أسعار متدنية وتسهيلات كبرى.. كيف سيؤثر أضخم مشروع للإسكان الاجتماعي على الاقتصاد التركي؟
في خضم أزمة تضخم اقتصادية أثرت على القدرة الشرائية للمواطنين، وفي ظل أزمات عالمية متلاحقة تلقي بظلالها على الاقتصادات المحلية، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 13 سبتمبر/أيلول 2022 عن “أضخم مشروع للإسكان الاجتماعي” في تاريخ الجمهورية كما تصفه الحكومة، في خطوة تتوقع الأخيرة أن تسهم في خفض التضخم، لا سيما في قطاع العقارات والمساكن.
ويهدف المشروع الطموح بعد إتمام جميع مراحله إلى تمليك الفئات الاجتماعية الأكثر هشاشة، نحو 500 ألف وحدة سكنية، و50 ألف مكان عمل، و250 ألف قطعة أرض صالحة للبناء.
ويطلق في تركيا على المشاريع العقارية التي تنجزها شركة “توكي” وهو اختصار لاسمها (إدارة الإسكان التركية) وصف “السكن الاجتماعي”، لأنها تهدف إلى بيع عقارات سكنية بمواصفات اقتصادية وبالحد الأدنى من التكاليف، لتناسب ذوي الدخل المحدود من المواطنين، من ناحية الأسعار والتسهيلات المالية.
وعادة ما يتقدم المواطنون الأتراك إلى التملك في هذه المشاريع عن طريق الاشتراك في قرعة وضمن شروط مؤهلة تضمن عدم مزاحمة ذوي الدخل الأعلى على العقارات الرخيصة نسبيا.
ارتفاع حاد في الأسعار
وأظهرت بيانات نشرتها جهات متخصصة خلال أكتوبر/تشرين الأول 2022، أن أسعار العقارات في عموم تركيا ارتفعت بما يتراوح بين 150 و200% خلال عام.
وبينما يقدر المصرف المركزي التركي ارتفاع أسعار المنازل بنحو 145.5% خلال عام، أشار موقع (endeksa.com) المتخصص بقطاع الإسكان التركي، إلى أن الأسعار ارتفعت في نفس الفترة في إسطنبول بنحو 173% وفي أنطاليا بنحو 183%.
وبذلك، فإن أسعار العقارات السكنية في معظم المدن الكبرى تتراوح غالبا بين مليونين و6 ملايين ليرة تركية، أو ما يعادل 100 و250 ألف دولار أميركي، بحسب حجم الشقة والمنطقة والمواصفات.
لكن الحملة التي أعلنتها الحكومة تحت شعار “منزلي الأول.. مكان عملي الأول”، ستوفر المنازل من نمط غرفتين وصالة للفئات المستهدفة بقسط شهري يبدأ بألفين و280 ليرة تركية على مدى 240 شهرا، بعد دفع 10% من قيمة المسكن كدفعة أولى، ما يعني أن قيمة أرخص شقة من هذا النمط لن تتجاوز 608 آلاف ليرة تركية، بحسب ملصق نشره الرئيس التركي في تغريدة عبر حسابه على تويتر.
أما الشقق من نمط 3 غرف وصالة، فسيبدأ قسطها الشهري بـ3 آلاف و187 ليرة تركية على مدى 240 شهرا أيضا، وسيعمل المشروع في مرحلته الأولى الممتدة عامين، على تسليم 250 ألف شقة و10 آلاف مكان عمل و100 ألف قطعة أرض.
حركة استباقية للركود المتوقع؟
ويرى محللون أن المشروع قد يشكل حركة وقائية فعالة لمواجهة موجة ركود عالمي يتوقعها الخبراء الاقتصاديون حول العالم، إذ يعتقد أستاذ الاقتصاد في جامعة غازي عنتاب التركية إبراهيم أرسلان، أن المشروع يعد “خيارا صائبا” في هذا التوقيت، في ظل توقعات الركود الاقتصادي والانكماش الذي قد يطرأ نتيجة لذلك.
ويضيف أرسلان لـ”الجزيرة نت”، أن التركيز على قطاع البناء سيؤدي إلى الحفاظ على النمو الاقتصادي وتحقيق نتائج أسرع وأكثر إيجابية، معتبرا أن هذا القطاع “خيار حيوي للتوظيف والإنتاج والنمو على المدى القصير”.
وبشكل عام، يعد قطاع البناء قطاعا كبيرا ومهما يضم ما يقرب من 200 قطاع فرعي متنوع المجالات، بحسب الأكاديمي التركي، الذي أشار إلى أن في هذا القطاع يجد ما يقرب من 1.5 مليون شخص فرص عمل، فيما تتراوح حصته بين 4.5 و5% من الاقتصاد، وتحديدا وفق معيار الناتج المحلي الإجمالي.
ما الفئات المستهدفة؟
وتقسم الحكومة الفئات المستهدفة بهذا المشروع إلى 5 فئات هي:
- عائلات الشهداء وقدامى المحاربين.
- ذوو الاحتياجات الخاصة.
- المتقاعدون.
- الشباب بين عمر 18 و30 عاما.
- فئة تحدد السلطات لاحقا من يحق له الترشح عنها.
ويشترط للمتقدمين للاستفادة من هذا المشروع سلسلة شروط أهمها عدم امتلاك الشخص المتقدم أو أي من أفراد عائلته الصغيرة أي مسكن مسجل في الطابو، وعدم حصوله أو أي من أفراد أسرته على مسكن من شركة “توكي”، في السابق، وألا يتجاوز دخله العائلي 16 ألف ليرة تركية أو 18 ألفا في إسطنبول، وأن يكون مواطنا تركيا متما عامه الثامن عشر، مع استثناءات تخص عوائل الشهداء والمحاربين القدامى ومصابي الحرب.
وبدأت شركة “توكي” بتلقي الطلبات من المواطنين الأتراك في تاريخ 14 سبتمبر/أيلول الماضي، وتستمر حتى 31 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ويتم تقديم الطلب في أحد فروع الشركة أو عبر بوابة الحكومة الإلكترونية (E Devlet) مع دفع رسم اشتراك قيمته 500 ليرة تركية، قابلة للاسترداد في حال عدم فوز المتقدم بالقرعة التي ستجري في وقت لاحق.
وبحسب أحدث تصريح للمسؤولين الحكوميين، فقد تجاوز عدد المتقدمين بطلبات إلى المشروع 7 ملايين طلب، ما تسبب بمشاكل فنية مؤقتة على موقع بوابة الحكومة الإلكترونية.
الفترة الزمنية للمشروع
أعلن وزير البيئة والعمران والتغير المناخي مراد كوروم مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري أن حجر الأساس لأول 5 آلاف وحدة سكنية سيوضع في 25 من الشهر نفسه، مجددًا تأكيد أن المرحلة الأولى من هذا المشروع التي تشمل 17 ولاية بينها إسطنبول ستنتهي في غضون عامين.
هل سيكبح المشروع التضخم؟
وفيما يؤكد أرسلان أن مشروع السكن الاجتماعي “ستكون له آثار إيجابية في تخفيف الضغوط التضخمية طويلة الأجل، لما يتضمنه من تأثير على زيادة المدخرات، وزيادة المعروض من المساكن وتقليل الضغط على السكن وأسعار الإيجار، يعتقد جلال بكار، الخبير المقيم في تركيا والمستشار في الاقتصاد والاستثمار، بأن تأثير المشروع على مؤشرات التضخم “لن يكون ملموسًا”.
ويرجع بكار ذلك، بحسب ما أفاد “الجزيرة نت”، إلى أن المشروع الذي وصفه بالتحرك الإيجابي من الحكومة، يأتي “في وقت صعب جدًا على صعيد الأوضاع الاقتصادية العالمية”، مذكرا بموجة الركود التضخمي التي اجتاحت العالم ولا تزال، ومخاوف الركود.
ولفت بكار إلى أن تكاليف البناء وأسعار مواد البناء ارتفعت على المستوى الدولي بنسبة تتجاوز 270%، الأمر الذي سيؤثر على ميزانية الحكومة، محذرًا من “ضبابية اقتصادية” تكتنف المشروع بالنظر إلى الظروف.
وعلى الرغم من ذلك، أكد الخبير الاقتصادي أن هذا المشروع يبقى “مهما جدا، لأن حصول المواطنين الأتراك على منازل بتسديدات بسيطة لا تؤثر على مداخيلهم قد يشكل حلا مؤقتا في ظل الأزمات الراهنة، كما سينعكس إيجابا على سمعة الحكومة داخليا”.