تركيا تدشن مصنع إنتاج سيارتها “توغ”.. كيف بدأت القصة ومتى يمكن الشراء؟
إسطنبول- “حلم 60 عاما يتحقق”، العبارة الأكثر ترددا على لسان المسؤولين الأتراك أمس السبت، في حفل افتتاح مصنع السيارة التركية الوطنية “توغ” (TOGG)، أول سيارة كهربائية محلية يبدأ إنتاجها المتسلسل في اليوم الموافق لذكرى عيد الجمهورية، في رسالة توضح حجم الآمال التي يضعها الأتراك على نجاح المشروع في وضع البلاد في مصاف الدول المتقدمة.
والسيارة “توغ” ليست السيارة الوطنية الأولى، إذ سبق أن شهدت الصناعة التركية ولادة سيارتين حالت عقبات عديدة دون أن تواصلا مشوارهما، لكن “توغ” تأتي بدعم كامل من الحكومة التركية ومبادرة من الرئيس التركي منذ عام 2011، وتحالف عمالقة القطاع الخاص، وبتسهيل من غرف التجارة التركية، على أمل أن تتحول هذه السيارة إلى علامة تجارية رائدة على مستوى العالم.
وقبل مشاركته في مراسم افتتاح المصنع بساعات، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد كتب في تدوينة له بالدفتر الخاص بالزائرين لضريح مصطفى كمال أتاتورك، بمناسبة عيد الجمهورية: “يسعدنا أن نتوج هذا اليوم التاريخي بافتتاح مصنع توغ، أول سيارة كهربائية محلية في بلادنا، وسنواصل كفاحنا بحزم لجعل القرن الحالي قرن تركيا، ولتحقيق أحلام أمتنا دون مبالاة بالعقبات”.
وأقيم حفل افتتاح ضخم ترأسه أردوغان وحضره كبار رجال الدولة والساسة ومديرو الشركات المساهمة في مشروع السيارة التركية الوطنية، في حرم المصنع الجديد الذي يقوم على مليوني متر مربع، وتبلغ المساحة المغطاة منه 230 ألف متر مربع، ويقع في منطقة غمليك بولاية بورصة، حيث تتخذ مصانع أخرى لكبرى شركات السيارات العالمية مقرات لها.
السير على الطرقات
وعقب قيامه رفقة السيدة الأولى أمينة أردوغان باختبار أداء أول سيارة ينتجها المصنع بشكل متسلسل، قال الرئيس التركي في كلمته خلال الافتتاح: “ستزين السيارة توغ طرق العديد من دول العالم في الفترة القادمة بوصفها علامة تجارية تركية مرموقة”، لافتا إلى أنهم يشهدون “تحقيق حلم استمر 60 عاما مع أول سيارة توغ خرجت من الإنتاج المتسلسل”.
وأوضح أردوغان أنه على الرغم من أن تركيا هي الأولى على مستوى أوروبا في تصنيع وتصدير السيارات، فإن عدم وجود سيارة محلية من بين السيارات المصنعة على أراضيها “لطالما شكل غصة” للأتراك.
وكشف أن مصنع “توغ” سينتج 175 ألف سيارة سنويا عند وصوله إلى العمل بطاقة كاملة، فيما أشار إلى أن طلبات شراء المواطنين للسيارة المحلية ستبدأ في فبراير/شباط القادم، وأوضح أنها ستسير في طرقات البلاد نهاية الربع الأول من 2023، معربا عن اعتقاده أن سعر السيارة سيتم إعلانه في فبراير/شباط المقبل.
من جهة أخرى، ذكر الرئيس التركي أن المصنع سيوفر 4300 فرصة عمل مباشرة، و20 ألفا بشكل غير مباشر، وأكد أن حكومته تعتزم وضع حجر أساس بناء مصنع بطاريات بمساحة 609 آلاف متر مربع، إلى جانب مصنع السيارة المحلية، مبينا أنه تم الاتفاق مع واحدة من كبرى شركات العالم لإنتاج بطاريات أيونات الليثيوم في تركيا، لاستخدامها في السيارة “توغ”.
وقال رفعت حصارجيكلي أوغلو رئيس اتحاد غرف التجارة والبورصات التركية، أحد أطراف المشروع: “من الآن فصاعدًا لن نشتري رخصة تصنيع السيارات بل سنبيعها، ولن نقوم بتجميع سيارات عن الآخرين بل سيقوم الآخرون بتجميع سياراتنا”.
رئيس اتحاد غرف التجارة والبورصات التركية: من الآن فصاعدا لن نشتري رخصة تصنيع السيارات بل سنبيعها، ولن نقوم بتجميع سيارات عن الآخرين بل سيقوم الآخرون بتجميع سياراتنا.
أما وزير الصناعة والعلوم والتكنولوجيا مصطفى فارانك، فلفت إلى أن السيارة “توغ” ستكون “أكثر من سيارة”، إذ إنها ستتمتع بتقنيات وأنظمة متطورة، كما أن مصنعها سيكون “أكثر من مجرد مصنع سيارات”، مشيرا إلى أنه سيعمل بطاقة نظيفة متجددة بالكامل.
ميزات السيارة التركية
ورغم أن فكرة مشروع السيارة بدأت بوصفها سيارة تقليدية، إلا أنها سرعان ما استبدلت لتكون سيارة كهربائية بالكامل.
وبحسب بيانات صادرة عن المجموعة المصنعة للسيارة، فإنها ستكون قادرة على السير حتى 500 كيلومتر بالشحنة الواحدة، كما سيصل شحن بطاريتها إلى 80% في أقل من 30 دقيقة، مما سيتيح لها المنافسة في عالم السيارات الكهربائية، ولسائقيها السفر مسافات طويلة بفضل ميزة الشحن السريع.
وفي مارس/آذار الماضي، تجاوزت “توغ” جميع الاختبارات بنجاح، وكان آخرها اختبارات الشتاء في ظروف قاسية تصل إلى 40 درجة تحت الصفر، في أقرب نقطة من القطب الجنوبي (مركز الاختبار المعتمد في أوشوايا بالأرجنتين)، بحسب ما أفادت به وكالة الأناضول الرسمية.
وكانت مجموعة الشركات التركية المصنعة لسيارة “توغ”، قد أعلنت الجمعة عن 6 ألوان لسياراتها التي تبدأ بإنتاجها اليوم تحت اسم “ألوان تركيا”، كناية عن ألوان مناطق ورموز محددة في البلاد.
قصة المشروع
في نوفمبر/تشرين الثاني 2017 تشكل تحالف من 5 شركات صناعية تركية عملاقة، هي: مجموعة “الأناضول”، و”بي إم سي” (BMC)، و”كوك” القابضة، ومجموعة “توركسيل” (Turkcell)، و”زورلو” (Zorlu) القابضة.
وقعت هذه الشركات بروتوكول تعاون مع كل من وزارة العلوم والصناعة والتكنولوجيا من جهة، واتحاد الغرف والبورصات التركية من جهة أخرى؛ لإطلاق المشروع رسميًا تحت اسم “مبادرة السيارة التركية”، وهي العبارة التي أخذت السيارة اسمها من حروفها الأولى بالتركية (TOGG).
وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، كشفت المجموعة عن ميلاد أول سيارة وطنية بإمكانات محلية خالصة، من خلال عرض نماذجها الأولية خلال حفل كبير، وشملت النماذج فئتي “سي-إس يو في” (C-SUV) و”سيدان”.
وفي يوليو/تموز 2020، وضع الرئيس رجب طيب أردوغان حجر الأساس للمصنع الذي دخل مرحلة الجاهزية وافتتح أمس.
ومنذ انطلاق المشروع، قدمت الحكومة التركية له دعما كبيرا، حيث وفرت له تأمينا حكوميًا وإعفاء من ضريبة الاستهلاك وضريبة القيمة المضافة لمدة 10 سنوات. وبحسب المجموعة، فقد بلغت قيمة الاستثمار الكلي لإنتاج السيارة بأسعار 2017 نحو 22 مليار ليرة تركية (3.704 مليارات دولار).
وسبق أن قالت إحدى المنسقات الإعلاميات في المجموعة -للجزيرة نت- إن السيارة تعمل بنظام تحكم ذاتي، وهي مزودة بنظام اتصال دائم بشبكة الإنترنت، مؤكدة أنها صممت لتلبي احتياجات المجتمع التركي ورغباته ومتطلباته، من خلال دراسة إحصائية كبيرة سبقت الشروع بتنفيذ المشروع.
وأعلنت مجموعة الشركات التركية المصنعة للسيارة في يوليو/تموز من العام الجاري، أن المصنع سيبدأ بإنتاج طراز “إس يو في” خلال الربع الأول من 2023، ثم يدخل نموذجا “هاتشباك” و”سيدان” خط الإنتاج، لتختتم طرزها الخمسة خلال السنوات التالية بسياراتي “بي-إس يو في” و”سي-إم بي في”.
حلم السيارة التركية
بدأت أحلام الأتراك في إنتاج سيارتهم المحلية بالتحقق عام 1961، عندما أمر الرئيس التركي آنذاك جمال كورسل وزارة النقل بتصنيع سيارة وطنية بإمكانيات محلية، على أن تكون جاهزة بحلول عيد الجمهورية في 29 أكتوبر/تشرين الأول 1961.
وعلى الرغم من النجاح في إنتاج 4 نسخ من السيارة المحلية التي سميت “ديفريم”، فإنها فشلت في الاستمرار بعد 129 يوما.
وشهد عام 1966 المحاولة الثانية، عندما بدأ مصنع “أوتوسان” بإنتاج سيارة “الأناضول” التي تقدمت على سابقتها خطوة لتكون أول سيارة تركية محلية تسير على الطرقات، لكن رغم إنتاج الشركة 93 ألفا و188 سيارة، توقف المشروع عام 1984.
وظلت المحاولات التركية مستمرة دون جدوى إلى أن جاء اجتماع الجمعية العامة لاتحاد البورصات وغرف التجارة بالعاصمة أنقرة عام 2017، الذي طلب خلاله الرئيس أردوغان من رئيس الجمعية رفعت حصارجيكلي أوغلو أن يقود عملية إنتاج أول سيارة تركية محلية الصنع 100%.