اقتصاد

السعودية والمملكة المتحدة.. فصل جديد في قطاع الخدمات المالية

يمثل قطاع الخدمات المالية في المملكة المتحدة قوة عالمية، ولكن لا مجال للتهاون؛ إذا أن المنافسة الدولية شديدة بين المراكز المالية، ما يجعل المملكة المتحدة أكثر قدرة على المنافسة بشكل عام، ويفرض في الوقت نفسه مواجهة أسئلة صعبة، بما في ذلك بحث جاذبية المملكة المتحدة بالنسبة إلى المستثمرين العالميين مقارنة بالمراكز المالية الأخرى.

تعدُّ المملكة المتحدة أكبر مصدر للخدمات المالية في العالم، إذ تبلغ قيمتها 71.35 مليار دولار (64 مليار جنيه إسترليني). كما تعد لندن مقراً للعديد من البنوك الأجنبية، وتستأثر لندن بالإقراض المصرفي الدولي أكثر من أي مركز عالمي آخر. ويعني حجم الخدمات المالية – باعتبارها عنصراً من مكونات الاقتصاد – أن القطاع يتمتع بدور مركزي إذا كانت المملكة المتحدة ترغب في الاستفادة الكاملة من الفرص المستقبلية – سواء عبر تلبية التطورات التكنولوجية، أو مواجهة تحدي تغير المناخ، أو التكيف مع عالم ما بعد جائحة كوفيد-19، أو النظر في تعزيز العلاقات الثنائية مع الدول الأخرى.

لتحقيق ذلك، يجب أن يكون الابتكار والتكنولوجيا في قلب إطار عمل جديد، حيث تعدُّ التكنولوجيا عاملاً للتنبؤ أكثر نجاحاً بكثير من الإجراءات التنظيمية، وستكون عاملاً رئيسياً للقدرة التنافسية المستقبلية للمملكة المتحدة. كما يجب أن يكون النظام البيئي للقطاع المالي حاضناً للابتكار في أسواق رأس المال؛ مثل تشجيع التطوير الواسع النطاق للأوراق المالية الرمزية. وهذا يتطلب أن تكون المملكة المتحدة قادرة على تمويل شركاتها المستقبلية الواعدة بدءاً من الشركات الناشئة إلى التوسع، ورعايتها لتصبح شركات عالمية مقرها المملكة المتحدة. كما يجب أن تكون القيادة الجريئة في كل ما يتعلق بالتمويل الأخضر على رأس قائمة الأولويات.

تتمتع المملكة المتحدة بمكانة تمكنها قيادة مجال الابتكار المتنامي عبر مجموعة من الأبعاد، بناءً على نقاط قوتها الحالية. ولطالما كانت أسواق رأس المال في المملكة المتحدة مزدهرة، إذ يتوفر عدد من العوامل التي نستفيد منها جميعاً، مثل المجموعة المتنوعة من الخدمات المالية، والمجموعة الكبيرة من المواهب الماهرة، فضلاً عن قوة نظامنا القانوني.

وعلى الرغم من أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ما زال يثير الجدل، إلا أن المملكة منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي في نهاية عام 2020 أصبحت تتمتع بمرونة أكبر في بناء الشراكات خارج أوروبا. ويتضمن المنظور العالمي المتجدد الجهود المبذولة لإقامة علاقات أوثق مع دول مجلس التعاون الخليجي، بما فيها المملكة العربية السعودية التي تجري معها محادثات جوهرية حول اتفاقيات التجارة الحرة.

تحتل المملكة العربية السعودية مكانة راسخة كأحد أهم الشركاء التجاريين الدوليين للمملكة المتحدة. وفي الوقت الحالي، تستكشف المملكتان سبل تعزيز التعاون في التجارة والخدمات المالية، ولاسيما في مجالات التكنولوجيا المالية والخدمات المصرفية المفتوحة والتمويل الأخضر.

من جانبه، يمر قطاع الخدمات المالية في المملكة العربية السعودية بتحول كبير، إذ وضعت المملكة أهدافاً رئيسية ضمن هذا القطاع، بما في ذلك تطوير قطاع مالي متنوع يتسم بالكفاءة بغية دعم تنمية الاقتصاد الوطني، فضلاً عن تنويع مصادر الدخل وتحفيز الادخار والتمويل والاستثمارات.

في إطار رؤية السعودية 2030 لتنويع اقتصاد المملكة، من شأن خبرات المملكة المتحدة أن توفر إمكانات لا حصر لها لتحقيق لشراكات أوثق في الخدمات المالية، كما أنها تمثل عامل تمكين أساسي للتنويع ومصدراً للتمويل. كما تمتلك المملكة العربية السعودية نظاماً بيئياً ناشئاً وحيوياً للتكنولوجيا المالية، فضلاً عن طموحها أن تصبح رائدة في هذا المجال، ما يوفر إمكانات لتبادل القدرات في كلا الاتجاهين.

لا تقتصر إمكانات المملكة المتحدة على قدرتها على جذب رأس المال إلى حدودها فحسب، إذ تتمتع بإمكانات قوية في نشر رأس المال في جميع أنحاء العالم. وبفضل العمل مع نظرائنا في المملكة العربية السعودية، يمكن للمملكة المتحدة المساعدة في إطلاق الإمكانات العظيمة لقطاع الخدمات المالية السعودي.

ومن شأن الرغبة في مشاركة المعرفة والبيانات والتكنولوجيا أن يساعد قطاع الخدمات المالية في الكشف عن الأساليب والإجراءات المبتكرة، فضلاً عن مواصلة التعاون المثمر بين المملكتين. ونعتقد أنها بداية واعدة لفصل جديد لقطاع الخدمات المالية.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى