اقتصاد

24 يوما من الإغلاق.. هذه تداعيات الحصار الإسرائيلي على مدينة نابلس الفلسطينية

نابلس- هذا أول يوم عمل لمطعم الزغلول بمدينة نابلس بعد 24 يوما من الحصار الجائر الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي بشكل مباشر على المحافظة بأكملها وخاصة المنطقة الغربية فيها، حيث يوجد المطعم المذكور وعشرات المنشآت السياحية والتجارية هناك.

وهو أيضا اليوم الأول الذي بدأ فيه موفق الزغلول صاحب المطعم وبعض عماله في التجهيز والإعداد لاستقبال الزبائن، بعد أن أزال الاحتلال الإسرائيلي وبعد أكثر من 3 أسابيع حاجزا ترابيا وحجريا كان يقيمه عند مطعمهم قرب مدخل نابلس الغربي وحواجز أخرى نصبها بمحيط المدينة، وخفف من قيوده العسكرية على جهات أخرى.

وما أن أزيل الحاجز في السابعة صباحا، شرع المواطن الزغلول والعاملون لديه بتنظيف المطعم وساحاته الخارجية من الأتربة وبقايا الإطارات المشتعلة وفوارغ قنابل الصوت والغاز، حيث تحولت المنطقة وخلال الإغلاق لحدث دائم بفعل المواجهات بين الشبان وجنود الاحتلال.

كان موفق منهمكا وهو يحدث الجزيرة نت بترتيب المطعم للبدء باستقبال الزبائن في ساعات المساء بالقدر الذي استطاعوا تجهيزه، ويقول: “العودة ليست سهلة، وتحتاج لأسابيع عديدة، وخاصة بالنسبة لنوع الزبائن لدينا وهم فلسطينيو 48”.

ورغم انشغاله بالتحضير والإعداد، فإن موفق -كما حال كثيرين من أصحاب المنشآت التجارية- قلق ويخشى المغامرة بتجهيز كميات كبيرة من الطعام، جرَّاء انتشار الجنود قرب المطعم والخشية من وقوع مواجهات، وتخوف الزبائن أنفسهم من الحضور للمنطقة التي كانت الأكثر استهدافا خلال الحصار.

ويزيد معاناة موفق وقلقه التزامه تجاه نحو 20 عاملا لديه طوال فترة الإغلاق، وبالتالي خشيته من تدهور الأحداث، وهو حال 200 عامل يعملون في المطاعم والملاحم فقط، يضيف قائلا، عدا عن عشرات يعملون في المنشآت الأخرى.

وليست المنطقة الغربية وحدها من عانت بفعل الحصار، بل عاشت المدينة بأكملها تبعاته “وشلت الحركة التجارية بنسبة 70%” يقول أيمن المصري تاجر الأقمشة وأحد الناشطين لكسر الحصار عن نابلس للجزيرة نت.

ودفع هذا الشلل الاقتصادي -وفق المصري- التجار بالمدينة لإطلاق دعوات لدعم اقتصاد المدينة عبر تنظيم حملات وعروض تسويقية لاستقطاب الزوار، والتأكيد على استمرار تفعيل مؤسساتها الأهلية والرسمية.

وبحصارها، فرضت إسرائيل “عقابا جماعيا” على نصف مليون مواطن يقطنون محافظة نابلس ويتنقلون بين قراها ومخيماتها، فضلا عن قطع أوصالها بالمدن الأخرى، واقتحامات واعتداءات يومية.

إلى 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي تعود أحداث الإغلاق بنابلس، بعد قتل مقاومين فلسطينيين للجندي الإسرائيلي “باروخ عيدو” قرب مستوطنة “شافي شمرون” غرب المدينة.

عاطف دغلس- مطعم الزغلو في المنطقة الغربية بنابلس مغلق منذ اكثر من 20 يوما - الجزيرة نت15
مطعم الزغلول في المنطقة الغربية بنابلس ظل مغلقا لأكثر من 20 يوما (الجزيرة)

فقد الوظائف

وبدت المنطقة الغربية أو “بوابة نابلس الغربية” والتي تحوي أكثر من 100 منشأة صناعية وتجارية وسياحية ويعمل بها أكثر من ألف مواطن الأكثر تضررا من الحصار، فقد أغلقت بالكامل وفقد عمال فيها وظائفهم وراح آخرون يبحثون عن عمل آخر.

ويقدر شادي أبو حلاوة رئيس مجلس قروي دير شرف حيث المنطقة التجارية الغربية لنابلس أن خسارة المنشآت الاقتصادية هناك تجاوزت ومنذ الأيام الأولى للإغلاق أكثر من نصف مليون دولار أسبوعيا، لكنها ربما تتجاوز هذا المبلغ، فالإغلاق يشل المكان برمته.

وهو ما أكده عمر هاشم رئيس غرفة تجارة وصناعة نابلس في بيان له وصل الجزيرة نت، فالأعمال التجارية بنابلس تأثرت بين 40 و70% فيما تأثرت إنتاجية المصانع بنسبة 50%، فضلا عن الأثر على عمليات التسويق والمبيعات.

اقرأ ايضاً
بريطانيا.. التضخم عند أدنى مستوى في 3 أشهر

وبشكل أدق أكد ياسين دويكات المتحدث باسم غرفة تجارة وصناعة نابلس للجزيرة نت أن قطاع السياحة تأثر بأكثر من 90%، فيما تأثر القطاع الصناعي بحوالي 60%، وكذلك الحال للقطاع التجاري (الجملة والتجزئة) تأثرت بنسبة 70-75%.

فيما رصدت وزارة الاقتصاد الوطني تراجعا كبيرا في الحركة التجارية بنابلس بأكثر من 60% في الأيام العشرة الأولى من الحصار فقط، إضافة لانخفاض الطاقة الإنتاجية للمنشآت الصناعية إلى النصف.

ولم تتأثر القطاعات الاقتصادية بالحصار الإسرائيلي فقط، بل ونتيجة لتضييق الخناق على المحافظة أغلقت الجامعات والكليات التعليمية بالمدينة أبوابها وتحولت للتعليم الإلكتروني.

فيما خفَّضت مؤسسات أهلية أعداد موظفيها وقلصت أوقات الدوام، وارتفعت أسعار المواصلات بين نابلس وقراها والمحافظات الأخرى بزيادة بلغت نصف الأجرة المعتادة.

تأثر اقتصادي كبير

ويعزو بكر اشتية أستاذ الاقتصاد بجامعة النجاح بنابلس تأثر الوضع الاقتصادي وبدرجات عالية في نابلس إلى استفراد إسرائيل بالمناطق والمدن الفلسطينية -كل على حدة- لإضعافها من جميع النواحي وخاصة الاقتصادية.

ويضيف للجزيرة نت أن اقتصاد نابلس أصبح “خدماتيا” بالمقام الأول بعدما كان صناعيا بعهود خلت، وبالتالي فإن القطاع الخدماتي أكثر تأثرا، كونه يعتمد على الدخل، والذي تراجع بفعل الإغلاقات، وخاصة توقف دخول فلسطينيي 48، وسكان القرى الذين يجدون بنابلس متنفسا سياحيا وترفيهيا.

ويضيف اشتية أن فلسطينيي 48 يقدرون بـ15 ألف زائر أسبوعيا، وأن معدل إنفاق الفرد الواحد يزيد على 70 دولارا أميركيا.

عاطف دغلس- تأثر مطعم الزغلول كما غيره من المطاعم والمنشآت بسبب قربه من الحاجز الترابي ومنطقة المواجهات- الضفة الغربية -نابلس-مدخل نابلس الغربي - الجزيرة نت11
المطاعم والمنشآت الاقتصادية في مدينة نابلس تأثرت بسبب قربها من منطقة المواجهات مع القوات الإسرائيلية (الجزيرة)

كما أن هيكل اقتصاد نابلس لم يعد يتحمل الإغلاقات، كونه يعتمد على تجارة الجملة والتجزئة والقطاع السياحي، وحتى بعض القطاعات الصناعية في المدينة تواجه مشكلة إدخال المواد الخام وتصريف المنتجات وتسويقها وإدخال العمال والتضييق عليهم.

ولم تغلق أو تشدد إسرائيل من إجراءاتها العسكرية عند أكثر من 10 حواجز ونقاط تفتيش ثابتة تحيط بالمدينة منذ نحو عقدين، بل تميز الإغلاق هذه المرة بنشر العشرات من الحواجز المتحركة، إضافة لإغلاق الطرق الفرعية ليس نابلس وقراها فقط بل قطعت الأوصال بين القرى والقرية الواحدة نفسها.

إنعاش المدينة

ويطرح اشتية حلولا يتقدمها دور فاعل للسلطة الفلسطينية ومن خلال وزارة المالية بتخفيف الأعباء الضريبية عن الاقتصاد بالمدينة، إضافة لقيام غرفة التجارة والصناعة بدور أكثر دعما وفعالية وحصر الخسائر ومحاولة تطبيب الجراح.

واستبعد اشتية أن تقوم الحكومة “بتعويض التجار ماليا” كونها تعاني عجزا ماليا كبيرا، لكن هذا لا يمنع من القيام بحملات ترويجية كبيرة لدعم اقتصاد نابلس ورفدها بالمتسوقين، وإطلاق حملة خصومات على الأسعار، فالمطلوب “ترميم وتضميد الجراح”.

وعلى المدى الطويل يرى اشتية أن نابلس صارت بحاجة لإعادة التفكير في هيكلة اقتصادها وخاصة بمجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والتوجه لقطاعات لا تتأثر بإجراءات الاحتلال الإسرائيلي.

وشعبيا، لم يركن أهل المدينة وفعالياتها الوطنية لإجراءات الاحتلال التعسفية وانطلقوا في أكثر من فعالية محاولين كسر الحصار والعزل الذي يعيشونه، وحشدوا محليا ووطنيا للتصدي لإجراءات الاحتلال.

ورسميا أيضا، حشدت مؤسسات المدينة الاقتصادية والسياسية لكسر الحصار، فاستقبلت وفدا من الوزراء في الحكومة قبل أكثر من أسبوع وقدمت له برنامجا داعما، وعادت الخميس واستقبلت رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية ووفدا من قناصل وسفراء الدول الأوروبية للغرض ذاته.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى