مقال في لوبس: بسعيه لمكافحة الفساد المستشري بتونس عبر الاستبداد.. قيس سعيد واهم
منذ وصوله إلى السلطة في أكتوبر/تشرين الأول 2019 في تونس، يدعي قيس سعيد أنه يرسخ نشاطه السياسي في شن حملة صليبية هائلة ضد الفساد المستشري في البلد، فما حقيقة ذلك؟
هذا ما ناقشه مؤسس مرصد الرقابة التونسي عماد الدايمي في مقال له بمجلة “لوبس” (L’Obs) الفرنسية، أكد فيه أن الشعارات الشعبوية للرئيس التونسي قيس سعيد التي تندد بالفساد الممنهج بالبلاد لم تترجم إلى أي عمل ملموس للقضاء على تلك الآفة.
فالتونسيون، وفقا للدايمي، ما فتئوا منذ عقود يرون في الفساد قوة مزعزعة لاستقرار بلدهم وعقبة أمام ترسيخ ديمقراطيته، بل هو المشكلة الرئيسية الثالثة في بلادهم بعد البطالة وسوء الإدارة الاقتصادية، وفقًا لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
واعتبر الكاتب أن ما يصدر من تصريحات عن سعيد بشأن الفساد لا يعدو كونه “وسيلة لإضفاء الشرعية على الإجراءات المؤقتة التي اتخذها منذ 25 يوليو/تموز 2021”.
وهذا يعني أن سعيد لم يعمل بإجراءاته المؤقتة على وأد الديمقراطية الوحيدة التي ولدت من حركات “الربيع العربي” فحسب، بل إنه أيضا لم يف بالوعد الأساسي لمحاربة الفساد الذي بنى عليه برنامجه السياسي، حسب الدايمي.
واعتبر الكاتب، الذي هو أيضا نائب سابق بالبرلمان ورئيس لديوان الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي (2011-2014)، أن سعيد لن يتمكن من محاربة الفساد ما دام يحكم من جانب واحد ويقوض استقلال مؤسسات بلاده، مضيفا أنه تبين للذين راهنوا على قيس سعيد في مكافحة الفساد عند وصوله إلى السلطة العام الماضي أن آمالهم بُنيت على وهم.
ولفت الكاتب إلى تقديرات تشير إلى أن تونس تخسر حوالي 3% من ناتجها المحلي الإجمالي، ما يعادل 1.2 مليار دولار سنويًا، بسبب التدفقات المالية غير المشروعة.
ومع ذلك، يقول الدايمي “بدلاً من ملاحقة الفاسدين، فضل قيس سعيد تصفية الحسابات مع الأفراد والكيانات الذين يعارضون تصرفاته الدكتاتورية، مستهدفا الهيئات التنظيمية المستقلة في البلاد”.
وذكر الدايمي في هذا الصدد أن سعيد قام، من بين أمور أخرى، بإغلاق مقر الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في أغسطس/آب 2021، وأحال ملفاتها إلى وزارة الداخلية، ثم حلّ الهيئة المؤقتة للرقابة على دستورية مشاريع القوانين في سبتمبر/أيلول من العام نفسه، مبرزا أن ذلك تسبب في تعطيل مئات التحقيقات المفتوحة.
وجزم الدايمي بأن القضاء على الفساد يتطلب احترام سيادة القانون وفصل السلطات وحرية الصحافة وكذلك حماية الهيئات المستقلة المسؤولة عن مراقبة الهياكل العامة، وكشف الانتهاكات والإبلاغ عنها والقيام بتدابير لردعها مع الاستمرار في الكفاح من أجل تحقيق العدالة.
وأضاف أن مرصد الرقابة، الذي يترأسه، لاحظ أن العديد من التحقيقات القضائية في الفساد المالي قد توقفت بسبب الخلاف بين قيس سعيد والقضاة الذين أقال العشرات منهم عشوائيا.
وأوضح الدايمي أن تونس انتقلت من دكتاتورية فاسدة في عهد الرئيس زين العابدين بن علي الذي أطاحت به الثورة عام 2011، “إلى ديمقراطية فاسدة على مدى العقد الماضي لينتهي بها الحال إلى حكم استبدادي فاسد منذ 25 يوليو/تموز 2021″، وخلص إلى أن “النظام قد تغير لكن جوهره، أي الدولة العميقة والنخبة الاقتصادية والمالية الريعية، لم يتغير”.