رغم ارتفاع وتيرة العنصرية.. غياب ملف المهاجرين عن الانتخابات الدانماركية
كوبنهاغن- لا تذكر المواطنة الدانماركية مها محمد أي موقف عنصري تعرّضت له منذ ولادتها هنا قبل 38 عامًا وحتى السنة الماضية؛ حين صُدمت بمهاجمتها ونعتها “بالمسلمة الشيطانة” لدى ركوبها أحد القطارات في مدينة أوغوس، شرقي البلاد.
تقول مها للجزيرة نت “في السنة الماضية شعرتُ أن الأمور باتت تتغيّر، ولم تعد كما كانت، حتى إنني تعرّضت لموقف عنصري خلال عودتي إلى المنزل، عندما رمى شخص نفسه بجانبي على الكرسي وراح يقترب مني، ولما طلبت منه الابتعاد قليلًا بدأ بالصراخ بشكل مخيف، حتى إنه نعتني بالشيطانة”.
وتحمل مها الجنسية الدانماركية، وهي مسلمة محجّبة تنحدر عائلتها من أصول عربية فلسطينية، وتعيش في “أوغوس” التي تُوصف بعاصمة الدانمارك الثقافية، وهي ثاني أكبر مدنها بعد العاصمة كوبنهاغن.
وتذكر مها أن الشخص الذي هاجمها طلب منها مغادرة القطار بحال لم يعجبها ذلك. وقالت “تحدثتُ معه باحترام، وطلبت منه الشيء نفسه، ولكنه واصل الصراخ إلى أن تدخّلت سيدة تجلس خلفي، وجاء رجل الأمن في القطار، وطلب منه الصمت. لكن عندما تحركتُ لتغيير مكاني فوجئتُ بكلمة توجّه لي للمرة الأولى في الدانمارك (مسلمة شيطانة)”. وعندها أدركتْ أنها أمام هجوم عنصري، كما قالت.
لا اهتمام بالمهاجرين في الانتخابات
بالرغم من هذه الحادثة وغيرها، وازدياد الكراهية والعنصرية في الدانمارك، تقول مها محمد إنها ستبقى في الدنمارك ولن تغادرها، مضيفة ” أنا أعمل وأدفع الضرائب وأشارك في بناء البلد، مثلي مثل أي مواطن هنا”.
ويعتقد المراقبون أن العنصرية وكراهية الأجانب تتزايد في الدانمارك، وقد تصاعدت الاعتداءات على خلفيتها بحق العرب والمسلمين خاصة.
ورغم ذلك، لم يولِ السياسيون في الدانمارك -خلال حملاتهم قبيل الانتخابات البرلمانية التي جرت في بداية نوفمبر/تشرين الثاني الجاري- أي اهتمام لقضايا الهجرة والمهاجرين.
ولا أصوات تطالب بالعدالة والمساواة بين أطياف المجتمع خلال الحملات الانتخابية، خاصة مع غياب الممثّلين الفاعلين عن المهاجرين والعرب في الأحزاب الدانماركية.
أولويات أخرى
يُرجع الصحفي المقيم بالدانمارك هاني الريس، عدم اهتمام الأحزاب الدانماركية بقضايا اللاجئين، إلى انشغالها بملفات أكثر أهمية بالنسبة لمواطنيهم، وعلى رأسها: أزمة الطاقة، وارتفاع الأسعار، والحرب في أوكرانيا. ويقول الريس للجزيرة نت إن كل ذلك طغى على ملف الهجرة واللجوء، إضافة إلى أن هذه القضية لم تعد ملفًا مطروحًا بقوة في هذا الوقت.
وشهدت الدانمارك انتخابات برلمانية عامة في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وفازت رئيسة الوزراء ميتي فريدريكسن في الانتخابات بفارق يسير، وأصبح الاشتراكيون الديمقراطيون أكبر حزب في البرلمان. وهذه النتيجة تعدّ الأفضل منذ عشرين عامًا بالنسبة للحزب، كما أصبح عدد مقاعد “الكتلة الحمراء” التي تمثّله 90 من أصل 179 مقعدًا.
يُذكر أن انتخابات 2019 أدّت إلى تغيير السلطة بعد 4 سنوات من سيطرة حكومة برجوازية، ثم كوّنت ميتي فريدريكسن من الحزب الاشتراكي الديمقراطي حكومة أقلية بدعم من أحزاب يسار الوسط. ولسنوات عدة، كانت سياسة الهجرة هي القضية الانتخابية ذات الأهمية، ولكن مع انتخابات 2022، هيمنت على النقاش الانتخابي قضايا الرعاية الصحية، والاقتصاد، وتغيّر المناخ.
نهج متفق عليه
ولكن من ناحية أخرى، يقول الريس “إن ملف الهجرة والمهاجرين بات نهجًا متوافقًا عليه -تقريبًا- بين كل الأحزاب الليبرالية واليسارية الوسطية، وأن أفكارهم وبرامجهم متقاربة ومنسجمة مع بعضها في هذا الملف؛ باستثناء عدد من أحزاب اليسار المتشدّدة، والتي تعارض تشديد الخناق على المهاجرين واللاجئين، وتدافع عن قضاياهم الأساسية”.
ومن وجهة نظره، لا يعتقد الريس أن العنصرية تصاعدت كثيرًا في الدانمارك -كما هو في السويد مثلًا- وذلك لأن الأحزاب الشعبوية الدانماركية التي ظلّت ترفع شعار “التشدد والكراهية” أخفقت جميعها في تحقيق تقدّم في الانتخابات الدنماركية الأخيرة.
تغيير جذري
بالمقابل، يرى الكاتب خضير الرميثي أن العنصرية تجلّت بأوسع أشكالها حين سمحت الدانمارك بحرق القرآن الكريم على أراضيها، على حدّ وصفه.
وخلال لقائه بالجزيرة نت، تحدث الرميثي عن تغيير جذري في السياسات الأوروبية، ومنها الدانمارك، خاصة مع تصاعد أحزاب اليمين في بلدان عدة، وذلك انعكس على المهاجرين العرب بشكل عام، خاصة في أماكن العمل”.
ويضيف الرميثي أن الأحزاب الدانماركية “من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار تختلف في كثير من الأمور، ولكنها تتّفق على شيء واحد وهو: التضييق على المهاجرين، وهذا ما نلاحظه في قضايا لمّ شمل العائلات العربية”.
ويقول إن الأحزاب الدانماركية “متّفقة على التشدّد بملف الهجرة والمهاجرين وذلك قبل نتائج الانتخابات، والدليل أن هذا الملف لم يُذكر في حملاتها الانتخابية، ولا حتى في البرلمان”.
وحسب إحصاءات دانماركية، فقد تجاوزت أعداد مسلمي هذا البلد حاجز 320 ألف نسمة حتى عام 2018، بنسبة 5.5% من عدد السكان. ويعود ذلك إلى لجوء أعداد كبيرة من السوريين إليه منذ عام 2015.