هل السوداني قادر على مكافحة الفساد بالعراق؟.. مراقبون يتحدثون للجزيرة نت
“جائحة الفساد”، بهذه العبارة وصف رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الفساد المستشري في بلاده بعد قرابة 20 عاما على الغزو الأميركي، جاء ذلك في كلمة عقب جلسة مجلس الوزراء التي عقدت الثلاثاء الماضي، والتي قال فيها إن “جائحة الفساد تهديد خطير للدولة العراقية”، موضحا أن إجراءات استرداد المبالغ المسروقة من الأمانات الضريبية ماضية وتتابع يوميا.
وأكد السوداني أن حكومته لن تسكت عن الأموال المنهوبة، ولن تكرر سياقات الحكومات السابقة بشأن محاربة الفساد، مشيرا إلى أن المواطنين العراقيين يريدون محاسبة مرتكبي الفساد، واسترداد الأموال المسروقة.
رئيس مجلس الوزراء @mohamedshia يشدد على عدم وجود خطوط حمراء أمام أي ملف فساد مرتبط بجهة سياسية أو أية شخصية كانت. pic.twitter.com/WSRZb5jknj
— المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء 🇮🇶 (@IraqiPMO) October 30, 2022
في غضون ذلك، ترى العديد من الأوساط السياسية والاقتصادية في العراق أن طموحات السوداني بمحاربة الفساد تقف أمامها العديد من المطبات السياسية والاقتصادية في آن معا، فرغم أن السوداني يحظى بتأييد برلماني يزيد على 250 نائبا (من مجموع 329 نائبا في البرلمان) صوتوا لصالح توليه منصبه فإن هؤلاء النواب يتبعون كتلا سياسية وإن التحرك ضد الفساد قد يضر مصالحهم.
أنواع الفساد
قد لا يكون الفساد في العراق على وجه واحد، وقد تتعدد أنواعه، وهو ما يشير إليه أستاذ العلوم السياسية بجامعة جيهان مهند الجنابي، إذ حدد 3 أنواع من الفساد تتمثل بالفساد الشائع الذي يشمل الرشاوى لدى صغار الموظفين، حيث يمكن معالجته بالأنظمة والتعليمات وضبط عمل مؤسسات الدولة.
أما الثاني فيتضمن ما وصفه الجنابي بـ”الفساد المقاوم للتعليمات”، وهو ذلك المعتمد على الشبكات التي تدخل فيها المصالح الخاصة التي تربط قوى سياسية بمؤسسات حكومية، إذ إن هذا النوع لا يمكن معالجته بالأنظمة والتعليمات، وهو ما يتطلب رقابة حكومية صارمة، على حد قوله.
وفي حديثه للجزيرة نت، يصف الجنابي النوع الثالث بـ”الفساد المستوطن”، وهو الذي يساوي الإرهاب في خطورته على الدولة، وأوضح أن هذا النوع يقف ضد مؤسسات الدولة والقوانين ومختلف الجهات الحكومية، مستعينا بالتخادم بين الأحزاب ومعتمدا على القوة المسلحة واختراق مفاصل الدولة بمختلف مستوياتها، بحسبه.
إمكانية مواجهته
ورغم أن السوداني لم يُمضِ أسبوعا في منصبه بعد فإن التشاؤم حاضر منذ البداية، إذ اعتبر المستشار في رئاسة الجمهورية أمير كناني أن السوداني سيصطدم بجملة من العقبات لمصالح القوى السياسية خلال عمله على تنفيذ برنامجه الوزاري.
وأضاف الكناني أول أمس الأربعاء -خلال الجلسة الأولى من أعمال اليوم الثاني لملتقى مؤسسة الشرق الأوسط للبحوث “ميري” (MERI)- أن اتفاق تشكيل الحكومة لن يدوم طويلا، لأن المصالح ستكون حاكمة بين الأطراف السياسية.
من جهته، يرى مدير مركز القرار العراقي حيدر الموسوي أن هناك تفاؤلا في طرح السوداني وخطواته السريعة، إلا أن كل ذلك يقترن بالتنفيذ على الأرض ودعم القوى السياسية بشكل جدي لهذه الخطوات من خلال إطلاق يده بالتحرك دون قيود، لافتا إلى أن الفساد في العراق محمي سياسيا من خلال غطاء التخادم بين الكتل السياسية.
وأضاف الموسوي في حديثه للجزيرة نت “لا نريد استباق الأمور وإطلاق الحكم مقدما، لأن أغلب رؤساء الحكومات وعدوا بذلك وتحركوا، لكن الشراكة والتوازن قيدتهم في مواجهة الفساد، وبالنهاية رئيس مجلس الوزراء ليس هو الجهة المعنية بمحاكمة الفاسدين وملاحقتهم بقدر ما أن هناك جهات رقابية متعددة، منها هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية والقضاء والادعاء العام”.
وتابع قائلا إن السوداني يحتاج إلى أدوات جديدة أو تغيير بعض أصحاب القرار في تلك الجهات، والاعتماد على آخرين من النزيهين فعليا في الإسراع بحسم ملفات الفساد المسكوت عنها.
بدوره، يعتقد الخبير الاقتصادي نبيل جبار التميمي أن جميع فقرات البرنامج الوزاري للسوداني قابلة للتطبيق باستثناء مكافحة الفساد، إذ يراه ملفا صعبا لجميع رؤساء الوزراء مع تضارب مصالح الأحزاب والدولة العراقية.
سقف الاستهداف
وعن إمكانية الحد منه، يعلق الباحث السياسي مجاشع التميمي في حديثه للجزيرة نت “إن الخطوات التي بدأها السوداني في متابعة ملف سرقة الأمانات الجمركية وكشف شبكة تهريب النفط تعد خطوات بالاتجاه الصحيح، وهو ما قد يسمح له باستهداف مستوى معين من الفاسدين”.
وتعقيبا على ذلك، أوضح أن رئيس الوزراء قد يستهدف المستويين الثاني والثالث من الفاسدين دون المستوى الأول مثل الزعماء السياسيين، وأن ذلك قد يكون بموافقة أو بغض نظر الأحزاب عن خطوات السوداني هذه، على اعتبار أنها (الخطوات) لن تمس الكيان والشخصيات السياسية، وهو ما قد يسهم في تحقيق بعض مطالب العراقيين، على حد تعبيره.
ويضيف التميمي أن الفساد في العراق يرتبط بأجندات سياسية وإقليمية ودولية، وأنه من الصعوبة بمكان مكافحته، مستدركا أن السوداني قد يلجأ لمحاولات الحد منه أو تقليل نسب تفشيه، لافتا إلى أن مهمته ستكون صعبة للغاية من حيث المبدأ، على حد قوله.
ويبدو أن الباحث السياسي الكردي عماد باجلان أكثر تشاؤما، إذ يرى أن “السوداني في حال حافظ على معدلات الفساد الحالية فإن هذا يعد مكسبا كبيرا”، مشيرا إلى أن الأحزاب التي صوتت له لن تسمح له بالعمل على محاربة الفساد، خصوصا أن كثيرا من المسؤولين عن الفساد لديهم ارتباطات حزبية.
وبالعودة إلى مهند الجنابي فهو يستبعد أن يتمكن السوداني من مواجهة ما وصفه بـ”الفساد المستوطن” على اعتبار أن الجهات الراعية له تمتلك النفوذ والسلاح والجماعات المسلحة وغيرها، معتبرا أن كل ما تم الكشف عنه حتى الآن من شبكات تهريب النفط لا يدخل ضمن الفساد المستوطن وإنما الفساد الأقل وطأة.
ويطرح الجنابي العديد من التساؤلات عن إمكانية مواجهة حكومة السوداني ملفات فساد سبق أن أثيرت في وسائل الإعلام ولا تزال دون حسم، مثل تلك التي حدثت في المناطق المستعادة من تنظيم الدولة الإسلامية، وغيرها من الملفات الاقتصادية على مستوى تهريب النفط في مناطق صلاح الدين وغيرها.
بين فكي كماشة
تشير العديد من الأوساط السياسية في البلاد إلى أن أي محاولة من السوداني لمواجهة أباطرة الفساد قد تدخله بمواجهة مفتوحة مع بعض الكتل السياسية، الأمر الذي قد يفقده جزءا كبيرا من الدعم البرلماني اللازم لتنفيذ برنامجه الوزاري، وهو ما تدركه الأحزاب السياسية الداعمة له التي ستقف بين خيارين أحلاهما مر، بحسب مراقبين.
كم التناقضات السياسية قد لا يقف عند هذا الحد، فالانقلاب السياسي على السوداني وتقييده في مكافحة الفساد سيؤديان إلى مواجهة هذه الكتل السياسية موجة شعبية قد لا تقل وطأة عن عام 2019 عندما اضطرت المظاهرات رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي للاستقالة، يضاف إلى ذلك وجود حشد جماهيري قد يستخدمه التيار الصدري -الناقم على هذه الحكومة التي تشكلت دون رغبته وفق نظام المحاصصة- مرة أخرى، ولا سيما أن التيار وفر للكتل السياسية المناوئة فرصة إيصال مرشحها إلى رئاسة الوزراء رغم عدم فوزها بالانتخابات.
هزات سياسية
وتعقيبا على ذلك، يرى حيدر الموسوي أن القوى السياسية غير قادرة في هذه المرحلة الحساسة على الانقلاب على السوداني، إذ إن سقوطه يعني نهاية العملية السياسية، والنظام السياسي لا يتحمل ارتدادات وهزات تترقبها قوى الرفض والمعارضة، فضلا من الخشية من عودة الحراك الاحتجاجي واستثمار ورقة الشارع من جديد.
في السياق ذاته، يشير مجاشع التميمي إلى أن السوداني يمر الآن بمرحلة ما وصفه بـ”شهر العسل”، إذ إن جميع الكتل الآن داعمة له، معتقدا أن الفترة القادمة ستشهد ردات فعل قوية من جهات سياسية قد يطالها وعد محاربة الفساد، ولا سيما أن التجارب الحكومية السابقة واجهت محاولات كبيرة لعرقلتها، خاصة في حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي.
على الجانب الآخر، يرى عماد باجلان أنه لا يمكن الحكم على تجربة السوداني قبل مضي 3 أشهر على توليه منصبه “لأنه يعد من الشخصيات السياسية النزيهة”، معلقا “تقع على عاتق حكومة السوداني مهام كبيرة للغاية، والسوداني في وضع لا يحسد عليه، وإن فشل فهذا قد يعني نهاية العملية السياسية”.