لوبس: هذه أخطار الشعبوية التلفزيونية
حذرت مجلة “لوبس” (L’Obs) الفرنسية في تحقيق لها من المخاطر العديدة لانتشار البرامج التلفزيونية الشعبوية، وخاصة تلك البرامج التي تبثها قنوات يسيطر عليها أصحاب الملايير الذين لديهم مشاريع اقتصادية مثيرة للجدل، وخاصة في القارة السمراء.
وتحدث التحقيق بشكل خاص عن برنامج الإعلامي سيريل حنونة، الذي تبثه قناة “سي 8” (C8) الخاصة، المملوكة للملياردير الشهير فانسون بويوري.
وقد صنع برنامج “تي بي إم بي” (TPMP) الحدث خلال الأيام الماضية خلال استضافة النائب عن حزب “فرنسا الأبية” لويس بويار، حيث انهال حنونة مقدم البرنامج ونجم القناة؛ بالسب والشتم بألفاظ ساقطة على النائب لويس بمجرد أن انتقد صاحب القناة الملياردير بويوري وتحدث عن اتهامات موجهة له على خلفية مشاريع مشبوهة له في دول أفريقية.
إنذار
وأكدت المجلة أن هيئة مراقبة الإعلام والفصل في النزاعات “أركوم” (ARCOM) وجهت إنذارا إلى قناة “سي 8” التي تبث برنامج حنونة، على خلفية الحلقة التي تهجم فيها على النائب بويار.
ونقلت “لوبس” عن الخبيرة الاقتصادية جوليا ماغي قولها إنها ترى في قرار “أركوم” عودة للوعي بخطورة “التسامح المبالغ فيه” مع مقدمي البرامج الذين يشعرون بأنهم هم “الأقوى دائما”، وبينهم حنونة الذي أدين لعدة مرات من طرف هيئة مراقبة الإعلام لتجرئه على مخالفة القوانين أكثر من مرة بدون تخوف كبير من العقوبات.
وجرد التحقيق تفاصيل مثيرة عن برنامج “تي بي إم بي” ومقدمه حنونة، وقال إنه يعتمد على سياسة إعلامية تعتمد الركوب على المواضيع “الترند”، ويناقشها مع طاقم الصحفيين الذين يشاركونه تقديم فقرات البرنامج، كما يعتمد مناقشة جميع المواضيع، ويستضيف الشخصيات التي تصنع الحدث.
“نجاح”
سياسة أثبتت نجاحها، حيث بات “تي بي إم بي” من أكثر البرامج متابعة من طرف فئات فرنسية مختلفة، والتي يصفها حنونة بـ “الفئات التي تدير ظهرها لصناديق الاقتراع”.
ووفق “لوبس”، فإن السوسيولوجي فيليب ريوتور يرى أن المقارنة بين برنامج حنونة الذي يتم فيه تخطي المعايير كلها وبين برامج شهيرة مماثلة -كبرنامج لوران ريكييه أو ثييري أرديسون- لا تجوز البتة، لأن لوران وثييري كانا حريصين دائما على ضبط فقرات البرنامج وما يقال فيه، على عكس حنونة الذي “يقدم عن عمد حلقات تافهة، لا تحترم فيها السياسة والخطوط العامة.. إنه صوت الشعبوية الكاملة”.
بالمقابل، يقول حنونة إن برنامجه يوفر مساحة حرية واسعة للضيوف، من دون رقابة، ولذلك يحظى بشعبية كبيرة ليس فقط بين الناس العاديين، ولكن أيضا بين المسؤولين الكبار، على حد تعبيره.
وتضيف “لوبس” أن استطلاعا للرأي أنجز عام 2021 لفائدة مجلة “لوبوان” (Le Point) الفرنسية كشف أن 19% من الفرنسيين يتابعون برنامج حنونة على الأقل مرة واحدة في الأسبوع، والمشاهدون “الأوفياء” ينتمون لفئة الشباب، والعمال، والموظفين، والتجار، وربات البيوت.
شعبوية “السطح”
ونقلت المجلة عن خبراء تأكيدهم أن حنونة يرى في نفسه الوسيط بين “فرنسا الغاضبة” وبين الحكام، ولذلك يبدو كل مساء وكأنه يخاطب “شعبه” الذي يتابعه بشغف، ولا يتردد -بالتالي- في توجيه مختلف أنواع الشتائم لنائب برلماني، مثلما حدث مع لويس بويار.
وكشفت الخبيرة الإعلامية كلير سيكاي للمجلة بأن دراستها لأسلوب عمل برنامج حنونة خلصت إلى أنه يعتمد على عدة عناصر لخلق النجاح والانتشار بين الناس وتفادي أي نقاش عميق بشأن المواضيع الحقيقية المحفزة للوعي الجماعي.
وبيّنت سيكاي أن من بين تلك العناصر التشبث بمبدأ “الضحية الفرد” بحضور الضحية والجلاد، وبذلك يضمن أن ما سيناقش هو الحدث الفردي وليس الظاهرة المجتمعية. وذلك إلى جانب تميز أداء حنونة الذي يحرص على تسيير البرنامج بسلاسة بالغة ولا يخضع أبدا لـ “عُقد” التلفزيون الصارمة التي لا تكاد تجد مرونة فيها.
يضاف إلى ذلك تشبثه بمناقشة المواضيع “الفضيحة”، و”التطبيع” مع المواضيع المثيرة للجدل مثل وصف إحدى الصحفيات المشاركات في البرنامج لزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان بأنها “أم الفرنسيين”، ودعت للتصويت عليها.
ووفق سيكاي، فإن حنونة خلال الحملة الرئاسية الأخيرة، وبرغم استضافته للعديد من المرشحين متناقضي البرامج والإيديولوجيات، إلا أنه كان واضحا للجميع أنه خص اليميني المتطرف المعادي للمهاجرين وللمسلمين بشكل خاص، إريك زمور بتفضيل خاص.
علما أن من بين أبرز الانتقادات الموجهة لبرنامج حنونة أنه يروج لأفكار اليمين المتطرف، ويحرص على استضافة الأصوات الناطقة باسمهم في كل وقت وحين دون أدنى احترام للخطوط السياسية والاجتماعية.