محطة زاباروجيا في جعبة روسيا.. كيف تؤثر خسارة أوكرانيا خاصرتها النووية على سيناريوهات الحرب
موسكو- لم يكن قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نقل مرافق محطة زاباروجيا الأوكرانية إلى ملكية الاتحاد الروسي مفاجئا، بل عملية تحصيل حاصل -كما يصفها بعض المراقبين- بعد إعلان موسكو ضم مقاطعة زاباروجيا نفسها، إلى جانب 3 مناطق أخرى إلى الجغرافيا السياسية الروسية.
لكن من شأن التطور الجديد أن يدخل الحرب الروسية الأوكرانية في منعطف أكثر حدة، نظرا للأهمية الحيوية للمحطة بالنسبة لكييف من جهة، واستباق روسيا قرار ضم المحطة برفض المقترح الأوكراني الأميركي بإنشاء منطقة منزوعة السلاح حول هذه المحطة النووية من جهة أخرى. إذ أوضحت الخارجية الروسية أنه في هذه الحالة، ستصبح محطة الطاقة النووية أكثر عرضة للخطر.
ولم تمر ساعات قليلة على صدور القرار الروسي الجديد، حتى بدأت حشود القوات الأوكرانية بالتمركز على محور زاباروجيا. ووفقا لعضو مجلس إدارة هذه المقاطعة فلاديمير روجوف، فإن التعزيزات العسكرية الأوكرانية على خطوط التماس في المنطقة هي الأكبر من نوعها منذ بدء العملية العسكرية الروسية.
أوراق قوة
ويشكل هذا القرار -وفق مراقبين روس- إحدى أوراق القوة الإضافية التي باتت موسكو تملكها في حربها على أوكرانيا. ويمكن العودة مثلا في هذا السياق إلى تصريح مارات خوسنولين نائب رئيس الوزراء الروسي في مايو/أيار الماضي، والذي أشار فيه إلى أن “المحطة جاهزة لمواصلة تزويد أوكرانيا بالكهرباء إذا قام نظام كييف بالدفع مقابل ذلك”.
علاوة على ذلك، في حال قررت روسيا وقف نظام الطاقة في المحطة، فإن ذلك لن يفصل جزءا كبيرا من المستهلكين في أوكرانيا فحسب، بل ويوقف تصدير الطاقة الكهربائية كذلك إلى أوروبا.
ويرجح مراقبون روس وغربيون أن يؤدي تصاعد أزمة الطاقة إلى فقدان أوروبا وحدة الموقف السياسي داخلها بشأن أوكرانيا.
منشأة حيوية
ومحطة زاباروجيا للطاقة النووية هي الأكبر من نوعها في أوروبا، وتقع على ضفاف خزان كاخوفكا بالمقاطعة التي جرى الاستفتاء على انضمامها إلى روسيا نهاية سبتمبر/أيلول المنصرم.
وكان بناء المحطة قد بدأ عام 1977، وتم تشغيل مفاعلاتها الأربعة بداية من عام 1984 إلى 1987، بينما بدأ المفاعل الخامس إنتاج الطاقة عام 1989، في حين بدأ السادس بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق.
وقبل بدء العملية العسكرية الروسية، وفرت المحطة حوالي 20% من إجمالي الكهرباء في أوكرانيا. وتولد سنويا حوالي 40 مليار كيلو واط/ ساعة. وفي مارس/آذار 2015 أصبحت أول محطة للطاقة النووية في العالم تولد أكثر من تريليون كيلووات/ساعة من الكهرباء منذ بدء تشغيل الوحدة الأولى.
من فائض بالطاقة إلى عجز
ومن المرجح، في حال توقف المحطة عن العمل -سواء بقرار أو نتيجة عمل تخريبي- أن يؤدي ذلك لقطع الكهرباء عن السكان والمرافق المدنية والمصانع، كما يرى الخبير الاقتصادي فيكتور لاشون.
فحسب قوله، تعتمد أوكرانيا بشكل كبير على توليد الطاقة في محطة الطاقة النووية في زاباروجيا، ووقف القصف من قبل القوات المسلحة الأوكرانية أهم شرط لاستئناف تشغيل المحطة وضمان إمدادات الطاقة الكهربائية.
ويعرب -في حديث للجزيرة نت- عن استغرابه من كلام سلطات كييف بأن قصف المحطة تم فقط لمنع فصل محطة الطاقة النووية عن شبكة الطاقة الأوكرانية، متابعا أنه في حال توقفت المفاعلات عن العمل اضطراريا، فستجد مناطق وسط أوكرانيا نفسها في وضع صعب إلى حد كبير.
ويقصد لاشون من كلامه أحداث 11 أغسطس/آب الماضي، عندما اتهمت روسيا القوات الأوكرانية بشن عدة هجمات على منطقة تخزين النظائر المشعة للمحطة، التي تضررت نتيجة لها خطوط الكهرباء في محطة كاخوفسكايا الفرعية، مما أدى إلى اندلاع حريق في حقل بالقرب من محطة الطاقة النووية.
من جانب آخر، وحسب كلام الخبير، لا تملك أوكرانيا الموارد اللازمة والقدرات الاحتياطية التي يمكن أن تحل محل توليد محطة الطاقة النووية في زابوروجيا. وفي حالة إغلاقها، فسيكون من الضروري، إما نقل الطاقة من المناطق الغربية والشمالية -الأمر الذي قد لا يكون صعبا للغاية فحسب بل غير ممكن أيضا- أو التعرض لانقطاع تام للتيار الكهربائي.
هجوم مضاد
أما الخبير العسكري ميخائيل تيموشينكو فيرى أن الحشود العسكرية الأوكرانية تصب في سياق محاولاتها الوصول إلى ميليتوبول وماريوبول، ومنها إلى شواطئ البحر.
وبرأيه، فهذه محاولة لقطع الجناح الجنوبي للقوات الروسية للوصول إلى تلك المدن، مما سيؤمن للقوات الأوكرانية -في حال تم ذلك- إمكانية عزل خيرسون، وبالتالي قطع الإمدادات عن القوات الروسية الموجودة هناك.
من جانبه يشير المختص بالشؤون العسكرية، فيكتور ليتوفكين، إلى ازدياد المساعدات التي تتلقاها أوكرانيا من قبل الولايات المتحدة وحلف الناتو الآونة الأخيرة، بشأن مراقبة الوضع الحالي للقوات الروسية ومناطق انتشارها، وذلك بـ “توصيات” مبنية على معلومات استخباراتية بواسطة الأقمار الصناعية.
ويوضح ليتوفكين أن من شأن خروج الأوضاع عن السيطرة، وذهاب كييف بتحريض أطلسي نحو خيار معركة “الأراضي المحروقة” لاستعادة المناطق التي خسرتها، بما فيها محطة زاباروجيا النووية، أن يؤدي إلى تغيرات في تكتيكات وأهداف العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، واللجوء لخيار توجيه “ضربات مؤلمة” للنظام السياسي في كييف.