اقتصاد

قرار أوبك بلس خفّض إنتاج النفط.. ما آثار ذلك على الاقتصادين العالمي والعربي؟

بعد أن سادت حالة من التفاؤل بشأن اتجاه أسعار النفط للانخفاض منذ يوليو/تموز 2022، بسبب توقعات بتراجع نمو الاقتصاد العالمي في عامي 2022 و2023، التي أعلنها صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات الدولية، جاءت قرارات مجموعة أوبك بلس الأربعاء الماضي لتصعد بأسعار النفط في السوق الدولية وتصل إلى 93.3 دولارا للبرميل لخام برنت، ونحو 87.7 دولارا للبرميل من الخام الأميركي.

إلا أن سوق النفط اتخذت اتجاها معاكسا في اليوم التالي لقرارات “أوبك بلس” أمس الخميس، فهبطت الأسعار بنسبة طفيفة، ووصلت إلى 93.1 دولارا للبرميل لخام برنت، و87.5 دولارا للخام الأميركي، قبل أن تعود للارتفاع من جديدة بنهاية الأسبوع.

وثمة قراءات متعددة بشأن قرارات أوبك بلس بشأن خفض إنتاجها من النفط بنحو 2 مليون برميل بدءا من نوفمبر/تشرين الثاني 2022 مقارنة بما كان مطلوبا للإنتاج في أغسطس/آب 2022.

ويمثل هذا الخفض نسبة 2% من حجم الإنتاج اليومي العالمي من النفط.

وحسب تصريح وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان، فإن قرار أوبك بلس بخفض الإنتاج سيمتد حتى نهاية عام 2023.

ويرى البعض أن القرار أخذ في الاعتبار توقعات بتراجع نمو الاقتصاد العالمي خلال 2023، بحدود 2.9%، وفق ما ذكره صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في يوليو/تموز الماضي عن آفاق الاقتصاد العالمي.

إلا أن البعض يرى أن خفض الإنتاج من قبل أوبك بلس من شأنه أن يؤدي إلى عودة أسعار النفط مرة أخرى لسقف 100 دولار للبرميل، أو تجاوز هذا السقف، خاصة مع حلول موسم الشتاء في أوروبا.

ومما أكسب قرار أوبك بلس زخما، وأدى إلى ترجيح سيناريو أن يواصل التضخم في الاقتصاد العالمي مساره الصعودي؛ ردُّ الفعل الأميركي والأوروبي. فعلى الصعيد الأميركي، رأت إدارة بايدن أن القرار تحد واضح لها، بينما اتجه الاتحاد الأوروبي لإقرار الحزمة الثامنة من العقوبات على روسيا، التي تضمنت فرض سقف لسعر النفط الروسي.

وعلى الفور ردت الخارجية الروسية، بأن روسيا ستمتنع عن بيع نفطها للدول التي تؤيد أو تنضم لقرار الاتحاد الأوروبي الخاص بتحديد سقف أسعار نفطها، واتهمت الدول الأوروبية بأن نظرتها قاصرة بشأن حرية السوق.

خيارات أميركا

يرى البعض أن قرار أوبك بلس جاء ليحافظ على أسعار النفط في السوق الدولية عند معدلات تتراوح ما بين الـ 85 والـ 95 دولارا للبرميل، من أجل الحفاظ على المقدرات المالية للدول المنتجة للنفط، واستباق أي وضع يمكن أن يتسبب في تراجع حاد للأسعار مثلما حدث غداة الأزمة المالية العالمية 2008 عندما انهارت أسعار النفط ووصلت إلى 30 دولارا للبرميل.

في حين يذهب رأي آخر إلى أن قرار أوبك بلس بمثابة إعلان ظهور نظام عالمي متعدد الأقطاب.

ويظهر أن البدائل أمام أميركا، لتعويض العجز الناتج عن قرار نخفيض الإنتاج من قبل أوبك بلس؛ قد تكون هي اللجوء إلى فنزويلا في أسرع وقت ورفع العقوبات عنها، ودخول حقولها النفطية للإنتاج، وهو ما تم الإشارة إليه في وسائل الإعلام.

كما يمكن لأميركا أن تعجّل بإبرام اتفاقها النووي مع إيران، وتحقيق المزيد من التهدئة في ليبيا ومناطق الصراع الأخرى، التي تعد مناطق إنتاج نفط أو غاز، من أجل زيادة المعروض النفطي في السوق الدولية، وبالتالي تهدئة الأسعار.

وقد تكون حالة الركود البادية على الصعيد العالمي، فرصة لأميركا وأوروبا لالتقاط الأنفاس وترتيب الملفات في مجال الطاقة، ومواجهة التحدي الروسي، أو التكتل الحالي لـ”أوبك بلس”.

الجهود الأوروبية لمواجهة الأزمة

تسعى أوروبا منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا واستخدام ورقة النفط والغاز من قبل موسكو في إدارة صراعها مع أميركا وأوروبا؛ لكي يكون لديها إدارة جماعية.

فثمة خطوات اتُخذت لترشيد استهلاك الطاقة في أوروبا، بجانب مراجعة الخطوات التي اتُخذت للاستغناء عن الطاقة الأحفورية (النفط، والغاز، والفحم) والتفكير في العودة إلى خيار الطاقة النووية، من أجل توفير احتياجات أوروبا من الوقود، ومواجهة التحدي الروسي.

وفي خطوة تليق بمتخذ القرار في ظل الأزمات، اتجهت كل من بريطانيا وهولندا، لفرض سقف لأسعار الطاقة في البلدين بالنسبة للمستهلكين، من أجل ضمان استقرار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لديهما.

رابحون وخاسرون

تُظهر أزمة الطاقة الحالية -كواحدة من الأزمات الاقتصادية- ذلك التباين الواضح في أداء اقتصادات الدول العربية.

ففي الوقت الذي تحسنت فيه المؤشرات المالية للدول العربية المصدرة للنفط -مع الاتجاه الصعودي لأسعار الخام في السوق الدولية، منذ أغسطس/آب 2021، جاء قرار أوبك بلس ليدفع الأسعار في السوق الدولية نحو مزيد من الارتفاع، أو يحافظ عليها في حدود 85 دولارا للبرميل في المتوسط، وهي نتيجة مرضية لهذه الدول.

بالمقابل ستدفع هذه الدول فاتورة ارتفاع معدلات التضخم في السوق الدولية، لكونها دول مستوردة لكثير من احتياجاتها، لكن الفارق سيكون لصالحها في ظل استمرار ارتفاع أسعار النفط.

وعلى الجانب الآخر فإن المتضرر في المنطقة العربية سيكون تلك الدول المستوردة للنفط، حيث ستتحمل موازناتها آثارا سلبية مضاعفة، من جهة زيادة فاتورة الواردات الخام والسلع الأخرى، وذلك المواطن الذي يواجه أعباء معيشية متزايدة، دون وجود برامج حماية اجتماعية مناسبة، وأخرى لتقليص الفجوة بين الأجور والأسعار.

وستكون الأزمة أشد تأثيرا على البلدان العربية التي تعاني من أزمات اقتصادية، ولديها برامج منتظرة للتمويل من صندوق النقد الدولي.

فقد تكون أسعار الطاقة في الأسواق العالمية أحد البنود التي ستلجأ إليها حكومات تلك الدول لرفع الأسعار محليا، وهو ما يعني زيادة تكلفة إنتاج السلع والخدمات بالنسبة لمواطن هذه الدول.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى