الاخبار العاجلةسياسة

حمة الهمامي للجزيرة نت: هذه أبرز أخطاء اليسار في تونس والبرلمان القادم سيكون مثل “السيرك”

تونس- في حوار خاص مع الجزيرة نت بين يدي الانتخابات التونسية المقررة الشهر القادم، تحدث الأمين العام لحزب العمال التونسي حمة الهمامي عن “الإصلاحات القادمة” التي وصفها محافظ البنك المركزي التونسي “بالموجعة”.

كما تحدّث عن تقييمه موقف اتحاد الشغل من مسار 25 يوليو/تموز 2021 (بدء إجراءات الرئيس قيس سعيّد الاستثنائية)، وعدّد أبرز أخطاء اليسار التونسي خلال العشرية الأخيرة، كما تحدث عما وصف “بالانتماء الأيديولوجي” للرئيس سعيّد.

أولا: الدول التي تريد الحفاظ على سيادتها واستقلالها من الأفضل ألا تلجأ إلى مثل هذه الصناديق لأنها تسهم في تكبيلها، وأتحدى أيا كان يعطيني مثالا أو تجربة واحدة مع صندوق النقد الدولي أدّت إلى ما فيه خير لهذا البلد أو ذاك، بل بالعكس تؤدي دوما إلى تعميق الأزمات والانفجارات الاجتماعية.

ثانيا: قيس سعيّد وحكومته دخلوا في مفاوضات ويتحدثون عن اتفاق مع صندوق النقد الدولي من دون الكشف عن هذا الاتفاق، وهم يخفون مضمونه لأنه مرفوض شعبيا، ولكننا نعرف الخطوط الأساسية التي يصفونها بالإصلاحات أو الإجراءات الموجعة؛ وأهمها رفع الدعم وخصخصة المؤسسات العمومية والأولوية فيها للرأسمال الأجنبي، وهو ما سيحوّل الدولة التونسية إلى مجرد دولة بوليس تجمع الجباية فقط. ثم إن قرض الصندوق ضئيل جدا ولن يوجّه إلى الاستثمار حسب الخبراء.

  • يصف كثيرون المعارضة اليوم “بالضعيفة”، فما ردكم؟ ولماذا لم تؤتِ تحركاتكم أكلها في وقف مسار سعيّد الذي تصفونه “بالانقلاب”؟

هذه أمور نسبية. صحيح أن المعارضة اليوم ليست قادرة على إخراج الملايين إلى الشارع، ولكن السياسة لا يُنظر إليها بهذا الشكل؛ إذ لا بد من التراكم. لدينا فئات وطبقات شعبية يجب أن ينتقل وعيها من حالة إلى حالة، فزين العابدين بن علي لم يسقط بين عشية وضحاها بل بعد تراكمات عدة.

صحيح أن الشعب التونسي عانى من بن علي ومن حكموا في العشرية الماضية، لكن سعيّد لم يأتِ بحلول، بل استغل الوضع ليستبدله بحكم فردي مطلق على رأسه شخص متألّه، مع مواصلة نفس خياراتهم الاقتصادية.

ولكن الحالة الشعبية اليوم تغيّرت عما كانت عليه بعد 25 يوليو/تموز 2021، فقد بدأ التذمّر يكثر والوجه الحقيقي لقيس سعيّد بدأ يظهر من خلال قمع التحركات الشعبية والتضييق على الحريات.

GettyImages 1233266696
الهمامي: قيس سعيّد وحكومته أبقوا على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي سريّا لأنه مرفوض شعبيا (غيتي)
  • من وجهة نظر حمة الهمامي، ما أخطاء اليسار خلال عشرية ما بعد الثورة؟

بالنسبة لليسار “الثوري” الذي أنتمي إليه -خاصة الجبهة الشعبية- اكتست مواقفها بكثير من التردد والغموض، ونحن في حزب العمال قمنا بعدة أخطاء؛ فلم نقدم للشعب برنامجا متكاملا وواضحا، وكان علينا أن نستغل الوضع من أجل أن نلتحم أكثر بالعمال والكادحين؛ فالجبهة كادت أن تتحول إلى مجرد معارضة برلمانية، وكان علينا أيضا أن ننظم صفوفنا أكثر.

أقول هذا لأني أرى أن الجبهة واقعيا انتهت منذ 2016 وليس 2018 عندما حصل الخلاف حول حكومة يوسف الشاهد وإلى يومنا هذا ما يزال قائما، فهناك من انساق وراء قيس سعيّد رغم أنه وجّه إليهم الصفعة تلو الأخرى، وهو يريد تصفية كل المكاسب الديمقراطية التي أتت بها الثورة. إذا كنت لا تريد “النهضة” فلا تبحث عن بديل أسوأ.

اقرأ ايضاً
خالد بن سلمان يجري محادثات مع المبعوث الأمريكي إلى اليمن
123
السياسي التونسي المعارض حمة الهمامي يطالب اتحاد الشغل بموقف واضح من الانتخابات القادمة (الجزيرة)
  • إذا لم يستطع اليسار التونسي على مدى سنوات إقناع الناخب والصعود إلى سدة الحكم، خاصة في الانتخابات النزيهة وفي زمن الديمقراطية، هل سينجح في مرحلة وصفتموها “بزمن الدكتاتورية”؟

في الحقيقة الانتخابات في تونس كانت تتيح للجميع الترشح والقيام بحملة انتخابية، ولكن المناخ الانتخابي هو الذي يحدد النتائج. والعامل الذي كان يتحكم في الانتخابات هو المال الفاسد؛ فهي غير نزيهة، خاصة انتخابات 2019 التي كانت الأسوأ على الإطلاق.

والانتخابات برمتها فاسدة، ولعل أفضلها نسبيا انتخابات 2014 التي شهدت مراقبة موازين القوى لبعضهم البعض، وقيس سعيّد لم يصعد بكوب قهوة كما يروّج.

  • ما تقييمكم لموقف اتحاد الشغل من مسار 25 يوليو/تموز؟

موقف الاتحاد العام التونسي للشغل موقف نقدي، ولا يمكن أن يكون إلا نقديا؛ لأن رفع الدعم وتجميد الأجور وخصخصة المؤسسات العمومية ضرب للقاعدة الاجتماعية للاتحاد؛ فقاعدته النقابية الأساسية موجودة في المنشآت العمومية. ومن الناحية السياسية نتمنى أن يكون موقف الاتحاد واضحا من الانتخابات القادمة لأننا سنكون أمام مجلس “بيادق” يتلاعب بها الرئيس.

  • مع غياب الشخصيات السياسية في الانتخابات، كيف ترون ملامح البرلمان المقبل؟

سيكون مجرد “سيرك”. ويكفي أن ننظر إلى بعض العيّنات التي بدأنا نراها تظهر في وسائل الإعلام والتي تنذر بمشهد شعبوي بائس من دون برامج ولا تنافس. فالرئيس في حد ذاته حين وصل إلى السلطة صرّح بأنه لا يوجد برنامج لديه ولا وعود. وهذا البرلمان لن تكون له سلطة تشريعية، ولا سلطة رقابة على الرئيس، ولا على الحكومة. إذًا هذا المجلس هو محاولة من الرئيس لتمرير مشروعه، وبالتالي لن يكون له وزن في الحياة السياسية، والسلطة ستبقى كاملة بيد شخص “متألّه”.

قيس سعيد/قصر قرطاج/تونس العاصمة/سبتمبر/أيلول 2022 (صفحة رئاسة الجمهورية)
قيس سعيّد تحدث سابقا عن القطع مع أي انتماء أيديولوجي لكن حمة الهمامي شبّه سياساته “بولاية الفقيه” (الصحافة التونسية)
  • في حوار مع الجزيرة نت خلال حملته الانتخابية، قال سعيّد إن برنامجه سيقطع مع كل انتماء أيديولوجي مهما كان نوعه. ما رأيكم في هذا التصريح؟ وهل يُعد سعيّد اليوم مستقلا “أيديولوجيا”؟

قيس سعيّد شعبوي، والشعبوية من أخطر الأيديولوجيات؛ لأنها تُعادي الحريات والديمقراطية والنخب، وكما قال أحد المفسرين: نحن أمام رجل لا يمكن تصنيفه، وهو يستلهم نظرته للعلاقة بين الحاكم والمحكومين من علاقة الله بالناس التي لا تحتاج إلى واسطة حتى يتواصل الإنسان مع خالقه. وبهذه الفكرة البسيطة يؤصّل سعيد نظرته للحكم وفهم الدولة وهي نظرة تقوم على فكرة أن الرئيس لا يحتاج إلى أجسام وسيطة كالإعلام والمجتمع المدني والأحزاب السياسية والطبقة المثقفة.

من الناحية الأيديولوجية السياسية، قيس سعيّد قريب من فكرة “ولاية الفقيه”، وكما قال الصادق بلعيد سيكون لنا رئيس فوق المؤسسات؛ مما يعني أنه شخص “متألّه” لا تحكمه المؤسسات، فهو أقرب لفكرة المرشد أو السلطان، وقد أخرج تونس من معجم الجمهورية.

وشعبوية سعيّد هي مزيج من الدين والقومية والليبرالية؛ فهو يبيع الكلام لمن يريد، وهو لم يخلق هذه الخاصية بل موجودة في العالم، وخير مثال على ذلك دونالد ترامب في أميركا، والنجوم الخمس في إيطاليا، وهم في خدمة أصحاب المال والعائلات الثرية، وأيضا القوى الاستعمارية. فهل تجرّأ بن علي أو بورقيبة على أن يقول عن الاستعمار الفرنسي حماية مثلا؟

  • إذا تقلد حزب العمال السلطة يوما، فما أبرز الإصلاحات الفعلية التي يمكن أن يقوم بها؟

يجب أن نقوم أولًا “بإجراءات إنقاذ”، مثل تأمين قطاعات السيادة كالطاقة والثروة المائية والإصلاح الزراعي وإصلاح المنظومة البنكية وتعليق المديونية؛ فالأرجنتين -مثلا- علّقت المديونية في 2002 وزادت نسبة نموّها رقمين.

ونحن سنعمل على إدماج الاقتصاد الموازي في الاقتصاد المنظّم رسميا؛ إذ لدينا على الأقل نسبة 50% من الاقتصاد الموازي؛ يعني نحو نصف الناتج الوطني الخام وأصحابه لا يدفعون ضرائب، ولا يدفعون للصناديق الاجتماعية، ويعيشون بالمضاربات.

ثم إن الدولة التونسية يجب أن تسترجع أموالها من الخارج، التي تصل إلى 12 ألف مليار دينار (4 مليارات دولار)، وهي أكثر من القرض الذي سيأخذه سعيّد من صندوق النقد.

  • جميع رؤساء الأحزاب الكبرى في تونس يتحدثون عن مراهنتهم على الشباب، لكن لم يسند أي منهم قيادة الحزب للكفاءات الشابة. ألم يحن الوقت؟

أمين عام الحزب ليس رئيس دولة، ولا وزيرا، وتلك أمور مرتبطة بالحياة الداخلية للأحزاب ونحن باقون بإرادة المناضلين وبالانتخابات.

ولا يُعاب -مثلا- على رئيسة الحكومة الألمانية ميركل التي بقيت في الحكم 16 عاما، أو الرئيس الأميركي جو بايدن (عمره 80 سنة). فالقضية سياسية وليست “مسألة شباب” كما تروج له البرجوازية ولا تطبقه.

ثم إن الديمقراطية ليست شكلية، والأمين العام في حزب العمال شخصية معنوية ولا سلطة تقريرية أو تنفيذية له، ونحن نمزج بين الأجيال.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى