الاخبار العاجلةسياسة

لأسباب عدة.. الناصرية تشكل بؤرة غليان وسط وجنوب العراق

عُرفت الناصرية (مركز محافظة ذي قار جنوبي العراق) خلال السنوات الماضية على أنها من أكثر المناطق التي تشهد مظاهرات شعبية وصدامات بين المتظاهرين والقوات الأمنية، وعلى إثر ذلك برز اسم المدينة في نشرات الأخبار المحلية والدولية كمنطقة ساخنة سياسيا وأمنيا.

وبحسب العديد من الناشطين والمسؤولين في المحافظة، فإن أسباب استمرار المظاهرات في الناصرية تتعدد ما بين السياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى الفكرية.

الناشط المدني في الناصرية سلام الغزي
الغزي اعتبر أن قناعة المتظاهرين تقوم على أن الاحتجاج والتصعيد وسيلة للحصول على الحقوق (الجزيرة نت)

أسباب سياسية

اتسعت وتيرة الاحتجاجات في الناصرية بعد مظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019، حيث لا يزال ناشطو المدينة يقومون بتنظيم المظاهرات التي تطورت في أحيان كثيرة إلى مواجهات مع القوات الأمنية.

ووفقا للناشط المدني سلام الغزي، فإن أسبابا عديدة جعلت من الناصرية مركزا للاحتجاج، مؤكدا للجزيرة نت أنها مستمرة منذ 3 سنوات، وأنها باتت تُنظم من قبل فئات متعددة مثل خريجي الجامعات العاطلين والعمال وغيرهم مما يؤدي في بعض الأحيان إلى قطع الطرق وصدامات.

ويعتقد أن قناعة المتظاهرين تشي بأن الحقوق لا تستحصل إلا من خلال الاحتجاج والتصعيد، وهو ما يعزوه إلى أن الحكومة الاتحادية لم تستجب للمتظاهرين إلا في حال التصعيد مما شجع على استمرار المظاهرات.

وعن الوضع السياسي، فإنه ومنذ عام 2019 تخلو ذي قار من أي مقار للأحزاب السياسية، غير أن جماهير هذه الأحزاب تعمل على خلخلة وضع المدينة باختراقها للمتظاهرين والتصعيد مع القوات الأمنية في أحيان كثيرة، بحسب تعبيره.

ويتابع أن الخلافات بين الأحزاب لا تقف عند التقليدية منها، حيث وصلت حدتها إلى الأحزاب التي انبثقت عن الاحتجاجات الشعبية، مما أسهم في تصعيد الأوضاع، حيث لم تشهد الناصرية تنمية حقيقية رغم أن البرلمان كان قد صوت في وقت سابق على اعتبار المحافظة منكوبة.

من جانبه، يرى مهند الجنابي أستاذ العلوم السياسية في جامعة جيهان أن الناصرية وعقب احتجاجات 2019 باتت عاصمة للمتظاهرين نتيجة العنف الذي لحق بأقرانهم في بغداد، وهو ما أدى إلى أن فوز العديد من المرشحين بالانتخابات النيابية التي أجريت 2021 مع إجبار الحكومة على تغيير المحافظ وتعيين آخر محسوب على المتظاهرين، بحسبه.

وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف الجنابي أن أسباب استمرار المظاهرات يعزى للإحباط لدى المحتجين بعد أن عجزت الأحزاب الجديدة عن تحقيق المطالب، إضافة إلى أن الأحزاب التقليدية عملت على تأجيج الوضع من أجل كسر إرادة سكانها، وكانت طريقتها من خلال استثمار الخلافات بين المتظاهرين.

أسباب اقتصادية

وللجانب الاقتصادي دوره، كما يؤكد النائب في البرلمان حسن الأسدي بوصول نسبة الفقر في المحافظة إلى 40%، معتبرا أن هذا يعد مؤشرا خطيرا، لافتا في حديثه لإحدى وسائل الإعلام أن نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر في ذي قار بلغت 35%.

من جهته، يرى النائب المستقل في البرلمان داود العيدان في حديثه للجزيرة نت أن الوضع الاقتصادي في المدينة أثرت فيه العديد من العوامل، منها سوء إدارة ملف المياه والزراعة بما أدى لنزوح كبير من أبناء الريف إلى المدينة، لافتا إلى أن المشكلة الأخرى تتمثل بأصحاب الشهادات العليا العاطلين عن العمل، حيث وبمقارنة شباب الناصرية لأوضاعهم مع أقرانهم في المحافظات الأخرى، فإنهم قرروا الاستمرار في التظاهر، بحسبه.

اقرأ ايضاً
تراجيديا مرعبة.. مؤتمر دولي بإسطنبول يدعو لإنهاء المجازر الإسرائيلية بغزة
استاذ العلاقات الدولية في جامعة جيهان - مهند الجنابي
الجنابي: هناك العديد من الأبعاد الفكرية السياسية بالناصرية جعلت منها على مدى عقود منتجة للفكر السياسي (الجزيرة نت)

أسباب فكرية

على الجانب الفكري، يتحدث أستاذ العلوم السياسية مهند الجنابي عن أن هناك العديد من الأبعاد الفكرية السياسية في الناصرية التي جعلت منها على مدى العقود الماضية منتجة للفكر السياسي، وهو ما يتجلى في العديد من القيادات الحزبية التي برزت من الناصرية خلال العقود الماضية في العهد الملكي والجمهوري.

ويتابع “هناك تضاد فكري حتى بين متظاهري تشرين وهو ما يغذي المظاهرات المستمرة حتى الآن، وبالتالي فإن ما يحدث يعد نتيجة طبيعية لتحول اجتماعي ونضوج فكر معارضة سياسية احتجاجية بما يجعلها محتفظة بمركزيتها في المظاهرات المستمرة دونا عن بقية المحافظات المجاورة مع كسر المتظاهرين لحاجز الخوف”.

ويذهب في هذا المنحى النائب عن الناصرية العيدان الذي يضيف في حديثه للجزيرة نت أن أبناء مدينة الناصرية لا يؤمنون بأيديولوجية موحدة، بمعنى أنه لا يوجد فكر واحد يسيطر على جميع أبنائها، عازيا ذلك إلى الطبيعة الاجتماعية لهم.

أما عن مرحلة ما بعد 2003، بحسب العيدان، فإن كثيرا من أبناء الناصرية يرفضون الوضع السياسي الذي يعتمد على المحاصصة، وأن غالبية أبناء الناصرية يرفضون الانضمام للأحزاب للحصول على الحقوق، لافتا إلى أن عدم إحداث أي تغيير حقيقي في الناصرية منذ عام 2019 أدى لاستمرار المظاهرات.

من جهته، يرى الخبير الأمني والإستراتيجي فاضل أبو رغيف أن أبناء الناصرية لديهم رصيد كبير في الفكر السياسي منذ القدم، بما يجعلها المحافظة الأولى في ولادة القيادات الفكرية والأيديولوجية، وهو ما نتج عنه عدم رضى أبناء المدينة بأنصاف الحلول، بحسب تعبيره.

فاضل أبو رغيف
أبو رغيف وصف ناشطي الناصرية بالمتظاهرين الحقيقيين الذين لم يستغلوا الاحتجاجات لمصالح شخصية (الجزيرة)

الوضع الأمني

شهدت الناصرية تصعيدا أمنيا كبيرا الأسبوع الماضي، وهو ما عده العيدان محاولة لخلط الأوراق سيما أن المتظاهرين الذين خرجوا مؤخرا لم يحملوا أي يافطات أو مطالب واضحة، معتبرا أن هناك الكثير من علامات الاستفهام حول المظاهرات الأخيرة، بحسبه.

من جهته، يعزو الخبير الأمني أبو رغيف في حديثه للجزيرة نت السبب الرئيسي لما يجري في الناصرية منذ عام 2019 وحتى الآن لكمية الضحايا والدماء التي فقدتها المدينة، سيما أن كثيرا من الأشخاص استغلوا هذه المظاهرات وارتقوا مناصب حكومية وتشريعية، مع تجاهلهم لأبناء المدينة.

وتابع أبو رغيف أن المتظاهرين في الناصرية الآن يعدون المتظاهرين الحقيقيين الذين لم يستغلوا المظاهرات لمصالح وصفها بـ “الشخصية” معتبرا أن ما حدث يعد “عملية طرد مركزي” أدت لفرز المتظاهرين الحقيقيين عن المصلحيين، وأن هذه المظاهرات ستستمر حتى الانتخابات القادمة سواء كانت مبكرة أو اعتيادية شريطة أن تفرز واقعا مغايرا يستطيع من خلاله أبناء المدينة نيل حقوقهم.

على الجانب الحكومي، اعتبر المتحدث الرسمي باسم الحكومة المحلية أبو الحسن البدري أن المحافظة ومنذ تغيير الحكومة المحلية شهدت تراجعا في حدة المظاهرات الشعبية بصورة عامة، باستثناء الأعمال الأخيرة قبل نحو أسبوع ووصفها بـ “التخريبية”.

ويتابع البدري، في حديثه للجزيرة نت، أن المحافظة سجلت تحسنا كبيرا في الوضع الاقتصادي من خلال كم المشاريع التي شرعت الحكومة المحلية بتنفيذها، أما فيما يتعلق بالمظاهرات الفئوية للعاطلين عن العمل، فإنه يعزو ذلك إلى الإهمال الذي عانت منه المحافظة خلال الحكومات السابقة، وهو ما استطاعت الحكومة المحلية الجديدة الحد منه من خلال توفير آلاف الدرجات الوظيفية وفرص العمل، بحسب تعبيره.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى