فايننشال تايمز: سرقة القرن بالعراق قد تُنسى قريبا
نشرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية مقالا للكاتبة ريا جلبي تحدثت فيه عن مآلات وتطورات قضية سرقة 2.5 مليار دولار في العراق، والتحقيقات في الواقعة التي تعد الأكبر من نوعها يتم الإعلان عنها في البلاد.
تقول الكاتبة، إنه ووفقًا لوزارة المالية، اختفت مركبات مدرعة تحمل 2.5 مليار دولار تعود لمصلحة الضرائب العراقية ما بين سبتمبر/أيلول 2021 وأغسطس/ آب 2022، وهي فضيحة أثارت جدلا واسعًا داخل أروقة السلطة منذ اكتشافها الشهر الماضي.
وتضيف أن الشاحنات المُحمّلة بأموال ضريبية خرجت من مصرف الرافدين المملوك للدولة، وسلكت طريقها المعتاد لتختفي في وضح النهار فيما يُعرف في العراق بـ “سرقة القرن”.
وكان قد كشف النقاب عن حيثيات هذه الفضيحة قبل أيام من أداء حكومة رئيس الوزراء الجديد محمد شياع السوداني اليمين الدستورية، وتعهده بإيلاء الأولوية لمحاربة الفساد الذي تفشى في كل مفاصل الدولة ومؤسساتها، حيث أطلق السوداني عملية تطهير علنية لمساعدي رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، بحسب الكاتبة.
مسؤولية السوداني
وترى الكاتبة أن السوداني -الذي يبدو سياسيًا مستقلاً ويحظى بدعم بعض الفصائل التي يُزعم تورطها في الفضيحة- قد يواجه صعوبةً في محاسبة كبار أعضاء المؤسسة السياسية، مشيرة إلى أن “مسؤولية هذه الفضيحة تقع على عاتق من هم في أعلى هرم السلطة، ويتورط فيها الكثير من اللاعبين رفيعي المستوى، بمن فيهم وزراء حاليون وسابقون وموظفو الخدمة المدنية ورجال الأعمال”.
وذكرت أن “الفساد المستشري” في العراق أدى إلى تآكل مؤسسات الدولة التي أقرتها الطبقة السياسية التي حكمت البلاد منذ الإطاحة بالرئيس الراحل صدام حسين عام 2003. وبدلا من تعزيز تقاسم السلطة، تضيف الكاتبة “ساهم النظام العراقي الطائفي في ترسيخ نظام المحاصصة بين الفصائل المتنافسة على المناصب الحكومية العليا وتغذية المحسوبية داخل الوزارات”.
تورط جهات متنفذة
وتزعم بعض المصادر-بحسب المقال- أن هذا المخطط الاحتيالي الأخير تتورط فيه العديد من الفصائل السياسية القوية والمتنافرة سيما تلك أجمعت على تعيين السوداني، في الوقت الذي تخضع فيه الحكومة الجديدة لهيمنة كتل سياسية على صلة بإيران تُعرف بـ “الإطار التنسيقي” والتي اختلفت مع الموالين لرجل الدين الشيعي المنافس مقتدى الصدر على تشكيل الحكومة.
وتؤكد الكاتبة، في معرض مقالها، أن 5 أشخاص على دراية بالتحقيق أشاروا إلى أن الفضيحة الأخيرة تلقي بظلال من الشك على كلا الجانبين اللذين تصارعا على السلطة لمدة طويلة.
اكتشاف السرقة
وكانت فضيحة اختلاس 2.5 مليار دولار -والتي يشتبه في أن مصلحة الضرائب والبنك المركزي ووزارة المالية متورطة فيها- قد ظهرت للعلن عندما كشفت “المالية” عن نتيجة تحقيق داخلي أظهر أنه في الفترة من سبتمبر/أيلول 2021 إلى أغسطس/آب 2022 تم تنظيم حوالي 250 شيكًا لـ 5 شركات، ثم سُحبت الأموال المودعة في حساب الضمان والمخصصة لتغطية الالتزامات السنوية بالحسابات التي تسيطر عليها مصلحة الضرائب في مصرف الرافدين الحكومي.
وفي بيان عام بعد الكشف عن عملية الاختلاس، صرّح وزير المالية السابق علي علاوي -استقال من حكومة الكاظمي في أغسطس/ آب 2022- أنه أبلغ مكتب الكاظمي بالمخطط في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وأمر بوقف المدفوعات من الحسابات دون موافقته، لكن المدفوعات استمرت، وفق علاوي، في وقت قال فيه مستشار لرئيس الوزراء السابق إن مكتب الكاظمي لم يتلق “مراسلات رسمية” من علاوي بشأن عملية الاختلاس.
ووفق وزارة المالية، زعمت الشركات المعنية أنها تعمل لصالح شركات أكبر، بما في ذلك العديد من شركات النفط العالمية، إلا أنه ووفق 4 أشخاص على دراية بالتحقيق، فإن 3 شركات كانت قد تأسست قبل شهر واحد فقط من تنفيذ عملية الاختلاس، بحسب الكاتبة.
وكانت وزارة المالية قد كشفت أنه قد تم سحب 3.7 تريليونات دينار عراقي (2.5 مليار دولار) من حسابات مصرف الرافدين، وهو ما يعادل 2.81% من ميزانية البلاد لعام 2021، ثم استخدمت بعض هذه الأموال لشراء الدولار من البنك المركزي العراقي.
شبهات
الكاتبة -وفي معرض حديثها عن الشبهات التي تحيط بعملية الاختلاس- أكدت في تقريرها أنه ووفق 3 أشخاص على دراية بالقطاع المصرفي العراقي، فإنه من المؤكد أن البنك المركزي وبنك الرافدين على علم بالعملية، حيث إن الزيادة الطفيفة في الدولارات التي تم شراؤها في المزاد كانت أعلى من المعتاد، فضلا عن أن المبالغ المسحوبة كانت كبيرة جدًا، وأوضحت ذات المصادر أن “كمية الأموال التي تُنقل يوميًا في بغداد كانت تتطلب شاحنات مدرعة، وهذا ما يشير إلى تورط الأجهزة الأمنية”.
وأضافت أن القضاء أصدر حظر سفر بحق 9 يشتبه بهم، بينهم 5 موظفين مدنيين رفيعي المستوى في مصلحة الضرائب ووزارة المالية ومديري شركات، وقد تم اعتقال أحدهم يدعى نور زهير جاسم عند مدرج مطار بغداد الدولي أثناء محاولته مغادرة العاصمة على متن طائرة خاصة.
وتابع المقال أنه -ووفقا لذات المصادر المطلعة على التحقيق- فإن جاسم يعد المشتبه به الرئيسي، وأن القضاء يحقق في علاقته بمساعدي الكاظمي والصدريين وقادة الإطار التنسيقي، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وزعيم تحالف “الفتح” هادي العامري، كما استدعى القضاء أحد مستشاري الكاظمي للاستجواب.
تصفية حسابات
وفي الوقت الذي يشك محللون في أن التحقيق يُستخدم أداة لتصفية الحسابات -وفق الكاتبة- يؤكد ريناد منصور مدير مشروع مبادرة العراق في “تشاتام هاوس” بالقول “ينجح الفاسدون والأقوياء باستخدام سلطتهم لاستهداف الفئات الأضعف، غالبًا ما تُستخدم آليات مكافحة الفساد أداة للتصفية السياسية”.
ويؤكد المحللون أنه في نظام يسوده الفساد وتطغى عليه المصالح الخاصة، من المرجح أن يتعطل التحقيق. وذكر الزميل المقيم بمركز القرن سجاد جياد “من المتوقع أن تطير بعض الرؤوس من البنوك، وبعد ذلك ستُنسى القضية بهدوء، على الأرجح هذا ما تخطط إليه النخبة السياسية التي يبدو أنها عادت إلى ممارساتها القديمة وسالف عهدها”.
وخلص المقال إلى أن الكثير من الفصائل السياسية المتنافسة بالعراق التي يُشتبه في تورطها بهذا الاختلاس الذي وصف بـ “العظيم” أظهرت استعدادها للتحالف مع بعضها لتحقيق مكاسب مالية، وهو ما يعلق عليه منصور “هذا يؤكد أن الفساد متجذر في النظام السياسي” العراقي.