بعد عام من إجراء الانتخابات.. هل حرم الشلل السياسي العراق من فرص اقتصادية كبيرة؟
يُكمل العراق اليوم عاما كاملا منذ إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة، في غياب حكومة جديدة أو موازنة؛ جراء شلل سياسي يهدّد بحرمان البلاد من مشاريع بنى تحتية وفرص إصلاح هي بأمس الحاجة إليها، وفق ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وحقق العراق -البلد الغني بالنفط والمنهك بعقود من النزاعات- إيرادات نفطية هائلة خلال العام 2022. وتقبع هذه الأموال في البنك المركزي، الذي بلغت احتياطاته من العملة الأجنبية 87 مليار دولار.
وتبقى الاستفادة من هذه الأموال في مشاريع يحتاج إليها العراق مرهونة بتشكيل حكومة ذات صلاحيات كاملة وموازنة تضبط إيقاع الإنفاق، فالحكومة الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي تتولى منذ عام تصريف الأعمال ولا تملك صلاحية عرض مشروع الموازنة على البرلمان.
ويرى يسار المالكي الخبير الاقتصادي في “ميدل إيست إيكونوميك سيرفي”(Middle East Economic Survey) أن مشاريع البنى التحتية تحتاج إلى سنوات من التمويل الثابت من الحكومة، مضيفا أن الوضع السياسي تسبب باضطراب كبير زاد في إضعاف موقف العراق، الهش أصلا، أمام مستثمريه.
ولا تزال الخلافات السياسية متواصلة بين المعسكرين الشيعيين البارزين، التيار الصدري من جهة والإطار التنسيقي من جهة ثانية، بعد عام على انتخابات شهدت ترددا أصلا من الناخبين العراقيين.
ومع عجز طرفي الأزمة السياسية عن حلّ خلافاتهما، لم تتشكّل بعدُ حكومة جديدة.
ضياع فرص كبيرة
في نهاية أغسطس/آب الماضي اندلعت أعمال عنف في بغداد، بين مناصري التيار الصدري من جهة، والقوات الأمنية وقوات الحشد الشعبي من جهة ثانية، راح ضحيتها نحو 30 من مناصري الصدر.
واعتبرت ممثلة الأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارت أمام جلسة لمجلس الأمن قبل أيام أن تلك الأحداث كان يفترض أن تمثّل “جرس إنذار”، مضيفة أن “الوضع لا يزال شديد التقلب”.
وتابعت “فقد العديد من العراقيين الثقة في قدرة الطبقة السياسية في العراق على العمل لصالح البلد وشعبه”.
وفي حين قدّر البنك الدولي نمو الاقتصاد العراقي بنسبة 5.4% في المتوسط سنويا بين عامي 2022 و2024، إلا أن “توقعات الاقتصاد الكلي تحيطها درجة كبيرة من المخاطر نظرا للاعتماد الكبير على النفط، واستمرار أوجه الجمود في الموازنة، والتأخير في تشكيل الحكومة الجديدة”، كما ورد في تقرير في يونيو/حزيران الماضي.
ونتيجة غياب الموازنة، ينفق العراق حاليا على أساس قانون الإدارة المالية الاتحادي أي ما أنفق في الموازنة السابقة مقسّما على 12 شهرا، وهو ما لا يعكس واقع الإيرادات التي حققتها البلاد في 2022.
ويعلق الاقتصادي مظهر صالح المستشار المالي لرئيس الوزراء على ذلك بالقول “هذه ميزانيات الحدّ الأدنى، تماثل الماضي وليس الحاضر أو المستقبل وتنعدم فيها فرص النمو الاقتصادي، وتحرم العراق من مشاريع إستراتيجية كبيرة”، مضيفا أن في ذلك تضييعا لفرص كبيرة، للاستثمار بمشاريع مهمة وإستراتيجية ومخطط لها.
وعلى سبيل المثال، وقّع العراق عقدا الصيف الماضي مع شركة ” توتال إنرجيز” (TotalEnergies) الفرنسية، ينضوي على مشاريع عديدة لا سيما في مجال استغلال الغاز المصاحب والطاقة الشمسية، بقيمة 10مليارات دولار يموّل جزئيا من الحكومة العراقية، ولا يزال في بداياته.
وتعمل الحكومة العراقية بجد في تسريع العمل فيها ورفع العقبات أمامها، وفق مصدر مطلع على الملف.
مشاريع أخرى تسير “بوتيرة بطيئة” في قطاع النفط، ومع غياب حكومة بصلاحيات كاملة، فإن وزارة النفط لا تستطيع أن تموّل وتوقّع وتمنح عقودا لهذه المشاريع الأساسية، كما يشرح يسار المالكي.
معاناة متواصلة
ولتلبية النفقات الطارئة، شرّع البرلمان العراقي قانون الدعم الطارئ في يونيو/ حزيران الماضي بقيمة 25 تريليون دينار (17 مليار دولار)، وسمح هذا القانون بسدّ حاجات طارئة للسكان وشراء حبوب لضمان “الأمن الغذائي”، وضمان شراء الطاقة والكهرباء من الخارج.
ومع اقتراب العام 2023 بدون موازنة، سيكون على السلطات إما تشريع قانون جديد مماثل للأمن الغذائي أو الاستمرار بالصرف على أساس الـ12 شهرا، أي “تقليص الإنفاق مرة جديدة”، كما يشرح يسار المالكي.
وعند استقالته من منصبه كوزير مالية في أغسطس/آب الماضي، لم يتوان علي علاوي، صاحب المشروع الاقتصادي الإصلاحي الذي لم يتحوّل تماما إلى واقع ملموس، عن تحديد المشكلة بصراحة تامة.
وكتب في رسالة استقالته “كل خطط وبرامج الحكومة مقيّدة دائما بالحاجة إلى الحصول على اتفاق واسع من طبقة سياسية ممزقة”، وأضاف “كل دعوات الإصلاح جرى إعاقتها بسبب الإطار السياسي لهذا البلد”.
ويشار إلى أن من بين كل 10 شباب، يوجد 4 عاطلون عن العمل، وفق الأمم المتحدة، فيما ثلث السكان الـ42 مليونا، تحت خط الفقر.