شح المحروقات وغلاء الملابس.. هل يشهد السوريون أقسى شتاء منذ عقود؟
دمشق- يعيش الحاج أبو مؤيد (63 عاما) -النازح إلى منطقة الكباس في ريف دمشق- مع زوجته وابنتهما الأرمل وأطفالها الأربعة في محل تجاري انتقلت إليه العائلة قبل أشهر اضطراريا بعد تضاعف إيجار الشقة السكنية، وارتفاع تكاليف المعيشة بشكل كبير في الآونة الأخيرة.
وبحلول الشتاء وهطول أولى زخات المطر قبل أيام، يخشى الحاج الستيني من عدم قدرته على توفير ما يلزم من الدفء لمكان إقامته الجديد، ويقول مستنكرا “كنا في شقة لها حيطان وكان البرد ينخر عظامنا، فكيف ستكون الحال الآن وقد بتنا في محل لا يفصل بينه وبين الصقيع سوى هذه الواجهة الزجاجية؟!”
وإلى جانب عائلة أبو مؤيد، تخشى آلاف العائلات السورية في مناطق سيطرة النظام من تكرار سيناريو شتاء العام الماضي؛ إذ لم تحصل معظم الأسر إلا على نصف المخصصات الحكومية من مادة مازوت التدفئة (50 لترا)، في حين لم يكن خيار التدفئة عبر الوسائط الكهربائية ممكنا في ظل انقطاع الكهرباء فترات تتراوح بين 18 و22 ساعة يوميا، فهل سيتكرر سيناريو العام الماضي هذا الشتاء؟
شحّ المحروقات وارتفاع أسعارها
تصاعدت مخاوف السوريين من تكرار سيناريو الشتاء الماضي منذ أيلول/سبتمبر الفائت، حيث تأخرت حكومة النظام في صرف المخصصات من مادة مازوت التدفئة كما حدث العام الماضي، وهو ما عزته صحيفة الوطن شبه الرسمية إلى تأخر وصول التوريدات النفطية.
وأعلنت وزارة النفط والثروة المعدنية -في 13 سبتمبر/أيلول الماضي- بدء توزيع الدفعة الأولى من مازوت التدفئة بكمية 50 لترا للعائلة عبر “البطاقة الذكية”، في سيناريو مشابه لما جرى العام الماضي.
ورغم طمأنة مدير الصيانة والتشغيل في الوزارة عيسى عيسى المواطنين من سلامة التطبيق الإلكتروني المتصل بالبطاقة الذكية، ودعوته العائلات للتسجيل على مخصصاتهم وفق الإرشادات، فإن معظم العائلات المسجلة لم تحصل إلى الآن على الدفعة الأولى من المخصصات، ويُتوقع -كما حدث العام الماضي- ألا تحصل هذه العائلات إلا على نصف المخصصات على أبعد تقدير، التي بالكاد تكفي أسبوعين.
وأدى تأخر توزيع المخصصات إلى ارتفاع سعر المادة في السوق السوداء، ليتراوح سعر اللتر الواحد بين 7000 و7500 ليرة (1.5 دولار) في أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
من جهته، أوضح معاون مدير الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية مصطفى حصوية لإذاعة ميلودي المحلية أن مناطق النظام بحاجة إلى 9 ملايين لتر من مادة المازوت يوميا، وما يتم توزيعه لا يتجاوز 5 ملايين لتر من المادة.
تحذيرات أممية
وتوقعت الأمم المتحدة أن تشهد سوريا واحدا من أقسى فصول الشتاء هذا العام، بسبب نقص الوقود والطاقة، وتدهور الوضع الاقتصادي. وقال المتحدث الرسمي لدى الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن نحو 6 ملايين سوري سيحتاجون إلى مساعدة إنسانية للتصدي لظروف الشتاء القاسية بزيادة قدرها 33% مقارنة بالعام الماضي.
وحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، تقوضت قدرة السوريين على التكيّف مع الشتاء هذا العام بسبب استمرار تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي شابه انخفاض قيمة الليرة السورية، مع أزمة الطاقة التي أدت إلى تقنين حاد لإمدادات الكهرباء ونقص الوقود وارتفاع أسعار الوقود وزيادة تكاليف السلع الأساسية الأخرى.
وتشهد مناطق سيطرة النظام انقطاعا طويلا في التيار الكهربائي يصل إلى 18 ساعة يوميا في المدن، بينما يصل في بعض المناطق الريفية إلى 22 ساعة في اليوم.
وخسرت الليرة السورية نحو 35% من قيمتها خلال 8 أشهر ابتداء من فبراير/شباط الماضي؛ متأثرة بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وتخطى سعر صرف الدولار حاجز 5 آلاف ليرة للمرة الأولى في أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
غلاء كبير وبدائل خطرة
وإلى جانب المحروقات، شهدت أسعار المدافئ والملابس الشتوية ارتفاعا كبيرا خلال الشهريين الماضيين، ووصل هذا الارتفاع إلى 100% في بعض الأنواع والفئات.
وتراوحت أسعار مدافئ المازوت (الصوبات) بين 120 و300 ألف ليرة (24 و60 دولارا) حسب الجودة والحجم، في حين تراوح ثمن مدفأة الكهرباء 3 شمعات حجم وسط بين 300 و450 ألفا (60 و90 دولارا)، بينما بلغ ثمن بعض المدافئ حديثة الطراز مليون ليرة (200 دولار).
ورغم تقدير رئيس القطاع النسيجي في مناطق سيطرة النظام مهند دعدوش نسبة ارتفاع أسعار الملابس الشتوية هذا العام بـ40% مقارنة بالعام الماضي، فإن جولة استطلاعية كشفت عن ارتفاع الأسعار بنسب أكبر تصل إلى 70% لبعض فئات الملابس، لا سيما المعاطف والسترات الشتوية.
فتراوحت أسعار المعاطف بين 75 و250 ألف ليرة (15و50 دولارا)، في حين تراوحت أسعار السترات الشتوية النسائية والرجالية بين 50 و150 ألفا (10و40 دولارا) حسب نوعية القماش ومصدر السلعة.
وتقول ماري (31 عاما) -التي تعمل موظفة في القطاع الخاص في ريف دمشق- للجزيرة نت “كنت أنوي شراء بدلات شتوية لأولادي الثلاثة، غير أني لم أشتر هذا الشهر إلا معطفا لابني الكبير ومن “البالة” (محل بيع ملابس أجنبية مستعملة) لشدة احتياجه، ولعلي أكسو ما تبقى من الأولاد خلال الشتاء”.
ويعاني الموظفون في القطاعين العام والخاص من تدني الأجور والرواتب وضعف قوّتها الشرائية، ويبلغ الحد الأدنى للأجور 92 ألف ليرة (18 دولارا تقريبا)، بينما يسجل متوسط الرواتب 130 ألفا (26 دولارا) حسب المرسوم التشريعي رقم 19 الصادر في ديسمبر/كانون الأول 2021.
رفع الدعم
ومنذ مطلع العام الجاري، طبقت حكومة النظام سياسة رفع الدعم عن المواد الغذائية والمشتقات النفطية عن الفئات “غير المستحقة”، وطال الرفع نحو 600 ألف أسرة.
وتتعرض الشرائح الأكثر فقرا في مناطق سيطرة النظام لضعف متزايد في القدرة على توفير المستلزمات الضرورية لمواجهة البرد في فصل الشتاء عاما بعد آخر، ويصبح النازحون أكثر الفئات تضررا نظرا لتدهور أوضاعهم المعيشية وتركزهم في مناطق عشوائية بالكاد تصلها الخدمات.
ويضطر البعض للاستعاضة عن وسائل التدفئة التقليدية (مازوت، وكهرباء، وغاز) بوسائل أخرى كمدافئ المازوت والحطب التي تنطوي على مخاطر صحية كبيرة.
وظهرت حديثا في الأسواق السورية “صوبا السبيرتو” التي تعمل عبر المواد الكحولية سريعة الاشتعال، وقد تؤدي -عند أبسط خطأ- إلى احتراق واسع النطاق.
ويرزح 90% من السوريين تحت خط الفقر، في حين يعاني 80% من انعدام الأمن الغذائي منذ عام 2021 حسب تقديرات أممية.