه في العام (الدولار= 19.56 جنيها).
كما دعت جمعية الحصري الشهيرة إلى سرعة إخراج الصدقات الجارية للمساعدة في دفع مصروفات التعليم لغير القادرين، وفق بيان لها.
وتنظم جمعية رسالة البارزة في مجال الأعمال الخيرية، قوافل خيرية بمساعدة متطوعين لتوزيع مستلزمات المدارس بالمجان.
وأعلن ائتلاف أولياء مصر مبادرة “فرح طلاب المدارس الحكومية” عبر التوجه إلى المدارس والتبرع بالرسوم والمستلزمات. وبحسب بيان، أكد الائتلاف أهمية “مساندة الأسر في استكمال المسيرة التعليمية لأبنائهم، ورسم البسمة على وجوه الطلاب”.
ويشارك عدد من البنوك المصرية في مواجهة الأعباء عبر تقديم القروض، حيث أعلن أكثر من 10 بنوك مصرية تقديم قروض تعليمية لدعم قدرة الآباء على سداد المصروفات الدراسية بعد ارتفاع الأسعار.