رياضة

ليونيل ميسي.. الساحر الأرجنتيني صاحب 7 كرات ذهبية يلعب ورقته الأخيرة بمونديال قطر

لا يبدو يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول 2004 تاريخا عابرا لدى مشجعي نادي برشلونة الإسباني وعشاق أسطورة كرة القدم الأرجنتينية ليونيل ميسي، لكنه علامة فارقة في مسيرة واحد من أفضل اللاعبين في تاريخ الساحرة المستديرة وأشهرهم على الإطلاق في العشرية الأخيرة.

وقد يكون من الصعب اختيار حدث ما في مسيرة ميسي ليكون منطلقا لرواية قصته العجيبة والمثيرة مع كرة القدم، لكن ذلك التاريخ (14 أكتوبر/تشرين الأول 2004) شهد ظهور الفتى ذي 17 عاما أول مرة بقميص نادي برشلونة الإسباني، وذلك أمام نادي إسبانيول ضمن الدوري الإسباني، ومنه انطلقت رحلة كروية ملهمة للملايين من الأطفال والشباب، وقصة جميلة للاعب الذي منح كرة القدم نكهة إضافية من الجمال والسحر والإثارة.

وفي انتظار مشاركته في مونديال قطر 2022، الذي يرجح كثير من الملاحظين أن يكون المسابقة الكبرى الأخيرة في مشوار ميسي مع منتخب التانغو، ويطمح الأرجنتينيون إلى أن يكتب “البولغا” التاريخ في كأس العالم، وأن يقود البلاد لإحراز اللقب الذي تبحث عنه منذ مونديال المكسيك 1986 عندما تكفل الأسطورة الآخر الراحل دييغو مارادونا بوضع بلاد الشمس المبتسمة على منصة التتويج العالمي.

قصة مثيرة وأطوار حزينة

لم تكن مسيرة ليونيل أندريس ميسي -صاحب الإنجازات الفردية والألقاب الجماعية الكثيرة مع كرة القدم- سوى رحلة صعبة ومعقدة في بداياتها، وقبل أن يصبح واحدا من أفضل لاعبي الكرة على مر التاريخ، كان الطفل الأرجنتيني المولود في مدينة روزاريو الأرجنتينية في 24 يونيو/حزيران 1987، لأبوين هما خورخي هوراسيو ميسي، وهو عامل بأحد المصانع، وسيليا ماريا كوتشيتيني، وتعمل منظفة؛ يعاني منذ طفولته من ضمور في جسمه ويشكو من تأخر نموه.

وفي تلك الأثناء، ورغم أن بنيته الجسمانية كانت أقل بكثير من أترابه، انضم ميسي في عمر 7 سنوات لأكاديمية نيولز أولد بويز الأرجنتيني، وأظهر مهارات فنية لافتة منذ سنواته الأولى في ممارسة كرة القدم، قبل أن تبدأ آثار تأخر نموه في الظهور عندما قرر أحد الأطباء -ويدعى دييغو شوارزتاين- مصارحة والد ميسي بمرضه، ويشير عليه بأن يخضعه لحقنة هرمون النمو التي تناهز كلفتها في ذلك الوقت (1997) نحو 1000 دولار شهريا، وهو ما لم تقدر عليه العائلة محدودة الدخل.

“كان ليونيل قليل الكلام في البيت وخارجه، لكنه عندما كان يداعب الكرة كان كما لو أنه يعزف ويغني، كانت قدماه تروضان الكرة بشكل عجيب، ولكن تأخر النمو كان يهدد استمراره، إلا إذا تواصل العلاج بشكل دوري”. بمثل هذه العبارات تحدث والد ميسي عن البدايات الرائعة والحزينة في آن واحد، مضيفا أن أحد وكلاء الأعمال -ويدعى هوراسيو جاجيولي- عرض على العائلة فكرة السفر إلى برشلونة للنظر في إمكانية إلحاق الطفل المعجزة بأكاديمية النادي.

وفي سنة 2000، توجه ليونيل ميسي ذو 13 ربيعا مع والديه إلى برشلونة رفقة مهندس الفكرة جاجيولي، لكن الجميع كان يعلم أن مشكلة “اضطراب هرمون النمو” قد يدفع الفريق الكتالوني إلى العزوف عن قبول ميسي.

كانت مخاوف عائلة ميسي في محلها، إذ أبدى مسؤول أكاديمية برشلونة آنذاك كارليس ريكساش تردده في قبول طفل ناشئ يشكو من ضمور في عضلاته، ويقول وكيل ميسي الأول جاجيولي في تصريحات إعلامية سابقة “انقسمت المواقف بين مؤيد ومعارض في نادي برشلونة حول ميسي؛ رأى البعض أن موهبته الخارقة أمر لا يمكن إهداره، بينما رأى آخرون أن صفقة الفتى الأرجنتيني بمثابة مجازفة غير مضمونة النتائج، وكان ذلك يبدو أمر منطقيا، إذ إن ناديا كبيرا مثل برشلونة يُعرض عليه لاعب صغير السن يعاني من تأخر النمو سيرفضه لا محالة، لكن الأقدار أو حظ كرة القدم كانت تعد لمسيرة خيالية وقصة ملهمة”.

وفي 14 ديسمبر/كانون الأول 2000، وقع والد ميسي وثائق التحاق ابنه بأكاديمية “لاماسيا”، وكان معه آنذاك لاعبون تحولوا في ما بعد إلى نجوم في البلوغرانا، مثل جيرار بيكي وكارلس بيول وسيسك فابريغاس، وساعدوه على الاندماج، في حين تكفلت إدارة البارسا بعلاجه ودفع تكاليف حقن هرمونات النمو.

وحسب ما أوردته مصادر إعلامية، فإن الإشكال الوحيد الذي كان أمام ميسي هو اللغة، أما على المستطيل الأخضر فقد أبان منذ البداية عن موهبة قل أن تتوفر في أحد غيره داخل النادي الذي تدرج الفتى الأرجنتيني في فئاته الشابة طيلة 4 سنوات، قبل صعوده للفريق الأول في صيف 2004، وهو في عمر 17 عاما وأشهر قليلة.

35 لقبا و7 كرات ذهبية

تجاوز ميسي المخلفات النفسية لبداياته الصعبة، وأمضى في فبراير/شباط 2004 أول عقد احترافي مدته 6 سنوات، وانطلقت مسيرته رسميا مع الفريق الأول لبرشلونة في موسم 2004-2005، وذلك تحت قيادة الهولندي فرانك ريكارد، الذي منحه الفرصة في أكتوبر/تشريت الأول 2004 ليكتب الحرف الأول من كتاب مسيرة أسطورية، وذلك عندما دخل بديلا للبرتغالي ديكو في الدقيقة 82 من المباراة التي جمعت البارسا بجاره إسبانيول على ملعب “لويس كومباني” في برشلونة.

كان ميسي في بداياته يحمل الرقم 30، وجاور العديد من النجوم، وعلى رأسهم البرازيلي رونالدينهو الذي كان يحمل القميص رقم 10 في ذلك الوقت، وهو الذي أهدى ميسي في الأول من مايو/أيار 2005 تمريرة حاسمة في مباراة أمام نادي ألباسيتي سجل بفضلها أول هدف بألوان برشلونة عندما دخل بديلا للكاميروني سامويل إيتو.

وشهد ذلك العام أيضا تتويج الشاب ذي 18 ربيعا بلقب كأس العالم للشباب (هولندا 2005) مع الأرجنتين، بعد الفوز في النهائي على نيجيريا (2 ـ1) وأحرز في المسابقة ذاتها جائزة أفضل لاعب.

RTRXBWM
في 2005 توج ميسي بأول لقب في مسيرته مع منتخب الأرجنتين وأحرز كأس العالم للشباب في هولندا وفاز خلالها بجائزة أفضل لاعب (رويترز)

وبين 2004 و2021، خاض ميسي الجزء الأكبر من مسيرته بألوان الفريق الكتالوني، وكانت كل ملاعب أندية إسبانيا وملاعب أوروبا شاهدة على إبداع غير محدود وإعجاز كروي لافت توجه اللاعب الأرجنتيني بأكثر من 35 لقبا مع البارسا، من بينها سداسية تاريخية في موسم 2008ـ2009، وذلك بإحراز ألقاب الدوري والكأس والسوبر الإسباني محليا، ودوري أبطال أوروبا بعد الفوز في النهائي على مانشستر يونايتد (2ـصفر) والسوبر الأوروبي، قبل اختتام السداسية بلقب كأس العالم للأندية أواخر عام 2009.

كانت مسيرة ميسي مع البارسا زاخرة بالألقاب؛ فبعد دوري أبطال أوروبا 2009، كرر الإنجاز ذاته في 2015 بعد الفوز على يوفنتوس في النهائي، فيما لا يزال هدفه أمام بايرن ميونخ في نصف النهائي واحدا من أجمل الأهداف في تاريخ المسابقة. لكن الفشل رافقه في أكثر من مناسبة في إضافة تتويج ثالث بالمسابقة الأوروبية، ليصبح ذلك اللقب بمثابة عقدة ميسي والبارسا على حد السواء بين 2016 و2021.

1356249180ميسي خلال تتويجه بجائزة الكرة الذهبية سنة 2021 وذلك للمرة السابعة في مسيرته كأكثر لاعب في العالم يحقق ذلك الإنجاز (غيتي)

مقابل ذلك، سيطر الأرجنتيني بالطول والعرض على الجوائز والألقاب الفردية، وبجانب كونه اللاعب الأكثر تتويجا بالألقاب مع برشلونة برصيد 35 لقبا، متقدما على زميله السابق أندريس إينيستا، فقد أحرز ميسي الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم في 7 مناسبات: 2009 و2010 و2011 و2012 و2015 و2019 و2021، كما حطم العديد من الأرقام القياسية التي بلغ عدد 125 رقما قياسيا، حسب تقارير إعلامية.

وفي 2012، أصبح ميسي أول لاعب في تاريخ كرة القدم يسجل أكثر من 90 هدفا في سنة واحدة، محطما الرقم السابق الذي كان بحوزة الألماني غيرد مولر برصيد 85 هدفا عام 1972.

وفي 16 مايو/أيار 2021، أسدل ملعب “كامب نو” ستاره على مسيرة ميسي الطويلة بألوان برشلونة عندما خاض آخر مباراة له، وسجل خلالها آخر هدف في مشواره الكروي مع البارسا، وذلك أمام سلتا فيغو، لتنتهي بذلك رحلة يعدها خبراء كرة القدم واحدة من أروع قصص الساحرة المستديرة، بما فيها من معاناة البدايات وفترات التتويج ولحظات الخيبات التي رافقت ميسي أيضا في رحلته الكتالونية.

عهد باريس ولقب أول مع التانغو

بعد نهاية موسم 2020ـ2021، أعلن نادي برشلونة أنه لن يمدد عقد ميسي، وفي تلك الأثناء دخلت أندية مانشستر سيتي وباريس سان جرمان ومانشستر يونايتد على الخط للتعاقد معه، قبل أن تنجح إدارة الفريق الباريسي في الظفر بتوقيعه في الخامس من أغسطس/آب 2021، قبل أن يبدأ في 29 من الشهر ذاته رسميا محطة جديدة بألوان “بي إس جي” توجها في 2022 بأول لقب الدوري الفرنسي الممتاز وكأس الأبطال (السوبر).

25309790
خاض ميسي مع باريس سان جرمان حتى الآن 50 مباراة وسجل 21 هدفا منذ انتقاله للنادي في أغسطس/آب 2021 (الأناضول)

وفي يوليو/تموز 2021، حقق ليونيل ميسي أول لقب له مع منتخب الأرجنتين بعد انتظار طويل، وذلك عندما توج “بكوبا أميركا” إثر الفوز في النهائي على البرازيل (1-صفر) بعد أن كان بلغ نهائي المسابقة في2007 و2015 و2016.

وفي 2022، توج مع منتخب التانغو بكأس الأبطال التي تجمع بطل كوبا أميركا وبطل أوروبا بعد الفوز على إيطاليا بثلاثية نظيفة.

وخاض اللاعب -الذي يلقب بالبولغا- 164 مباراة بقميص الأرجنتين سجل خلالها 90 هدفا، وهو رقم ينفرد به في منتخب بلاده، علما أنه توج بكأس العالم للشباب 2005، وبالميدالية الذهبية لدورة الألعاب الأولمبية ببكين 2008.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى