تواصل قضم أراض فلسطينية منذ 50 عاما.. ماذا تعرف عن مستوطنة “شافي شمرون”؟
نابلس- 6 عمليات خلال الشهرين الماضيين استهدفت المستوطنين وجنود الاحتلال الإسرائيلي في مستوطنة “شافي شمرون” قرب مدينة نابلس شمالي الضفة الغربية، 4 منها في الأيام القليلة الماضية، وكان أخطرها ظهر الثلاثاء، إذ قتل جندي إسرائيلي كان هو وجنود آخرون ينصبون حاجزا عند مدخل المستوطنة خلال الاحتفال بعيد “العُرش”.
وجاءت عملية “شافي شمرون”، كما أطلق عليها، لتلقي بظلالها على تلك المستوطنة التي تضم معسكرا وثكنات للجيش الإسرائيلي، ولتعيد حكاية مستوطنة جثمت عنوة فوق أراضي 4 قرى فلسطينية (الناقورة ودير شرف وسبسطية وبرقة) قبل نحو نصف قرن، ولا تزال تتوسع لتنهب مزيدا من الأرض، وترسم لمخطط تهويدي للمنطقة بأكملها، يجعل منها بؤرة مركزية للتوسع الاستيطاني لشمال الضفة الغربية.
المعسكر.. النواة الأولى
وعلى أنقاض معسكر للجيش الأردني، كما غيره من المواقع العسكرية التي استولت عليها إسرائيل عقب احتلالها للضفة الغربية عام 1967، حطت مستوطنة “شافي شمرون”، محتلة بذلك 294 دونما (الدونم يساوي ألف متر مربع) من حوض رقم 12 التابع لقرية الناقورة.
ثم تدرج الاحتلال بوضع يده، ولأغراض عسكرية، على بقية الأراضي التابعة للقرى المذكورة لتتجاوز مساحتها الآن 1200 دونم.
و”الحمرا” نسبة لاسم قطعة من الأرض، هو الاسم الذي كان يُعرف به المعسكر الأردني، ليحوله الاحتلال إلى “شافي” وتعني العودة و”شمرون” وتعني شمال الضفة الغربية، كأنه يؤسس بذلك لتكون “شافي شمرون” مرتكزا للتوسع الاستيطاني في المنطقة كلها.
وليس الاسم فقط من تحوّل في المعسكر، بل التقسيم المكاني أيضا، إذ نقل الاحتلال معسكر الجيش من الجهة الشرقية المطلة على الشارع الرئيسي (شارع جنين نابلس) إلى المنطقة الغربية وخصصها للتدريب والرماية.
وفي الأثناء، وبالتحديد بين عامي 1976 و1977، شرع الاحتلال في البناء الاستيطاني مقيما بذلك صفا من المنازل وبمحاذاتها أنشأ دفيئات زراعية (الزراعة المحمية) محاولا الخداع، لتكون “شافي شمرون” “النواة الأولى” للاستيطان بشمال الضفة الغربية، كما يقول أحمد أبو حشيش رئيس مجلس قرية الناقورة السابق.
وتدريجيا راح الاحتلال يوسع في المستوطنة ويمحو ملامحها وآثارها التي تبيّن أنها معسكر أردني، فشيَّد على طول جهتها الشرقية جدارا إسمنتيا في مطلع عام 2002، فأغلق مدخلها الرئيسي وحوَّله إلى الناحية الجنوبية حين شقه فيها في تسعينيات القرن الماضي ليسيطر على مزيد من الأرض ويؤمن طريق المستوطنين.
وقبل ذلك “أزال المباني الجيش الأردني العسكرية ومنشآته وأشجار السرو والجامع أيضا”، كما يضيف أبو حشيش (60 عاما) للجزيرة نت.
التغول الاستيطاني
ويدرك أبو حشيش أكثر من غيره عملية الاستيطان المتواصلة رغم بطئها، فهو يطل من منزله على المستوطنة ويرى جليا حركة التغيير اليومي فيها، وقد عايش مراحل تهويدها ويعرف جيدا أسماء الأراضي التي أقيمت عليها “كالحمرا” و”خلة البيرة” و”أم العرايس”، وإلى الآن يستذكر خصوبة تربتها ووفرة ثمارها وأطيبها من اللوزيات لا سيما المشمش.
حتى خارج المستوطنة امتد تأثير “شافي شمرون”، فأزال الاحتلال عام 1992 معالم سكة الحجاز العثمانية التي تمر أمام المستوطنة إلى نابلس وأنشأ معسكرا لجيش الاحتلال يجثم فوق جبل عيبال هناك، وحوّل الطريق إلى “شارع التفافي” يخدم المستوطنين والجيش ويكدر حياة المواطنين ويحرمهم الوصول إلى أرضهم.
وتملك عائلة أبو حشيش أكثر من 20 دونما داخل المستوطنة تمنع من الوصول إليها، فضلا عن مئات الدونمات خارجها يملكها أهالي الناقورة يمنعهم الاحتلال زراعتها ويخلع أشجار زيتونها.
ولدواع أمنية يستمر الاحتلال بتوسعة المستوطنة، ويحاول إغراء أصحاب الأرض بالمال عبر استئجارها كما حدث عام 2004، وذلك ما يؤكد أنها أراض خاصة، ولهذا تظاهر المواطنون وحشدوا مرات عديدة رفضا لذلك.
وبعضهم كحال المواطن عمر مسعود (أبو حسان) من قرية برقة في شمال نابلس، الذي كسب حكما من المحكمة الإسرائيلية بملكيته لأرضه في قضية رفعها وآخرون في ثمانينيات القرن الماضي إلا أن الاحتلال رفض التسليم بقرار المحكمة.
ذراع الاحتلال وخداعه
وقد مارس جيش الاحتلال “الخداع”، ونقل معسكره من منطقة إلى أخرى كأحجار الشطرنج ليستولي على مزيد من الأرض ويحوّلها إلى أحياء استيطانية، مستغلا ذريعة المصادرة لأغراض عسكرية، لتتجاوز مساحة المستوطنة الآن أكثر من 1200 دونم، حسب قول محمد عازم رئيس بلدية سبسطية.
ويضيف عازم -في حديثه للجزيرة نت- أن خطورة مستوطنة “شافي شمرون” بكونها “محطة انطلاق للتوسعات الاستيطانية في المنطقة ككل”، حيث يهدف الاحتلال لربطها بمستوطنات محيطة مثل “قدوميم” السكنية والصناعية وحومش.
وإضافة إلى بعدها الاستيطاني والعسكري، تقوم “شافي شمرون” -التي يقطنها رئيس مجلس مستوطنات شمال الضفة يوسي داغان- بدور سياحي عبر تشييدها وبكثافة في السنوات الأخيرة “فنادق ونُزُلا” لاستقبال “الصهاينة الأجانب”.
وتنظم لهم جولات سياحية في قرية سبسطية الأثرية وبمحطة سكة حديد الحجاز (المسعودية) في أراضي برقة المجاورة “مع غسل دماغهم على أنها جزء من التاريخ اليهودي والإسرائيلي”، كما يردف عازم.
ويتفق ضرار أبو عمر الناشط في الدفاع عن الأراضي في قرى شمال غربي نابلس مع عازم في مدى الخطورة التي تشكلها شافي شمرون الآن، ويضيف -للجزيرة نت- أن الخطورة تكمن في أن “شافي شمرون” توسعت عبر “الاستيطان الناعم والهادئ”، إذ بدأ جيش الاحتلال بمجرد سيطرته على معسكر الجيش الأردني يمهد لدخول المستوطنين فرادى وجماعات ودام تشييد البناء لهم طوال 10 سنوات من 1967 إلى 1977، ليظهر الاستيطان علنا بعد ذلك.
ومن معسكر ومستوطنة ومجمع للاستيطان السياحي، لم يتوان الاحتلال لحظة في استخدام “شافي شمرون” كمركز للاعتقال والاستدعاء والتحقيق مع المعتقلين الفلسطينيين واحتجازهم، وهو أمر مخالف للقوانين الدولية.
وقبل أيام قليلة وخلال احتفال المستوطنين بعيد العُرش اليهودي بمنطقة المسعودية قرب “شافي شمرون”، أشار أحدهم بيده وهو يلقي كلمته إلى الأراضي الممتدة بين المسعودية والمستوطنة، وقال “نحن ملتصقون بهذه الأرض، ونريد أن نعيد عبرها الاستيطان لشمال الضفة الغربية، لتكون كلها قطعة استيطانية واحدة”، وهو ما بات يتطلب تحركا فلسطينيا جدّيا للجم الاستيطان ووضع حد له، كما يقول الأهالي.