العراقيون أكبر مشتري العقار في تركيا.. ما الأسباب؟
حصد العراقيون -خلال السنوات الأخيرة- مراتب متقدمة ضمن قائمة مشتري العقارات في تركيا، ويشير المراقبون إلى عوامل عديدة أسهمت في هذا الإقبال على الشراء.
وفي آخر إحصائية رسمية نشرتها هيئة الإحصاء التركية مطلع الشهر الجاري، جاء العراقيون بالمركز الأول عالميا بعدد مشتري العقارات في البلاد خلال السنوات الثماني الماضية، بحصيلة وصلت إلى نحو 47 ألف عقار في مختلف المجالات السكنية والتجارية.
أعداد متزايدة
وتكشف البيانات الرسمية التركية عن تزايد أعداد العقارات التي اشتراها الأجانب السنوات الأخيرة، حيث تصدر العراقيون مشتري المساكن في البلاد بشراء 46 ألفا و540 منزلا منذ بداية عام 2015 حتى أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ووفق آخر بيانات هيئة الإحصاء التركية في 16 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، فقد اشترى العراقيون 310 مساكن خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي فقط، ليبلغ عدد المنازل التي اشتراها العراقيون أكثر من 5500 خلال 10 أشهر من العام الحالي.
وحافظ العراقيون على صدارة شراء المنازل في تركيا منذ العام 2015، إلا أن الترتيب تراجع إلى المركز الثاني بعد الإيرانيين مطلع 2021، ثم تراجع للمركز الثالث هذا العام بعد تصدر الروس لمشتري العقارات التركية.
ويبين المدير العام لشركة إسطنبول هايتس العقارية خالد العمر أن العقارات التي اشتراها العراقيون تنوعت بين مبان وشقق وفلل ومحال تجارية ومكاتب، مؤكدا للجزيرة نت أن نحو 40% منها في إسطنبول و24% في أنطاليا، وتوزعت 36% منها على محافظات إزمير وأيدين وسكاريا وموغلا ومرسين وبورصا ويلوا.
حوافز تركية
ويعزو الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر أسباب ارتفاع معدل شراء العراقيين والأجانب -للعقارات التركية- إلى الحوافز السياسية والاقتصادية التي تقدمها الحكومة التركية، وأخرى مرتبطة بالوضع الإقليمي والدولي.
وأضاف “تركيا بلد مستقر ضمن بيئة إقليمية ودولية بالغة التعقيد، وهذا ما حفّز من شراء الأجانب للعقارات، وبات جذب الأجانب لشراء العقارات يعد سياسة اقتصادية رسمية تركية تهدف لتحقيق جملة أهداف اقتصادية”.
وفي حديثه للجزيرة نت، يشير السيد عمر إلى أسباب تتعلق بالبيئة التركية وتتمثل بالاستقرار السياسي والاقتصادي، إذ ورغم حصول اضطرابات وأزمات، لاسيما ما يتعلق بتدني قيمة الليرة وارتفاع معدل التضخم، إلا أن تركيا ظلت مستقرة مقارنة بالمؤشرات الاقتصادية الإقليمية بشكل عام وبالعراقية على وجه الخصوص.
الجنسية أو اللجوء
ويتابع السيد عمر معلقا: يُعد شراء العقار في تركيا مدخلا لاكتساب الجنسية التركية، وهذا الأمر يعد حافزا هاما لإقبال العراقيين على شراء العقارات، فالجنسية التركية تمنح حاملها مزايا عدة، فضلا عن أن الحصول على الإقامة في تركيا ميزة تجذب العراقيين لشراء العقارات.
ويلفت الباحث الاقتصادي إلى أن وجود المدارس العربية -المعترف بها رسميا- يعد من الحوافز التي تدفع العراقيين للسكن والإقامة في تركيا.
وبالعودة إلى مدير شركة إسطنبول هايتس العقارية، فإنه يرى من جانبه أن وجود مكتب الأمم المتحدة في تركيا، الخاصة باللاجئين وإعادة توزيعهم على دول العالم، دفع الكثير من العراقيين للجوء في تركيا لتكون محطتهم الأولى والانطلاق منها إلى أوروبا أو أميركا، معلقا “لكنهم قرروا الاستقرار في تركيا لسهولة المعيشة وتقارب عاداتها وتقاليدها.
أسباب عراقية
أما عن الأسباب المرتبطة بالبيئة الاقتصادية والسياسية العراقية، فتتمثل بالقرب الجغرافي مع تركيا، حيث يشترك البلدان بحدود برية طويلة، الأمر الذي جعل من تركيا مقصدا رئيسا للعراقيين، إما للسكن والاستقرار، أو لشراء العقارات بهدف الاستثمار، بحسب الخبير الاقتصادي السيد عمر.
وتابع أن هشاشة الوضع السياسي والاقتصادي والأمني، في العراق، دفعت العديد من المواطنين للسفر والإقامة في تركيا.
بدوره يرى العمر أن ارتفاع أسعار العقارات في بغداد وباقي محافظات العراق دفع الكثير من العائلات إلى بيع عقاراتها الكبيرة وشراء عقار أصغر، وعقار آخر في إسطنبول التي تعتبر رخيصة نسبيا بالمقارنة مع بغداد.
وينوه إلى أن الكثير من المتقاعدين وكبار السن العراقيين انتقلوا للعيش في تركيا، رغم بقاء أولادهم في بغداد لارتباطهم بأعمال ووظائف، والذين عادة ما يسافرون للقاء ذويهم بتركيا خلال الإجازات.
خدمات وتسهيلات
وتوجهت أنظار العراقيين لشراء العقارات في تركيا أو الاستثمار العقاري فيها بفضل الاستقرار السياسي والاقتصادي، فضلا عن الخدمات العقارية المتوفرة بشكل كبير، بالإضافة إلى الخدمات الصحية والتعليمية والترفيهية الموجودة في جميع المناطق التركية، وفق الباحث الاقتصادي أحمد عيد.
وفي حديثه للجزيرة نت، ينوه عيد إلى أن العراق فقد الكثير من طاقاته وثرواته البشرية بسبب السياسات المعمول بها، وانتشار السلاح خارج نطاق الدولة، مما جعل الكثير من الكفاءات العراقية تغادر أو تسعى لمغادرة البلد للحفاظ على سلامتهم وسلامة عائلاتهم.
ويؤكد عيد أن الاستثمار العقاري في العراق يعاني من الضعف بسبب أسعار العقارات المبالغ بها، قياسا مع ما تقدمه الدولة من خدمات باستثناء مناطق إقليم كردستان.
ومن أجل تطوير مجال الاستثمار العقاري بالعراق، شدد الباحث الاقتصادي على ضرورة توفير الأمن بالدرجة الاولى، وإبعاد السياسة عن مجالات الاستثمار، بالإضافة إلى توفير الخدمات الكاملة والبناء بجودة عالية.
ويرجح أنه -ومع استمرار حالة الفوضى وعدم الاستقرار الأمني والاقتصادي- فإن ذلك سيفتح المجال لتوجه الكثير من العراقيين مستقبلا نحو شراء العقارات في تركيا، سيما وأن فئة المتقاعدين بالعراق بدأت تتوجه بشكل كبير لتركيا بحثا عن الأمن والاستقرار.