توماس فريدمان: بوتين يحوّل روسيا إلى “كوريا شمالية كبرى” وعلى الغرب التصرف بصرامة وذكاء
قال الكاتب الأميركي توماس فريدمان –في مقال له نشر بصحيفة “نيويورك تايمز” (New York Times)- إن الوقت قد حان للقوى الغربية لتتعامل بصرامة وذكاء مع التطورات في أوكرانيا، مشيرا إلى أن الإجراءات الأخيرة التي اتخذها الكرملين تذهب في اتجاه جعل روسيا “كوريا شمالية كبرى”.
وأوضح فريدمان أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين -بضمه مناطق من أوكرانيا بشكل رسمي- أطلق مسار تحويل روسيا الاتحادية إلى “كوريا شمالية كبرى” ذات 11 توقيتا زمنيا، وذات ترسانة عسكرية تضم آلافا من الرؤوس الحربية النووية.
وذكر أن هذا التحول الرهيب لا يمكن اعتباره تهديدا “جيوسياسيا” فحسب، بل سيكون كذلك مأساة إنسانية كبرى تقتل الطاقات البشرية الروسية التي لطالما أبهرت الإنسانية بإبداعاتها في مجالات مختلفة، من بينها الثقافة والفن والصناعة.
وأشار فريدمان إلى أنه لن يتفاجأ إذا أعلن بوتين استعداده للتفاوض بعد ضمه مناطق أوكرانية، إذ إن هذا التصعيد -وكذلك التعبئة الجزئية- قد يكون محاولة منه لإرضاء أنصاره الغاضبين من “الإذلال العسكري” الذي عاشته القوات الروسية في أوكرانيا خلال الأسابيع الأخيرة، وفي الوقت نفسه قد يكون مناورة لإنجاح تسوية تفاوضية مواتية.
سيطرة؟
وشرح أن مشكلة كبيرة تواجه بوتين حاليا تتمثل في عدم سيطرة قواته على الأراضي التي قام بضمها لروسيا، وهذا يعني أنه لا يستطيع القيام بأي تسوية ما لم يطرد الأوكرانيين من كل تلك الأراضي وإيقاف كل هجماتهم، علما بأن جيشه منهك في أوكرانيا ويخسر أراضي يوما بعد يوم.
وحذر الكاتب من أن هذا السيناريو قد يجعل الرئيس الروسي يشعر بأنه حوصر في زاوية ضيقة لن يخرجه منها إلا استخدام سلاح نووي.
وبيّن فريدمان أن ما قام به بوتين “يشجع” كييف وحلفاءها الغربيين على مواصلة الحرب شتاء، لاستعادة الأراضي التي تحتلها روسيا، وبعضها محتل منذ 2014، وذلك رغم أن إمدادات الغاز الطبيعي ستكون مقيدة والأسعار قد تبلغ مستوى فلكيا.
وأكد أن قرارا مثل قطع إمدادات الغاز عن أوروبا الغربية سيكون كارثيا على روسيا، التي ستفقد ثقة زبائنها الذين سيضطرون للبحث عن وسائل بديلة لتجنب الاعتماد بشكل كلي على روسيا في توريد هذه المادة الضرورية، موضحا أن الثقة بمجال الطاقة هي العملة الأهم وفقدها يعني ضياعها للأبد.
تسوية أم تصعيد؟
وتساءل فريدمان هل ستضطر أوكرانيا والغرب “لإغلاق أنفهما” وعقد صفقة “قذرة” مع بوتين لوقف الحرب، أم ستستمر المواجهة المباشرة لتكريس مبدأ عدم جواز الاستيلاء بقوة على أراضي الغير، ومن ثم حرمان بوتين من الحصول على أي إنجاز إقليمي؟
وقال إنه من المحتمل أن تظهر أصوات تدعو أوروبا للموافقة على عرض تسوية يقدمه بوتين الذي يسعى لإحداث تصدع في الموقف الغربي، وفي الوقت نفسه يريد الخروج بـ”انتصار ما” يحفظ ماء وجهه.
وأضاف أن الزعماء الغربيين ملزمون بمعرفة متى “ينحرفون” عن الطريق لئلا يحدث اصطدام مع “السائق” القادم من الجهة المقابلة (بوتين)، ومتى يتخلون عن “بعض الكرامة” لـ”السائق الآخر”؛ حتى “ينحرف” ولا يحدث اصطدام، رغم أنه يتجاهل كل الآخرين.
وأكد فريدمان أن بوتين -بقراراته- يبدو وكأنه لم يترك للجميع من حل سوى البحث عن كيفية للتعايش مع “كوريا الشمالية الروسية”، موضحا أن هذا السيناريو يعني البحث عن تحقيق أقصى استفادة ممكنة من هذا الوضع، وأفضل ما فيه -يوضح فريدمان- هو عالم أكثر اضطرابا.