كيف سينعكس تفجير إسطنبول على علاقات أنقرة وواشنطن؟
إسطنبول- لم تكد تركيا تصحو من آثار تفجير جادة الاستقلال المفاجئ عصر الأحد الماضي، حتى انهالت برقيات التعازي والمواساة من العديد من الدول، سواء تلك التي تربطها بأنقرة علاقات تحالف أو صداقة أو حتى خصومة وخلافات في بعض الملفات. وبينما تلقتها تركيا جميعا بالترحاب، رفضت إحداها بلغة حادة.
وقدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الثلاثاء، على حسابه في تويتر، شكره لجميع الدول والمنظمات الدولية التي أعربت عن تعازيها لبلاده وشاركتها آلامها، وتضمنت التغريدة ملصقا ضم أعلام تلك الدول والمنظمات.
لكن سبق أن ردّ وزير الداخلية التركي سليمان صويلو على التغريدة التي صدرت عن السفارة الأميركية في أنقرة، منتقدا الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب الكردية في سوريا التي حمّلتها السلطات التركية مسؤولية تفجير إسطنبول بعد إلقاء القبض على المشتبه بتورطهم ومشاركتهم في تنفيذ التفجير.
وقال صويلو إن بلاده لا تقبل التعزية التي وجهتها السفارة الأميركية، مشيرا إلى مسؤولية واشنطن الضمنية عن وقوع التفجير الأخير، نتيجة دعمها للوحدات الكردية التي تعدّها أنقرة أحد أفرع حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيا لدى تركيا والولايات المتحدة. وذهب الوزير التركي إلى تشبيه الموقف الأميركي بأنه مثل “القاتل الذي يكون بين أوائل الواصلين إلى مسرح الجريمة”.
وبينما ردّت السفارة الأميركية على تصريحات صويلو بالتعبير عن “التضامن مع تركيا حليفتنا في الناتو”، وإدانة الولايات المتحدة “بشكل قاطع لكل أشكال الإرهاب”، جدد الرئيس الأميركي جو بايدن، في لقائه مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان، الثلاثاء، على هامش قمة الـ20 المنعقدة في إندونيسيا، تقديم تعازي بلاده في ضحايا تفجير شارع الاستقلال.
أسباب النبرة القاسية
وعلى الرغم من اللغة التضامنية التي سادت أخيرا بعدما أعادت تصريحات وزير الداخلية التركي إلى النقاش مسألة دعم الولايات المتحدة للوحدات الكردية، الذي تطالب أنقرة بإنهائه منذ سنوات دون جدوى، فإن النبرة القاسية للحكومة التركية إزاء هذه المسألة التي جاءت على لسان صويلو تتطلب بحثا في الأسباب.
ويرى وائل علوان الباحث السياسي في مركز جسور للدراسات -مقره إسطنبول- أن تفجير إسطنبول أعاد إلى الأجندة السياسية التركية إصرار الحكومة على طلبها تأمين الحدود الجنوبية لتركيا مع سوريا.
وبيّن علوان -للجزيرة نت- أن تركيا “ترى أن أمنها القومي مرتبط بشكل مباشر بجعل المناطق المحاذية لها على الحدود مع سوريا مناطق خالية من المجموعات الانفصالية والإرهابية”.
وكانت تركيا قد وقعت اتفاقيات مع كل من روسيا والولايات المتحدة، الداعم الرئيسي لما تُسمى بـ”قوات سوريا الديمقراطية” -التي تقودها الوحدات الكردية- عام 2019؛ تتعهد الدولتان بموجبها بإبعاد هذه القوات عن الحدود التركية حتى عمق 30 كيلومترا، كشرط لإنهاء عملية “نبع السلام” التركية العسكرية التي تمكنت بالفعل من دحر الوحدات من منطقتي تل أبيض ورأس العين.
ويرى علوان أن التقييم التركي يفيد بأن الولايات المتحدة لم تلتزم بتعهداتها تلك، وأنه لا تزال هناك سيطرة كاملة للوحدات الكردية والمجموعات المرتبطة بحزب العمال الكردستاني المصنف على لوائح الإرهاب في تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
دعم يتخطى محاربة تنظيم الدولة
ولفت الباحث السياسي إلى أن تركيا تعدّ هذه المجموعات “سببا مباشرا لهذه العمليات الإرهابية التي تستهدف الأمن القومي التركي” في الوقت الذي تستمر فيه واشنطن في دعمها، وهو دعم -كما يقول علوان- يتخطى محاربة تنظيم الدولة الإسلامية إلى دعم سيطرة الوحدات الكردية على منطقة مؤلفة من 3 محافظات تقريبا.
وهددت تركيا مرارا بإطلاق عملية عسكرية جديدة في شمال سوريا لإبعاد المجموعات الكردية عن حدودها، إلا أن معارضة الولايات المتحدة وأيضا روسيا حالت دون ذلك.
ونقلت وكالة رويترز، أمس الثلاثاء، عن مسؤول تركي كبير قوله إن قوات بلاده ستبدأ عملية عسكرية في شمال سوريا بعد إتمام عملية ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق.
وسبق أن نفذت تركيا عام 2018 عملية عسكرية باسم “غصن الزيتون” تمكنت خلالها من دحر الوحدات الكردية من عفرين، قبل أن تطلق عملية “نبع السلام” في العام التالي.
وتدعم الولايات المتحدة قوات سوريا الديمقراطية بالعتاد والسلاح والتدريب والمشورة العسكرية، وأيضا على المستوى المالي والسياسي.
ولطالما عاب الرئيس التركي على واشنطن إرسالها “آلاف الشحنات من المعدات العسكرية إلى التنظيمات الإرهابية في شمال سوريا”؛ برا عبر الحدود مع العراق، وجوا عبر الطيران.
وخصصت وزارة الدفاع الأميركية في مشروع موازنتها لعام 2023 مبلغ 450 مليون دولار لبرنامج تدريب وتجهيز قوات الأمن العراقية، و”البيشمركة” الكردية، وقوات سوريا الديمقراطية.
وفي أغسطس/آب الماضي، طالب “المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان” الولايات المتحدة وحلفاءها بوقف دعمهم المستمر لحزب الاتحاد الديمقراطي الذي يقود قوات سوريا الديمقراطية، لارتكابه “انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان”. وقال المرصد -في بيان له آنذاك- إن الحزب ما زال يتلقى دعما سياسيا وعسكريا وماليا من دول كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسويد.
من جهتها، تقول واشنطن إن دعمها لقوات سوريا الديمقراطية يهدف لمحاربة تنظيم الدولة فقط، مشيرة إلى أن هذه القوات تضم في صفوفها فصائل عربية وخليطا من المقاتلين الأكراد وغير الأكراد.
أزمة ليست وليدة اللحظة
يقول محمد طاهر أوغلو الكاتب والصحفي التركي إن تصريح وزير الداخلية سليمان صويلو الأخير لا يشير بالضرورة إلى أزمة كبيرة بين أنقرة وواشنطن، مذكرا بأن “التصريح لم يصدر عن جهة دبلوماسية مخولة بإصدار مواقف على الصعيد الدولي”.
واستدرك طاهر أوغلو، متحدثا للجزيرة نت، قائلا إن هذا لا يعني بالتأكيد أنه لا توجد أزمة بين الدولتين، بل هي موجودة من قبل التفجير بسنوات عدة، بسبب الدعم الأميركي للتنظيمات التي تعدّها أنقرة إرهابية في شمال شرقي سوريا، لكنها “ليست وليدة اللحظة”.
واستبعد الباحث التركي أن تتسبب تصريحات صويلو بتصعيد أكبر، لا سيما أن هناك محادثات بين أنقرة وواشنطن بخصوص مسائل عدة على رأسها تسليم مقاتلات “إف-16″، مستشهدا بمحادثات رئيس هيئة الأركان الأميركي مع نظيره التركي بشأن تفجير تقسيم، وإعلان بايدن تضامنه مع تركيا خلال لقائه مع أردوغان.
وقال طاهر أوغلو إن تركيا لا تزال تحافظ على تعزيز القنوات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة لحل المسائل العالقة، مؤكدا أن أردوغان نفسه “يحافظ على لغة دبلوماسية غير تصعيدية تجاه الولايات المتحدة”.