رغم كونها ثالث أكبر منتج للغاز في العالم.. لماذا تعتزم إيران استيراد الغاز من روسيا؟
في خبر أثار ضجة في الأوساط الإيرانية، أعلنت طهران عزمها استيراد الغاز من روسيا، رغم أنها ـوفق آخر الإحصاءات التي نشرت في عام 2021- تعد ثالث أكبر منتج للغاز في العالم بعد أميركا وروسيا.
وتعد روسيا المنافس الرئيسي لإيران في مجال النفط والغاز، ويُذكر أن طهران فقدت الصين التي كانت مقصد النفط الإيراني طيلة سنوات العقوبات الغربية، بعد أن اتجهت بكين لشراء النفط الروسي بعد العقوبات الغربية على روسيا. لكن يبدو أن موسكو فضلت في هذا التوقيت الصداقة على المنافسة في مجال الطاقة.
ووفق ما جاء في تقرير وزارة النفط الإيرانية، يقدّر حجم الغاز الذي أنتجته روسيا دون تحديد وجهة لتصديره ما بين 75 و95 مليار متر مكعب، وتعتبر وزارة النفط الإيرانية في تقريرها أن هذه فرصة ذهبية لإيران لتستورد الغاز الروسي عن طريق تركمانستان. وتوضح أنه سيتم نقل الغاز من روسيا إلى تركمانستان عبر خط لنقل الغاز، ثم إلى إيران باستخدام خطي نقل يدعمان 20 مليار متر مكعب.
وصرح أحمد أسدزاده نائب الشؤون الدولية والتجارة لوزير النفط الإيراني بأن هناك مباحثات لتعاون ثلاثي يجمع إيران وروسيا مع سلطنة عمان أو باكستان.
الغاز الروسي
وعلى الرغم من أن إيران تمتلك 18% من إجمالي احتياطي الغاز في العالم، وتضم 22 مصفاة لهذه الطاقة وتنتج يوميا مليار متر مكعب، فإنها أعلنت أن استهلاك الغاز في البلاد سيكون أكثر من إنتاجه في الشتاء القادم.
وفي هذا الشأن، يقول الأستاذ الجامعي والخبير في الشؤون الاقتصادية بهمن آرمان -للجزيرة نت- إن إيران لديها نقص في إنتاج الغاز في الشتاء بحجم 200 مليون متر مكعب، وتستورد من تركمانستان لتعويض هذا النقص، ويضيف أن طهران بحاجة لاستثمار كبير ليصل الغاز الروسي من شمالي روسيا إلى الحدود الإيرانية على بعد آلاف الكيلومترات.
ومن جانب آخر، تقول وكالات إيرانية مقربة من جهات حكومية وأمنية إن طهران بإمكانها أن تشتري الغاز الروسي بـ”سعر مناسب” وتستخدمه في المناطق الشمالية، وبهذا لن تضطر لنقل غازها من الجنوب -أي محل إنتاجه- إلى الشمال، وعندها ستتمكن من تصدير غازها في الجنوب بسعر أعلى إلى جيرانها مثل باكستان وعمان، أو تزيد صادراتها الغازية إلى العراق وتركيا.
غير أن الخبير الاقتصادي بهمن آرمان يرى أن استيراد إيران الغاز من روسيا ثم تصديره “ليس إلا مزحة”، ويربط ذلك بأن الغاز يتم تصديره إما عن طريق خطوط أنابيب نقل الغاز التي تعتمدها إيران لتصدير غازها إلى تركيا والعراق في مقاييس قليلة ومحدودة، وإما تحويل الغاز الطبيعي إلى الغاز المسال.
ويؤكد أن إيران وروسيا لا تمتلكان هذه التقنية، فضلا عن أن نقل الغاز من روسيا إلى إيران يتطلب تكاليف كبيرة.
وفي السياق، أشار آرمان إلى دور أميركا في هذا الشأن، حيث قال إن إيران أنشأت خط أنابيب بقطر 56 إنش لنقل الغاز من عسلوية (جنوبي إيران) حتى باكستان، وهذا القياس أكبر حجم ممكن صنعه للغاز في العالم، ولكن أميركا لم تسمح لباكستان باستيراد الغاز الإيراني، مضيفا أن طهران تحرق الغاز الذي يخرج مع استخراج النفط في مياه الخليج ومحافظة خوزستان.
واعتبر آرمان أن نفوذ روسيا في إيران كبير جدا، حيث كان من المقرر أن تصنع طهران خط نقل للغاز من عسلوية وصولا إلى حدود بازرغان التي تفصل بين إيران وتركيا، ومن ثم يدخل تركيا، ولكن امتد هذا الخط من عسلوية حتى كردستان إيران فقط، ولم يكتمل المشروع لأن روسيا تعلم بأن طهران تمتلك أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم ويمكنها منافسة موسكو في الأسواق، وفق قوله.
وفي هذا الإطار، يرى الخبير في شؤون الطاقة حميد رضا شكوهي -في حديثه للجزيرة نت- أنه في المدى القصير من المنطقي أن تستورد إيران الغاز لسد النقص الذي تواجهه، ولكن على المدى الطويل فعليها أن تستثمر في حقولها الغازية وتعمل على زيادة إنتاج الغاز وخفض الاستهلاك، ويوضح أن الاستهلاك ليس منزليا فقط، بل هناك سياسات يجب أن تتخذها إيران لتقلص من استهلاك الغاز في المصانع والبتروكيماويات.
وعلى الرغم من أن إيران أعلنت أنها سوف تفعل المرحلة الـ14 من حقل “فارس الجنوبي” للغاز خلال العام الجاري، فإن شكوهي يستبعد أن تتمكن من ذلك حتى موسم الشتاء القادم.
أثر العقوبات
ولا يمكن تفادي أثر العقوبات في هذا الشأن، إذ يقول آرمان إنه منذ أكثر من 3 عقود تحاول إيران بناء مصانع تسييل الغاز في المرحلة الـ11 من حقل “فارس الجنوبي” لكنها لم تتمكن من ذلك، لأن الشركات التي تمتلك هذه التقنية قليلة جدا وإيران أبرمت عقدا مع شركة توتال الفرنسية، لكن هذه الشركة انسحبت من تنفيذ الاتفاق بسبب العقوبات الغربية.
وأضاف آرمان أن إيران لم تستكشف أي حقل للغاز أو النفط أو خام الحديد منذ الثورة في 1979 حتى اليوم، لأنها لا تمتلك التقنية اللازمة، وكل حقولها قامت باستكشافها شركات أميركية قبل الثورة.
ويوضح أنه من أجل الحفاظ على ضغط الغاز في حقل “فارس الجنوبي”، أي 700 مليون متر مكعب يوميا، فإن إيران بحاجة لاستثمار 80 مليار دولار، كما أنها لا تتوفر على التقنية ولم تتمكن من الحصول عليها بسبب العقوبات وعلاقاتها المتأزمة مع الغرب.
ويتابع أنه بعد معاهدة باريس التي تنص على تقليل انتشار غازات الاحتباس الحراري، قررت إيران أن تحول غازها الطبيعي في خوزستان الذي يخرج مع استخراج النفط إلى غاز مسال، وتستخدمه في شركات البتروكيماويات، لكن بسبب العقوبات لم تتمكن الشركات الإيرانية من استيراد الأجهزة اللازمة، وما زال هذا الغاز الذي سعره مليارات الدولارات يحترق.
وقال بهمن آرمان إن إيران مضطرة لأن تستورد الغاز بسبب العقوبات، و”هذا مؤسف أن البلد الذي يمتلك أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم يضطر لاستيراد الغاز وأن تتعطل مصانع الفولاذ لديه في فصل الشتاء، فحاليا في أكبر مصنعي الفولاذ في إيران، أي “فولاذ مباركه” و “فولاذ خوزستان”، يتم استخدام أفران أقل من اللازم”.
وفي هذا الصدد، يشير شكوهي إلى أن إيران تفتقد منصات زيادة ضغط الغاز، ولذلك فهي غير قادرة على الاستخراج من حقل “فرزاد” المشترك مع السعودية، وأيضا غير قادرة على تفعيل المرحلة الـ11 من حقل “فارس الجنوبي”، لأن شركة توتال انسحبت من المشروع، وأوضح أيضا أن إيران كانت تستورد هذه التقنية من الغرب لأن روسيا والصين أيضا لا تمتلكانها.
العراق وتركيا
وتعد تركيا إحدى الوجهتين الرئيستين للغاز الإيراني، ووفق مصادر إيرانية رسمية قد ارتفع حجم الغاز المصدّر من إيران إلى تركيا بنسبة 11% خلال النصف الأول من العام الإيراني الجاري مقارنة بالعام الماضي. وكشفت طهران عن محادثات بينها وبين أنقرة لتمديد اتفاقية تصدير الغاز إلى تركيا والتي ستنتهي عام 2026 بعد 25 عاما.
واستبعد الرئيس السابق لشركة الغاز الوطنية في إيران حميد رضا عراقي أن تتمكن بلاده من إبرام اتفاق أفضل مع تركيا. ورجح أن يبقى حجم الغاز المصدّر ما بين 7 و9 مليارات متر مكعب سنويا كما كان في السنوات السابقة، موعزا ذلك إلى حاجة البلد إلى الغاز.
ومن جانب آخر، أعلنت طهران عن مباحثات مع أفغانستان وباكستان وعمان لتصدير الغاز إلى تلك البلدان. يذكر أن اتفاق تصدير الغاز من إيران لسلطنة عمان أبرم عام 2005 ولكن لم ينفذ رغم مرور 18 عاما، وكان هذا الاتفاق لمدة 25 عاما، كما كان من المفترض أن يبدأ تنفيذه منذ عام 2008 بتصدير 30 مليون متر مكعب ويصل في عام 2012 إلى 70 مليون متر مكعب. ومن الاتفاقات التي لم تر النور اتفاق تصدير الغاز إلى باكستان والهند.
وفي هذا السياق، يوضح بهمن آرمان أن الاتفاقيات التي كانت بين إيران والإمارات قد توقفت، كما أن الاتفاقيات مع سلطنة عمان لم تنفذ قط، مؤكدا أن التصدير الرئيسي للغاز الإيراني يتم إلى تركيا والعراق فقط، ويضيف أن أنقرة لا تتمكن من استيراد الغاز الإيراني أكثر من هذا الحجم لأن اقتصادها صغير. أما في ما يخص العراق، فيقول إن الجار الغربي لإيران أعلن أنه خلال السنوات الثلاث أو الأربع القادمة سوف لن يكون بحاجة للغاز الإيراني لأنه بدأ يعمل على توسيع حقوله الغازية.
الاحتياطي والإنتاج
وتقول وزارة النفط الإيرانية إن احتياطات الغاز الطبيعي القابلة للاستخراج في إيران هي 34 تريليون متر مكعب، وبحسب تقرير منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، تحتل إيران المرتبة الثانية بعد روسيا باحتياطي قدره 33.72 تريليون متر مكعب، ووفقا لإحصاءات شركة “بريتيش بتروليوم” (British Petroleum)، فإنها تحتل المرتبة الأولى عالميا باحتياطي يبلغ 33.5 تريليونا.
وحسب وكالة الحكومة الإيرانية “إرنا”، فإن حجم تصدير روسيا للغاز يعادل 12 ضعف تصدير إيران للغاز في عام 2021، في وقت تمتلك فيه روسيا 19.5% من احتياطي الغاز في العالم، تمتلك إيران 17.3% من ذلك الاحتياطي.
وتضيف إرنا أن استهلاك إيران من الغاز يعادل 42.2% من إجمالي استهلاك القارة الأوروبية التي يبلغ عدد سكانها 748 مليون نسمة، أو ما يعادل 48.4% من استهلاك الغاز في الصين التي يبلغ عدد سكانها 1.4 مليار نسمة.
وتقول المصادر الرسمية إن إيران لديها أنابيب غاز بطول 38 ألف كيلومتر، وإنها صدّرت 17 مليار متر مكعب من الغاز عام 2021. وتضيف أنه في النصف الأول من العام الإيراني الجاري (1401) ارتفع حجم الغاز المصدّر بنسبة 22% مقارنة بالنصف الأول من العام السابق.
ووفق آخر إحصائية لشركة الغاز الوطنية الإيرانية، فإن الاستهلاك اليومي للغاز الطبيعي في إيران في مارس/آذار الماضي بلغ 745 مليون متر مكعب.