خطة مغربية لاعتماد اللغة الإنجليزية في التعليم.. هل تزيح الفرنسية؟
الرباط – كانت رغبة الطالبة المغربية سمية الفاقيهي -بعد حصولها على البكالوريا العام الماضي- التخصص في شعبة الدراسات الإنجليزية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في الرباط، غير أن رغبتها لم تتحقق.
تقول سمية للجزيرة نت إنها أُعجبت باللغة والثقافة الإنجليزيتين في المرحلة الثانوية، وكانت تقضي أوقات فراغها في قراءة الكتب والروايات بهذه اللغة، مما جعلها تفكّر في التعمق أكثر في دراستها بالجامعة.
لكن أحلام هذه الشابة اصطدمت بمحدودية المقاعد المخصصة لشعبة اللغة الإنجليزية، والتي لم تستوعب الطلبات الكثيرة عليها، مما جعلها تضع أحلامها ورغبتها جانبا وتلتحق بكلية الاقتصاد.
بحثا عن فرص دراسية ومهنية
ويُقبل الطلبة المغاربة في مختلف الجامعات على دراسة اللغة الإنجليزية، بحثا عن آفاق أوسع في المسار الدراسي والمهني. وبالمقابل، يتزايد إقبال وحرص الأسر المغربية على تسجيل أبنائهم في مراكز تعلّم اللغة الإنجليزية في سن مبكرة.
وأظهرت دراسة للمجلس الثقافي البريطاني نُشرت العام الماضي واستهدفت عينة من 1200 شاب مغربي تتراوح أعمارهم ما بين 15 و25 عاما، أن الغالبية العظمى من الشباب يعتبرون الإنجليزية لغة مهمة بالنسبة لمستقبلهم ومستقبل بلدهم.
وأبرزت الدراسة أن أكثر من ثلثي الشباب المغاربة مقتنعون بأن اللغة الإنجليزية ستنجح خلال السنوات الخمس المقبلة في إزاحة الفرنسية، اللغة الأجنبية الأولى في البلاد.
ورأى 74% من عينة الدراسة أن الانتقال إلى اللغة الإنجليزية سيفيد طموحات المغرب بصفته محورا تجاريا وسياحيا على المستوى الدولي.
وتوقع 85% من المستجوَبين أن يشهد عدد المغاربة الذين يستخدمون الإنجليزية ارتفاعا متزايدا خلال الأعوام العشرة القادمة.
مطالب مجتمعية
عند بداية كل موسم دراسي، تتزايد المطالب المجتمعية الداعية لاعتماد الإنجليزية لغة أجنبية أولى في المدارس عوضا عن الفرنسية، وهي المطالب التي رافقها هذا العام إطلاق عريضة في سبتمبر/أيلول الماضي وقع عليها آلاف المغاربة.
وطالبت العريضة بإلغاء تدريس المواد العلمية بالفرنسية في المدارس، ووقف استخدام هذه اللغة في المؤسسات الرسمية.
ويعتمد النظام التعليمي الحالي تدريس الإنجليزية ابتداء من السنة الثالثة في المرحلة الإعدادية وحتى البكالوريا (الثانوية العامة)، أي أن الطالب في المدارس الحكومية يدرس هذه اللغة 4 سنوات فقط.
بالمقابل، تدرس معظم مدارس التعليم الخاص الإنجليزية ابتداء من السنة الأولى في المرحلة الابتدائية، وهو ما يخلق تفاوتا بين مكتسبات طلبة التعليم الحكومي والخصوصي في هذه اللغة.
خطط حكومية متدرجة
وأعلنت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، هذا العام خططا تتجاوب مع المطالب المتصاعدة في المجتمع لاعتماد اللغة الإنجليزية في التعليم.
وأطلقت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي خطة لتدويل الجامعة المغربية من خلال فتح مسالك إنجليزية جديدة.
وفي الموسم الجامعي 2022-2023 بدأ اعتماد 10 تخصصات جديدة في درجة البكالوريوس، و7 لدرجة الماجستير والدكتوراه في الطب باللغة الإنجليزية 100%. وكذلك اعتماد 21 دبلوما إنجليزيا في الجامعات الخاصة والشريكة، حسبما جاء في عرض لوزير التعليم العالي بالبرلمان خلال تقديمه مشروع موازنة وزارته لعام 2023.
وحسب المصدر نفسه، سيدرس أكثر من 12 ألف طالب وحدات باللغة الإنجليزية ضمن مساقاتهم الدراسية خلال هذا الموسم الجامعي.
وفي قطاع التربية الوطنية، تشرع الوزارة ابتداءً من السنة المقبلة في تنفيذ خطة لتوسيع تدريس اللغة الإنجليزية في المدارس الحكومية.
ويوضح مدير المناهج في وزارة التربية الوطنية فؤاد شفيقي، للجزيرة نت، معالم هذه الخطة التي تنطلق من الرؤية الإستراتيجية لإصلاح التعليم 2015-2030.
ووفق هذه الخطة، سيبدأ الطالب المغربي تعلم الإنجليزية من السنة الإعدادية الأولى تدريجيا حتى تعميمها في بداية 2026، ويبقى تدريسها من السنة الإعدادية الثالثة كما هو عليه الأمر حاليا.
ويقول شفيقي “ليصل الطالب إلى مستوى متوسط ومقبول يساعده على استكمال الدراسة باللغة الإنجليزية، لابد أن يدرس هذه اللغة في مستويات متقدمة”.
وتعتبر الفترة ما بين 2022 و2024 مرحلة تحضير لتنزيل هذه الخطة عبر تكوين (تأهيل وتدريب) الأساتذة، وتهيئة المناهج، وتغيير الكتب المدرسية للمستويات الثانوية.
ويوضح مدير المناهج أن “برنامج إدراج اللغة الإنجليزية الحالي في التعليم الثانوي لن يكون صالحا مستقبلا، لذلك علينا تغيير المناهج والكتب المدرسية لمواكبة هذا الإصلاح والتغيير”. وسيتم خلال الموسم الدراسي المقبل تجريب البرنامج الدراسي الجديد في بعض المؤسسات التعليمية.
وحسب شفيقي، يستلزم تنفيذ هذه الخطة توظيف 3700 أستاذ في اللغة الإنجليزية قبل تعميمها تدريجيا في كل المدارس الإعدادية.
وبالإضافة إلى تعليم اللغة الإنجليزية، سيتم بالموازاة توسيع استخدامها في الثانوية، ويتعلق الأمر بتدريس المواد العلمية بالإنجليزية.
يقول شفيقي “إذا نجحنا في تعميم تدريس الإنجليزية في جميع مستويات الإعدادي، سيكون مستوى التلاميذ في هذه اللغة متقدما، وسيصبحون مهيئين لدراسة محتويات علمية بهذه اللغة في الثانوية بشكل موسّع”.
وحول تأهيل أساتذة العلوم في التعليم الثانوي للتدريس باللغة الإنجليزية، يشير المتحدث إلى فرضيات متعددة وتجارب مختلفة، ويقول “اطلعنا على تجارب دولية، وتبيّن أن أستاذ الرياضيات إذا واكب تكوينا (تدريبا) من 6 إلى 8 ساعات في الأسبوع سيكون في غضون سنة أو سنة ونصف السنة جاهزا لتدريس مادته العلمية باللغة الإنجليزية”.
ولفت إلى وجود تنسيق مع وزارة التعليم العالي من أجل فتح شعب أكثر بالإنجليزية في الجامعات سواء في الطب أو الهندسة أو غيرهما، حتى لا يجد خريج البكالوريا نفسه بعد سنوات من الدراسة بالإنجليزية أمام شعب تدرّس بالفرنسية أو أمام طريق مسدود.
إزاحة الفرنسية
ويرى رئيس المعهد المغربي لتحليل السياسات محمد مصباح أن قرار اعتماد اللغة الإنجليزية في تدريس العلوم مسألة مهمة.
وأشار مصباح، في حديث للجزيرة نت، إلى أن السياق الإقليمي يتّسم بتوجه عدد من الدول في المنطقة المغاربية نحو اعتماد اللغة الإنجليزية في التعليم، إلى جانب دول أفريقية مثل رواندا التي بدأت قبل سنوات تجربة التدريس بالإنجليزية، وانعكست نتائجها الأولى على مستوى التنمية الاقتصادية.
وربط مصباح هذه الخطط الحكومية بتنامي اهتمام المجتمع المغربي، وخاصة فئة الشباب، بتعلم الإنجليزية باعتبارها لغة عالمية والإنتاج العلمي بها أكثر من الفرنسية، لافتا إلى أن الأسر متوسطة وعالية الدخل اتجهت بشكل فردي لتعليم أبنائها الإنجليزية. كما أن الإقبال الكبير على مراكز ومعاهد تعلم هذه اللغة في كل المدن يعكس هذا الاهتمام.
ونبّه مصباح إلى ضرورة مواكبة هذه الخطط بتأهيل الموارد البشرية خاصة تلك التي ستدرّس المواد العلمية بالإنجليزية، وأيضا العمل على تطبيق جيد لهذه الخطة، والسهر على تحقيق الأهداف المرجوة منها وليس إعطاء الوعود فقط.
وتوقع مصباح أن يؤدي اعتماد اللغة الإنجليزية في تدريس المواد العلمية بشكل تدريجي على مدى 10 إلى 15 سنة إلى إزاحة الفرنسية عن موقعها في التعليم بالبلاد.
ورجح المتحدث حدوث مقاومة من “اللوبي الفرانكفوني”، لكنها في نظره لن تكون ذات تأثير كبير على المسار العام، بالنظر لوجود دعم من الأُسر والشباب، وأيضا لوجود سياسات عمومية تستجيب للمطالب المتنامية للمجتمع المغربي بخصوص اللغة الإنجليزية.