بعد “قضم” المناطق والتعبئة والتهديد بالنووي.. هذا ما يشغل الشارع الأوكراني
كييف- يتردد الحديث عن الحرب يوميا على كل لسان في أوكرانيا، فقد دخلت بتداعياتها بيوت الناس جميعا، وأصبحت حياتهم تتماشى مع تطوراتها قبل أي شيء آخر، سلبا أو إيجابا.
وآخر هذه التطورات وأبرزها ضم روسيا 4 مناطق جديدة إلى أراضيها (لوغانسك، ودونيتسك، وزاباروجيا، وخيرسون)، بعد ضم القرم عام 2014، مما يشكل نحو 20% من مساحة البلاد.
وقد واكب ذلك إعلان “تعبئة جزئية” في روسيا، وتهديد باستخدام السلاح النووي، مقابل عزم أوكراني على استمرار “عمليات التحرير” في كل مكان، وطلب رسمي بعضوية حلف شمال الأطلسي “الناتو” (NATO).
ردود الفعل تخضع للكثير من العوامل المختلفة بين الأوكرانيين اليوم، كالعمر، ومكان الإقامة والعمل قبل الحرب وخلالها، إضافة إلى مكان وجود أو بقاء الأهل والأقرباء، وغيرها.
الشباب أكثر تفاؤلا
وفئة الشباب تبدو الأقل تأثرا واهتماما، بصورة قد توحي -أحيانا- بحالة من عدم المبالاة، لكن الحديث معهم يكشف حجم تفاؤل يميزهم عن غيرهم بفارق كبير، قد يصل إلى حد المبالغة.
في كييف تبدو الحياة اليوم -وإلى حد ما- صاخبة بنشاطات الشباب كما كانت قبل الحرب، الأمر الذي سبب موجة انتقادات لهم على منابر التواصل الاجتماعي، من قبل سكان المناطق “المحتلة حديثا”، وتلك المتوترة في الشرق والجنوب؛ مع اتهامهم بعدم مشاطرة مشاعر الخوف والترقب.
في ميدان الاستقلال بالعاصمة كييف، تحدثت الجزيرة نت مع عدد من هؤلاء الشباب حول الأمر، فقالت نتاليا (22 عاما): “لا يهمني ما تقوله روسيا أبدا، فتلك أراض ستبقى أوكرانية، وأنا أؤمن بأن القوات الأوكرانية ستستعيدها بالقوة، إذا ما استمر زخم تقدمها والدعم الغربي والشعبي لها”.
ويقول أنتون، وهو ضابط شاب في جهاز الحرس الوطني، “الاستفتاءات وإعلانات الضم خطوات أراد بها بوتين تبرير التصعيد والتهديد. أعتقد أننا وصلنا إلى مرحلة متقدمة، أصبحنا فيها أقوى من بعض دول الناتو من حيث الخبرة والتسلح؛ ولم نعد نأبه فيها بكل ما تفعله روسيا، لأنه يعود عليها بالأضرار والكوارث، والتهديد بالنووي جزء من ذلك”.
انتقام لـ”هيبة” بوتين
لكن آخرين يتخوفون فعلا من إقدام بوتين على خطوة استخدام أسلحة الدمار الشامل، ولديهم أسباب للتدليل على هذه الفرضية.
يشير سيرهي فورلوف (60 عاما) -أحد سكان مدينة كييف القدامى- بيده صوب حي المقرات الحكومية وسط العاصمة الأوكرانية، ويقول للجزيرة نت: “عليه (الرئيس الروسي فلاديمير بوتين) ضرب هذا المكان إن أراد تحقيق نتيجة توقف الحرب لصالحه بعد الخسارة والعار. أعتقد أنه مستعد لفعل ذلك، وفعل كل شيء انتقاما لهيبته التي سحقت”، على حد قوله.
أما رئيس مؤسسة “الخيارات الأوكرانية” للدراسات الإستراتيجية، أوليكسي كوشيل، فيقول للجزيرة نت: “أعتقد أن الأوكرانيين باتوا أكثر براغماتية في تعاملهم مع المستجدات، فلا يعتمدون على تأكيدات المسؤولين ورسائل الطمأنة كما في بداية الحرب. أعتقد أنهم يدركون حقيقة خطر التهديدات الروسية”.
وأضاف “لا أستبعد أبدا أن تستعرض روسيا قدراتها النووية بطريقة ما، أو أن تقصف بالسلاح النووي التكتيكي لجس النبض الأوكراني والعالمي، فإن لم تجد رادعا، استمرت بشكل أعمق وأخطر داخل أوكرانيا”.
آمال السلام والعودة
ولأن العاصمة كييف تضم اليوم أكثر من 100 ألف نازح من مناطق الشرق والجنوب، تختلط فيها مشاعر النشوة بتقدم القوات الأوكرانية على مختلف الجبهات، والخشية مما آلت إليه الأمور، وما تخبئه الأيام القادمة.
من جهتها، تقول فالينتينا -التي نزحت مع زوجها وأولادها من مدينة سلافيانسك بإقليم دونباس، وبعدما كان لديهم محل ألبسة هناك أصبحت لديهم حاوية بضائع وطاولة صغيرة في إحدى الأسواق الشعبية بكييف- في حديثها للجزيرة نت: “حياتنا انقلبت رأسا على عقب. كنا ننشد وقف الحرب لنعود بسلام، واليوم نخشى أن نعود فلا نجد مكانا يؤوينا، أو أن نخسر الحرب، فتسيطر روسيا على سلافيانسك وتصبح معزولة عن العالم”.
لكن زوجها أوليكساندر متفائل، ويقول: “احتل الانفصاليون المدينة عدة أسابيع، وحررتها أوكرانيا عام 2014. كان ذلك كافيا ليدرك الناس أن الحياة في ظل روسيا والموالين لها مستحيلة؛ ولهذا أؤمن بأن أراضينا كلها ستعود حتما، مهما فعلت موسكو ومهما طال الزمن”.