اقتصاد

في ظل تنامي المنشآت الصغيرة والمتوسطة.. كيف تحقق السعودية توطين الصناعات الغذائية؟

تولي السعودية منذ سنوات عديدة اهتماما كبيرا لقطاع الصناعات الغذائية، لما له من أهمية في تعزيز الأمن الغذائي للمملكة.

ولتحقيق هذا الهدف شرعت المملكة في العديد من المبادرات التي تشجع على الاستثمار في الصناعات الغذائية من أجل سد الفجوة وتقليل الاستيراد، بالإضافة إلى فتح الباب أمام المنشآت الصغيرة والمتوسطة لإطلاق مشروعاتها لدعم هذا القطاع.

وتركزت إستراتيجية المملكة حول الأمن الغذائي على الاستثمار في العديد من المجالات ومنها المواد الغذائية، وأصبحت الألبان والعصائر والفواكه والزيوت النباتية والحبوب والسكر وأعلاف الحيوانات والطيور والكاكاو من أهم صادرات السعودية خلال السنوات الأخيرة.

ونجحت هذه الإستراتيجية في تحقيق قفزة في قطاع صناعة الأغذية، ليرتفع عدد المصانع الغذائية والمشروبات في المدن الصناعية بنسبة 200%، ليصل إلى أكثر من 915 مصنعا خلال السنوات الخمس الأخيرة في الفترة من 2016 وحتى الربع الثالث من 2020.

قفزة في عدد المصانع

ووفقا لإحصاءات وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية، فقد بلغ عدد مصانع الغذاء حتى نهاية الربع الثاني من العام الحالي، 1023 مصنعا بنسبة 14.4% من إجمالي عدد المصانع في المملكة وبنسبة 6.7% من إجمالي حجم الاستثمارات في القطاع الصناعي، في حين شكلت عدد مصانع الغذاء في عام 2021 نحو 14% فقط من إجمالي مصانع المملكة وبحجم استثمارات بلغ أكثر من 88 مليار ريال (23 مليار دولار).

وتتوزع صناعة الغذاء في المملكة على 12 نشاطا أساسيا، من أهمها صناعة الألبان ومنتجاتها، وتليها صناعة العصائر والمشروبات، ومصانع تعبئة الفواكه والخضراوات وتغليفها، وحفظ السمك، وصناعة الزيوت النباتية والحيوانية والدهون.

وتسعى السعودية إلى توطين 85% من الصناعات الغذائية بحلول 2030، بعدما بلغت تكلفة واردات الصناعات الغذائية بالمملكة 70 مليار ريال سعودي (18.6 مليار دولار) سنويا.

وتشير وزارة البيئة والمياه والزراعة السعودية إلى أن التوطين يأتي لتوفير الفرص أمام رواد الأعمال والمستثمرين وأصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة للاستثمار في هذا المجال.

وسعيا لتنفيذ إستراتيجيتها الرامية إلى توطين الصناعات الغذائية عملت المملكة على عدة مسارات كان أبرزها دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة العاملة في قطاع الغذاء وتقديم التسهيلات لهم، وعقد الاتفاقيات مع الشركات والمؤسسات الدولية العاملة في القطاعات المتعلقة بالغذاء، مما ساهم في وضع ركيزة جديدة في مسار طويل لتحصين الأمن الغذائي في المملكة.

وتعمل المنشآت الصغيرة والمتوسطة بالمملكة في أنشطة اقتصادية متعددة، ويحتل قطاع التغذية والمشروبات المركز الثالث بنسبة 10.2%، علما أن عدد المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة بلغ عددها 892 ألفا و63 منشأة، بزيادة بلغت 25.6% مقارنة بالربع الرابع من عام 2021.

مصانع الغذاء بلغت حتى نهاية الربع الثاني من العام الحالي، 1023 مصعنا (سالك)
مصانع الغذاء السعودية بلغت حتى نهاية الربع الثاني من العام الحالي 1023 مصنعاً (سالك)

وكشفت الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة “منشآت” أن قطاع الأغذية والمشروبات حصل على أكبر نسبة من حيث التمويل الاستثماري الذي حصلت عليه المنشآت العاملة في القطاع، على مدار النصف الأول من عام 2022 مقارنة بالشركات العاملة في القطاعات الأخرى.

وتمكَّن قطاع الأغذية والمشروبات من الحصول على استثمارات بلغت نحو 178 مليون دولار (700 مليون ريال) على مدار النصف الأول من العام الحالي.

كما كشفت الهيئة أن المملكة تتمتع بما يزيد عن 400 ألف شجرة بُن بارتفاع بلغ 70% في إنتاج البُن الخولاني، واستثمارات في هذا القطاع وصلت إلى قرابة 319 مليون دولار (1.2 مليار ريال) من قبل الشركة السعودية للقهوة خلال السنوات العشر المقبلة.

الألبان واللحوم في الصدارة

وفي هذا الصدد، أبرمت هيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية السعودية (مدن) في أغسطس/آب الماضي، اتفاقية مع شركة “سيارا”، وهي الذراع الاستثمارية لمجموعة “جي بي إس” البرازيلية، أحد أكبر الكيانات العالمية لتصنيع منتجات اللحوم ومشتقاتها لبناء منشأة في البلاد.

وبموجب الاتفاقية، تمنح “مدن” عقد تخصيص أرض صناعية على مساحة تقدر بأكثر من 25 ألف متر مربع في المدينة الصناعية الثانية بمدينة جدة، حيث من المتوقع أن يسهم المشروع في تعزيز منظومة تصدير المنتجات محلية الصنع، وتلبية احتياجات السوق السعودية من منتجات اللحوم المختلفة بإجمالي 50 ألف طن سنويا.

وتؤكد الحكومة السعودية أن تنمية قطاع اللحوم الحمراء ستعزز الأمن الغذائي لأكبر اقتصادات الوطن العربي، كما أنه سيعمل على توفير منتجات محلية بجودة عالية وأسعار مناسبة، بالإضافة إلى المساعدة في جذب وتوطين الصناعات النوعية ذات القيمة المضافة للاقتصاد المحلي.

قطاع الألبان أيضا يتصدر قائمة منتجات الأمن الغذائي الوطني بالسعودية، من حيث القيمة الغذائية، والقيمة المضافة في الناتج المحلي، وتمكن هذا القطاع من تحقيق الاكتفاء الذاتي، كما تمكنت الكثير من منتجاته من الدخول إلى العديد من الأسواق الأجنبية منافسة في الجودة الأعلى والسعر الأقل.

واستنادا لآخر الإحصائيات المنشورة، بلغ عدد شركات إنتاج الألبان ومشتقاتها في المملكة 12 شركة، تنتج 7 ملايين لتر، وتوسعت الشركات السعودية في إنتاج الألبان ومشتقاتها وأصبحت تصدر ما يتراوح بين 20% و30% من منتجاتها إلى الأسواق الخليجية.

ويبلغ عدد السعوديين العاملين في شركات الألبان ومشتقاتها 10 آلاف و500 شخص، في حين بلغ إسهام المحتوى المحلي في قطاع الألبان أكثر من 7 مليارات ريال (1.8 مليار دولار).

وإلى جانب اكتفاء المملكة ذاتيا في بعض المنتجات الغذائية، كصناعة الألبان، والاكتفاء ببعض الأغذية الأخرى بنسبة تتراوح بين 50% و60%، كالسمك والدواجن، فإن هناك توجها متناميا لتوفير هذه المنتجات للسوق المحلية وتصدير الفائض.

أهمية قصوى لصناعة الغذاء

ويقول المحلل والخبير الاقتصادي السعودي خالد الأنصاري إن الاستثمار في الصناعات الغذائية وتوطينها له أبعاد كثيرة أهمها المساهمة في تعزيز الأمن الغذائي، وبخاصة في مثل هذه الظروف التي يمر بها العالم.

بالإضافة إلى البعد الاقتصادي والمتمثل في تقليل الاعتماد على الاستيراد الخارجي، بل وإمكانية تصدير الفائض من المنتجات الغذائية الفائضة إلى الخارج فضلا عن توفير آلاف فرص العمل والوظائف.

ويضيف الأنصاري، في تصريح للجزيرة نت، أن “رؤية المملكة 2030” أعطت أولوية قصوى لصناعة الغذاء، وهو ما أسهم في حدوث حالة من الاطمئنان من جانب المستثمرين أو المستهلكين ساهم في تضاعف حجم هذا القطاع، وبخاصة في قطاعات مثل الألبان واللحوم، حيث تحقق المملكة اكتفاء ذاتيا وتقوم بالتصدير لعدة دول.

وتوقع أن تشهد الفترة القادمة نموا كبيرا لأنشطة وحجم المنشآت الصغيرة والمتوسطة في المملكة، وبخاصة العاملة في مجال صناعة الغذاء بمختلف أنواعها، بعدما قامت مثل هذه المنشآت بدور محوري خلال فترة جائحة كورونا والاضطراب العالمي لسلاسل التوريد.

وأكد الخبير الاقتصادي السعودي أن بلاده تولي أهمية كبيرة للقطاع الزراعي وتصنيع المنتجات الزراعية لدورها في تحقيق الأمن الغذائي، بعدما نجحت المملكة في الاستغناء عن استيراد بعض الأصناف الغذائية التي كانت تستوردها من الخارج بإنتاجها محليا.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى