الاخبار العاجلةسياسة

بوابة لإفلات المتهمين بالفساد.. ما أسباب فشل العراق في إنهاء ظاهرة المسؤولين مزدوجي الجنسية؟

مثلت الجنسية المزدوجة بوابة واسعة لهروب الكثير من المسؤولين العراقيين المتهمين بملفات فساد، وباتت معضلة قضائية وقانونية لما يتمتعون به من حصانة، نظرا لإجراءات الاعتقال التي تستغرق فترة أطول بسبب ضرورة مخاطبة سفارات الدول التي يحملون جنسيتها.

ورغم حظر الدستور العراقي ازدواج الجنسية فإن كثيرا من المسؤولين لا يزالون محتفظين بجنسياتهم الأجنبية، وتعد المادة “18- رابعا” من الدستور العراقي معيارا لاختيار من يتولون مناصب سيادية وأمنية حساسة، لكن قانونيين يقدمون تفسيرات لهذه المادة، حيث لم تحدد المناصب السيادية أو الوظائف التي يُمنع مزدوجو الجنسية من توليها.

“البريطانية” أولا

تأتي الجنسية البريطانية في مقدمة الجنسيات المزدوجة لدى المسؤولين العراقيين، ولا سيما على مستوى رؤساء الجمهورية والحكومة والوزراء والنواب، ويعد رؤساء الجمهورية الأبرز من بين هؤلاء، مثل رئيس الجمهورية الحالي عبد اللطيف رشيد، والرئيس السابق برهم صالح، والأسبق فؤاد معصوم.

وينطبق ذلك على رئيسي الوزراء السابقين إياد علاوي وحيدر العبادي ورئيس البرلمان الأسبق إياد السامرائي، وطارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية الأسبق، ووزير المالية السابق علي علاوي، ووزير الخارجية الأسبق إبراهيم الجعفري، وبهاء الأعرجي نائب رئيس الوزراء الأسبق والقيادي السابق في التيار الصدري، والقيادي السني صالح المطلك، ووزير الاتصالات الأسبق محمد توفيق علاوي، وغيرهم.

وتأتي الجنسية الأميركية في المرتبة الثانية، وأبرز من يحملها محافظ النجف الأسبق عدنان الزرفي، فيما تأتي الجنسيات الأوروبية الأخرى بالمرتبة الثالثة، حيث يحمل رئيس الوزراء الأسبق المستقيل عادل عبد المهدي الجنسية الفرنسية.

2- هادي السلامي: الأحزاب الحاكمة سرقت الأموال عبر تأسيس شركات وهمية "الصورة الجزيرة نت"
هادي السلامي: كثير من المسؤولين مزدوجي الجنسية هربوا خارج البلاد (الجزيرة)

ورغم إعداد البرلمان العراقي مسودة قانون خاص بمزدوجي الجنسية لمرات عدة خلال الدورات البرلمانية السابقة فإنه لم يفلح في تمريرها بسبب الخلافات السياسية ومدى الضرر الذي ستتسبب به لكثير من قادة الأحزاب والأطراف السياسية العراقية، حسب مراقبين.

وكان وزير الخارجية الأسبق إبراهيم الجعفري قد كشف في حديث صحفي أن أكثر من 32 سفيرا عراقيا (في حكومة العبادي 2014-2018) من أصل 66 يحملون جنسية مزدوجة.

وتتعدد الأمثلة في ما يتعلق بمسؤولين عراقيين مزدوجي الجنسية فروا من البلاد بعد اكتشاف السلطات العراقية تورطهم في الفساد دون تمكنها من ملاحقتهم بسبب ازدواجية الجنسية ورفض دولهم الثانية تسليمهم على اعتبار أنهم مواطنون، وهو ما يقر به عضو لجنة النزاهة في مجلس النواب العراقي هادي السلامي الذي أضاف أن الجنسية المزدوجة ساهمت إلى حد كبير جدا في هروب الكثير من المسؤولين المتهمين بالفساد، حسب قوله.

ومن تلك الأمثلة، وزير الكهرباء الأسبق أيهم السامرائي (2003-2005) الذي يحمل الجنسية الأميركية والمتهم باختفاء مبلغ ملياري دولار مخصصة لإعادة إعمار البنية التحتية للكهرباء، إضافة إلى وزير التجارة الأسبق فلاح السوداني (2006-2009) الذي يحمل الجنسية البريطانية، ووزير الدفاع الأسبق حازم الشعلان (2004-2005) الذي يحمل الجنسية الأميركية أيضا، فضلا عن محافظ البصرة الأسبق ماجد النصراوي (2013-2017) الذي يحمل الجنسية الأسترالية، وغيرهم.

ويضيف السلامي في حديثه للجزيرة نت أنه منذ عام 2003 اعتاد كبار المسؤولين على خرق القوانين والدستور، معلقا “بات جل صراعهم على السلطة والمال مع وجود تجاوزات كثيرة على الدستور والقانون”.

وكشف مصدر مسؤول للجزيرة نت (اشترط عدم ذكر اسمه) عن وجود 6 وزراء في الحكومة السابقة برئاسة الكاظمي يحملون الجنسية المزدوجة، فضلا عن أكثر من 90 نائبا في الدورة الانتخابية السابقة ونحو 100 نائب في الدورة البرلمانية الحالية، ويكاد الرقم ذاته يتكرر في كل دورة برلمانية جديدة، حسب المصدر.

المنصب السيادي

في غضون ذلك، يرى رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب محمد عنوز أن الكثير من التشريعات والقوانين قد تصدر وتكون غير قابلة للتطبيق أو من الصعب إيجاد تحديد للمنصب السيادي، حيث يتساءل عنوز عن مفهوم المنصب السيادي في المادة “18- رابعا” من الدستور وما الذي تعنيه.

اقرأ ايضاً
استخبارات الناتو: روسيا تخسر ألفي جندي مقابل كل 100 متر تكسبها بشرق أوكرانيا

ويستدرك عنوز تساؤله بالإجابة قائلا “هل المقصود به رئيس الجمهورية والوزراء وأعضاء مجلس النواب أم وكلاء الوزراء أم المسؤولون العسكريون أم غيرهم أم الذي لديه معلومات مخابراتية؟ وهل تكمن الخطورة في المنصب أم في معلومات المنصب؟”.

وفي حديثه للجزيرة نت، يتابع عنوز أنه يفترض على البرلمان مناقشة مثل هذه المواد الدستورية لمعرفة ما إذا كانت قابلة للتطبيق أم لا، موضحا أن المادة 18 لم تأخذ ذلك بعين الاعتبار، ولم تحدد كيفية التعامل مع هذا المفهوم، معلقا بالقول “من الضروري أن يفسر ويحدد على وجه الدقة ما المقصود بالمنصب السيادي، وهل هو المنصب أم المعلومة التي تكون لدى الموظف الذي يقدم خدمة عامة، سواء أكان منتخبا أم غير منتخب”.

ويختتم حديثه بالإشارة إلى أن خطورة المعلومة أهم من موضوع تحديد المنصب، معلقا “لا نعتقد أن ذا الجنسية الواحدة يكون أكثر حرصا من مزدوج الجنسية على مصلحة الوطن، والقانون العراقي يعاقب المسيء بغض النظر عن وحدانية الجنسية أو تعددها”.

4 92
السامرائي: مجلس النواب بدوراته الخمس لم يشرّع قانون تنظيم مزدوجي الجنسية (الجزيرة)

تأويل وغموض

بدوره، يتفق الخبير القانوني محمد السامرائي مع عنوز في أن المادة “18- رابعا” من الدستور وردت عامة دون تحديد ماهية المناصب السيادية ولا نوعية المناصب الأمنية الرفيعة، مبينا أن الدستور ترك تفصيل المادة لقانون خاص ينظم ذلك، وهو ما اعتبره السامرائي أمرا طبيعيا، إذ إن الدستور يتضمن أحكاما عامة فقط ويترك التفصيلات إلى النصوص القانونية من خلال تشريع قانون تصدره السلطة التشريعية المتمثلة بمجلس النواب، بحسبه.

وفي حديثه للجزيرة نت، يشير السامرائي إلى أن مجلس النواب بدوراته الخمس لم يشرّع قانون تنظيم مزدوجي الجنسية ممن يتولون المناصب السيادية والأمنية الرفيعة، مؤكدا ضرورة أن يتضمن في نصوصه مفهوم تلك المناصب وتحديدها بشكل لا يقبل التأويل وبما يرفع الغموض ويزيله ويقلص عمومية النص الدستوري.

وينبه السامرائي قائلا “بعدم تشريع ذلك القانون لا يمكن اتخاذ أي إجراء قانوني تجاه أي من مزدوجي الجنسية عند توليهم المناصب الحكومية والسيادية والأمنية الرفيعة، وهذا ما يؤكد أن هناك تقصيرا واضحا من مجلس النواب والمتمثل في امتناعه عن إصدار قانون معالجة مزدوجي الجنسية”.

قصور قانوني

وعن الجهة المسؤولة عن خرق المادة 18 من الدستور، يوضح المحلل السياسي محمد نعناع أن المسؤول المباشر عن خرق الدستور وقانون الجنسية رقم 26 لسنة 2006 هو الادعاء العام، عازيا السبب إلى امتلاكه صلاحية طرح الدعاوى المخالفة للدستور والقوانين النافذة، بخلاف المحكمة الاتحادية التي لا تنظر بهذه المواضيع إلا إذا قدّم لها طعن أو بيان رأي.

وفي حديثه للجزيرة نت، يحمّل نعناع رئيس البرلمان مسؤولية هذا الخرق أيضا بوصول نواب يحملون أكثر من جنسية إلى مجلس النواب، منتقدا في الوقت ذاته عدم وجود آليات لمعالجة ازدواج الجنسية، لافتا إلى أنها مباحة للمواطن، غير أن طرق التخلي عن الجنسية المزدوجة غير واضحة من الناحية القانونية.

ويشير إلى أن قوانين الانتخابات والأحزاب والخدمة في مؤسسات الدولة لا تضم نصوصا للتخلي عن الجنسية الثانية، وهو ما فتح بابا للتسويف وجعل الكتل السياسية تغض الطرف وتتعاون في ما بينها لتمرير مرشحيها لمجلس النواب والمناصب العليا والأمنية، ولا سيما أن جميع الأحزاب النافذة لديها شخصيات متنفذة مؤثرة تحمل أكثر من جنسية، حسب تعبيره.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى