بيع “الدم” وعبور التلاميذ والمزارعين يوميا.. ما قد لا تعرفه عن الحدود المكسيكية الأميركية
أريزونا – عالم مختلف تماما عن بقية الولايات المتحدة تعيشه وتعرفه مئات المدن والقرى والبلدات الممتدة على طول 3145 كيلومترا في الجانب الأميركي من الحدود البرية الفاصلة مع المكسيك، ولا سيما في ولايات تكساس ونيوميكسيكو وأريزونا وكاليفورنيا.
وصل مراسل الجزيرة نت إلى هناك، واطّلع على نمط الحياة في عدة مدن وقرى حدودية بجنوب ولاية أريزونا، حيث الكثير من الظواهر والممارسات شديدة الخصوصية بهذه المناطق، ولا يعرفها الكثيرون حول العالم.
مليون عابر يوميا
في هذه المناطق، يعبر نحو مليون شخص الحدود يوميا بصورة نظامية، وآلاف آخرون بطريقة غير نظامية. وتُعد الحدود البرية بين الدولتين من الأكثر حركة بين طرفيها الجنوبي والشمالي؛ حيث يوجد 48 معبرا حدوديا كبيرا يسمح بمرور الحافلات والسيارات الكبيرة إضافة للبشر بين الجانبين. إلى جانب 330 معبرا حدوديا صغيرا على امتداد الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.
وتُقدّر البيانات الحكومية الأميركية الرسمية عدد من يعبرون الحدود الجنوبية سنويا في الاتجاهين بـ350 مليون شخص، أو ما يقرب من مليون شخص يوميا.
كما كشفت بيانات إدارة الهجرة الأميركية الأسبوع الماضي ارتفاع عدد الموقوفين ممن عبروا الحدود الجنوبية بصورة غير نظامية إلى رقم قياسي جديد في العام المالي (من الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2021 وحتى 30 سبتمبر/أيلول 2022) بلغ 2.7 مليون شخص، أي ما يقدر بـ7400 يوميا. وهذا بالإضافة لآلاف آخرين لا تُعرف أعدادهم بشكل دقيق، ولا تضبطهم السلطات.
وهناك ما يزيد عن 40 مليون أميركي من أصول مكسيكية، يعيش عدد كبير منهم في البلدات والمدن الحدودية، لا يفصلهم إلا معبر أو جدار عن بقية عائلاتهم الممتدة في المكسيك.
“حدود مصطنعة”
وتحدثت الجزيرة نت إلى عدد من ساكني بلدة سانت لويس الحدودية حول المعابر الحدودية. وسخر بعضهم من فكرة التحكّم في حركة المهاجرين.
يقول أليسندر، وهو أميركي من أصول مكسيكية، “لا أعرف أي شخص مكسيكي لا يستطيع الدخول للولايات المتحدة وقتما يشاء، سواء بصورة نظامية أو غير ذلك. هذه الأراضي الواسعة كانت جزءا من دولة ومجتمع واحد قبل هجرة الأوروبيين والاستيطان والتوسع فيها. وهذه الحدود مصطنعة بالنسبة لملايين المكسيكيين، لذلك هم لا يرون عبورها عملا غير نظامي بالأساس”.
سوق مزدهر لتجارة الدماء
تُعد الولايات المتحدة من بين عدد قليل جدا من البلدان التي تسمح بالتبرع بالدم المدفوع الأجر. وتقع معظم محطات الدم التابعة لها في الأحياء الفقيرة، حيث يتاجر الفقراء بصحتهم.
ولكن مع ارتفاع الطلب المستمر، تحوّلت الشركات الأميركية إلى شراء دماء المكسيكيين في البلد المجاور. ونتيجة لهذا فإن أسواق تجارة الدم المربحة سرعان ما ظهرت على طول الحدود الأميركية المكسيكية. ويُقدر مسؤولون حكوميون حجم نشاط بيع “بلازما الدم” بمليارات الدولارات على طول الحدود.
وفي هذه الحدود يمكن للفرد الحصول على 100-150 دولارا مقابل بيع وحدات “البلازما”. وخلق ذلك فرصة لآلاف المكسيكيين الذين يعيشون بالقرب من الحدود، خاصة وأن السلطات الأميركية، وتحت ضغط من بعض الشركات الطبية، منحت تأشيرات قصيرة الأجل “للمتبرعين” بالبلازما، والذين يعودون إلى بيوتهم بعد ساعات فقط من دخولهم الأراضي الأميركية.
“بيع الدم” مرة كل 3 أيام
ويساهم المكسيكيون بنحو 15% من جميع البلازما المتبرع بها في الولايات المتحدة. وتحدثت الجزيرة نت مع خوسيه راميرز، المواطن المكسيكي الذي يقطن بولاية سونورا الحدودية، بعدما “تبرع” لتوه بدمه في فرع لشركة “سي إس إل” مقابل 125 دولارا، أي أكثر من الراتب الأسبوعي لأغلب ساكني المناطق الحدودية داخل الجانب المكسيكي.
وقال راميرز مبررا ما قام به “إنهم يفحصونني في كل مرة أبيع فيها البلازما، ويقيسون ضغط الدم، وسيخبروني لو كنت في حالة صحية لا تسمح بالتبرع أو بيع البلازما”.
ويبيع راميرز دمه عدة مرات في الشهر، وطبقا لبيانات الشركة، المكتوبة باللغتين الإسبانية والإنجليزية، يمكن للشخص المتمتع بصحة جيدة أن “يتبرع” كل 3 أيام على أقل تقدير.
وتروج الشركة بأنه يمكن للشخص ضمان دخل شهري يزيد عن ألف دولار أميركي حال انتظامه في التبرع بالبلازما. وتمنح الشركة 100 دولار لكل من يحضر معه شخصا آخر جديدا لبيع دمه.
وبموجب قانون الصحة المكسيكي، فإن أي فعل ينطوي على “بيع الدماء” يعتبر جريمة، والأشخاص الذين يبيعون دماءهم يخاطرون بغرامات ضخمة، لكن لا أحد يطبق هذا القانون.
حركة للمزارعين والمتسوقين
تمتلك مقاطعة يُوما ما يزيد عن 600 مزرعة تزيد مساحتها عن ربع مليون فدان. وأصبحت الأعمال التجارية الزراعية هي المحرك الاقتصادي في المقاطعة الحدودية، حيث تساهم بما يقرب من ملياري دولار سنويا في اقتصاد أريزونا. وتخلق الزراعة أنشطة وصناعات تشمل البحث والتطوير، والحصاد، والمعالجة، والتعبئة، والتوزيع.
ويدخل يوميا عدة آلاف من الجانب المكسيكي للعمل في الحقول المقابلة على الجانب الأميركي، إلا أن هناك نقصا ظاهرا في عدد المزارعين الذين أصبحوا يفضلون وظائف بديلة في المحال التجارية أو المصانع، بعيدا عن حرارة الشمس المرتفعة.
من ناحية أخرى، يعبر مئات المقيمين على الجانب الأميركي للحدود جنوبا للتسوّق بصورة دورية بسبب رخص الأسعار خاصة في وسائل التدخين ووقود السيارات.
وقال مهاجر عربي يقيم في مقاطعة يوما للجزيرة نت “لدي بطاقة خضراء (غرين كارد) تتيح لي التحرك بكل سهولة على جانبي الحدود”، مضيفا “أعمل هنا في مصنع تعبئة مواد غذائية لكن المرتب ضعيف ولا يتجاور 12 دولارا في الساعة، لذلك أسافر أسبوعيا للجانب المكسيكي حيث أملأ سيارتي بالبنزين مقابل نحو 30% فقط من قيمته في أريزونا. وكذلك أشتري سجائر الأسبوع، فالعلبة الواحدة هناك ثمنها دولاران وهنا أكثر من 8 دولارات”.
وأشار المهاجر العربي إلى أن طابور السيارات على الحدود هو أبطا وسائل العبور للمكسيك حيث يتم تفتيش السيارات والتأكد من بطاقات الهوية. وتستغرق هذه العملية ما لا يقل عن نصف الساعة أثناء العودة من المكسيك، في حين أن الانتظار عند دخول الجانب المكسيكي يستغرق أقل من 5 دقائق.
تلاميذ المدارس أيضا
شاهدت الجزيرة نت مئات التلاميذ يقطعون المعبر الحدودي إلى المكسيك عقب انتهاء اليوم الدراسي. ويعيش الآلاف من المكسيكيين الأميركيين (لديهم الجنسية الأميركية أو بطاقة الإقامة الدائمة) على الجانب المكسيكي من الحدود، ويرسلون أبناءهم إلى مدارس في الجانب الأميركي من الحدود.
ويقول أحد عابري الحدود “تختار العديد من العائلات الإقامة في الجانب المكسيكي حيث تنخفض بشدة تكاليف السكن والغذاء والوقود.. وكل شيء”. ويضيف “الحد الأدنى للأجور على الجانب الأميركي هو 12 دولارا في الساعة، لذا نعيش في المكسيك ونحصل على دخول أميركية مرتفعة، وهذه معادلة جيدة لي وللكثيرين من حولي”.
ولا يستغرق عبور التلاميذ الحدود سوى بضع دقائق يوميا خاصة بعدما يتعرف عليهم ضباط الهجرة والجوازات الأميركيون. وفقط “يُطلب منا رفع جواز السفر أو الغرين كارت أثناء المرور، ولا يتم الفحص عن طريق الحاسوب”، تقول تلميذة مكسيكية أميركية للجزيرة نت.
ودفع تطور النظام التعليمي المدرسي الأميركي مقارنة بنظيره المكسيكي إلى خلق ظاهرة عبور التلاميذ اليومي للحدود، ويشجعهم على ذلك مجانية التعليم الأميركي حتى انتهاء المرحلة الثانوية، وتقديم وجبات غذاء مجانية.