الاخبار العاجلةسياسة

إطلاق سراح المتهم بسرقة القرن.. خبراء عراقيون يتحدثون للجزيرة نت عن إمكانية استعادة الأمانات المنهوبة

بغداد– أثارت عملية إطلاق سراح المتهم الأول في ما تعرف بالعراق بـ”سرقة القرن”، رجل الأعمال نور زهير جدلا واسعا في الأوساط القانونية ووسائل الإعلام، بين من يرى أن إجراء المحكمة بإطلاق سراحه بكفالة لحين استرداد الأموال المتبقية من السرقة صحيحا، ومن يؤكد أن هناك سبلا أخرى لاسترداد بقية الأموال دون اللجوء إلى إطلاق سراحه، ومحاكمته بعد استرداد الأموال المسروقة بالكامل.

وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أعلن -في مؤتمر صحفي يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي- استرداد جزء من الأموال المسروقة من الأمانات الضريبية، مؤكدا استرداد 182 مليار دينار (نحو 125 مليون دولار)، بنسبة 5% من أصل المبلغ المسروق الذي يبلغ نحو 2.5 مليار دولار الذي كان مودعًا في مصرف الرافدين الحكومي.

وقال السوداني إن القاضي المختص أصدر أمرًا بإطلاق سراح نور زهير بكفالة، مقابل تعهده بتسليم كامل المبلغ المسروق خلال مدة أسبوعين من تاريخه، مشيرا إلى أن القسم الأكبر من المبلغ لدى المتهم عبارة عن عقارات وأملاك، ومبينًا وجود اتفاق بين محكمة تحقيق الكرخ الثانية في بغداد والمتهم لجدولة استرداد كامل المبلغ الذي بحوزته.

6 2
السوداني لدى إعلانه استرداد 125 مليون دولار من أموال الأمانات الضريبية المسروقة (مواقع التواصل)

قضية جنائية

وفي تعليقه على عملية إطلاق السراح المؤقتة بحق المتهم بكفالة، أكد رئيس هيئة النزاهة الأسبق موسى فرج أن سرقة أموال الدولة بموجب قانون العقوبات العراقي تعد جناية تصل عقوبتها للسجن 10 سنوات، لافتًا إلى أن قانون التضمين لسنة 1994 ذهب إلى أبعد من ذلك؛ إذ نص على ألا يطلق سراح المحكوم عن جريمة اختلاس أو سرقة أموال الدولة بعد قضائه مدة الحكم ما لم تسترد منه الأموال المسروقة، مستدركا بالقول “إن جريمة السرقة عموما تختلف العقوبة فيها تبعا لظروف ارتكابها، مبينا أن العقوبة فيها تتراوح بين السجن المؤقت والمؤبد”.

وأشار فرج -للجزيرة نت- إلى أن العقوبة في قانون التضمين تعتمد على التكييف القانوني للتهمة من قبل القاضي، ولذلك قد يرى القاضي أنها مشمولة بالكفالة وربما لا يشاطره الرأي قاضٍ آخر، موضحا كون مبلغ السرقة ضخمًا وكون الجريمة تطال أموال الدولة بالذات، فإن ذلك لا يترك مجالا إلا باعتبارها جناية وتتوفر فيها كل مقومات الظروف المشددة.

إجراء قانوني

وفي معرض توضيحه إجراءات إطلاق سراح المتهم بكفالة، التي أثارت جدلا في الأوساط القانونية، قال قاضي محكمة تحقيق الكرخ في بغداد، المختصة بقضايا النزاهة، ضياء جعفر إن عملية إطلاق سراح  المتهم الأول بسرقة الأمانات الضريبية بكفالة مالية تمت استنادًا لما ورد بقانون أصول المحاكمات الجزائية، بعد أن أبدى المتهم استعداده لتسليم المبالغ المالية المترتبة بذمة شركاته وإجراء التسوية المالية خلال فترة زمنية محددة، مشيرا إلى أن جميع العقارات التي اشتراها المتهم محجوزة ولن يرفع عنها الحجز لحين اكتمال التحقيقات.

وفي وقت سابق، بيّن جعفر -في حديث لوكالة الأنباء العراقية (واع)- أن المتهم سيحال إلى المحكمة المختصة لإجراء محاكمته أصوليا بعد تسديده كامل المبالغ الذي بحوزته، مشيرا إلى أن قبول المحكمة بما عرضه المتهم من التسوية المالية يرجع لعدم وجود مانع قانوني يحول دون ذلك، إضافة إلى أن استحصال المبالغ المالية المسروقة بعد صدور أحكام مكتسبة درجة القطعية يستوجب إجراءات مطولة من دوائر التنفيذ لبيع العقارات عن طريق إجراء المزايدات، الأمر الذي قد يمتد لمدة زمنية طويلة، وفق تعبيره.

وبحسب جعفر، فإن لدى المتهم عقارات واستثمارات تفوق المبلغ الإجمالي للأموال المسروقة من التأمينات الضريبية، حيث استبعد إمكانية هروب المتهم خارج البلاد بعد خروجه بكفالة مالية، قياسا بحجم استثماراته وعقاراته المحجوزة من قبل المحكمة باعتبار أن ذلك سيتيح للدولة مصادرتها.

حصرية - الخبير القانوني علي التميمي
الخبير القانوني علي التميمي: قاضي التحقيق يمتلك صلاحيات تخوله إطلاق سراح المتهم وفق مواد قانونية (الجزيرة)

سابقة خطيرة

أما رئيس هيئة النزاهة الأسبق القاضي رحيم العكيلي (2008-2011)، فقد عدّ -في حديث صحفي- قرار إطلاق سراح المتهم الرئيسي بكفالة مالية بـ”سابقة خطيرة” في تاريخ القضاء العراقي، مشددا على “أنه لا يمكن إطلاق سراح متهم بسرقة أي مبلغ من أموال الدولة، سواء كان بسيطا أو ضخما، بل يجب إيداعه التوقيف حتى يحين موعد محاكمته، خاصة أن جميع الأدلة ثابتة على قيامه بالجريمة، وقد اعترف علانية بالسرقة”.

اقرأ ايضاً
المتحدث باسم وزارة الصحة: السعودية في "مرحلة حرجة"!!

في غضون ذلك، يرى الخبير القانوني علي التميمي أن قاضي التحقيق يمتلك صلاحيات تخوله إطلاق سراح المتهم وفق مواد قانونية، مؤكدا -في حديثه للجزيرة نت- أن إجراء المحكمة الخاص بإطلاق سراح المتهم الأول في ما تعرف بـ”سرقة القرن” بكفالة صحيح وموافق للقانون العراقي، وأنه جاء وفق أصول المحاكمات الجزائية، ومن ضمن صلاحيات قاضي التحقيق، طبقا للمادتين القانونيتين (109 و110) من قانون الأصول الجزائية، إذ إن المادة القانونية الموقوف بها المتهم تقبل الكفالة المشروطة بتسليم المبالغ موضوعة الدعوى.

وتنص المادة (109) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969، وضمن الحالات الخاصة التي ينص علیھا القانون “يجوز للمحكمة أن تأمر بوضع المحكوم علیه بعقوبة الحبس لمدة سنة فأكثر، تحت مراقبة الشرطة، وبعد انقضاء عقوبته، مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على مدة العقوبة المحكوم بھا، على أن لا تزيد بأي حال على 5 سنوات” وفق التميمي.

ويضيف للجزيرة نت أن المادة (110) تنص على أن مدة المراقبة تبدأ “من الیوم المحدد في الحكم لتنفیذھا، ولا يمد التاريخ المقرر لانقضائھا إذا تعذر تنفیذھا نظرًا لقضاء المحكوم علیه مدة الحبس أو لتغیبه عن محل مراقبته لسبب ما”.

وأوضح أن هذا الإجراء لا يعني إسقاط التهم عن المتهم، بل أن الدعوى ستحال إلى المحكمة المختصة، وفقا لمادة الاتهام بعد استكمال الإجراءات التحقيقية، مشيرا إلى أن هذا الإجراء ينطبق مع السياسة الجنائية التي تروم تحقيق المصلحة العامة وفق قاعدة “إذا تضاربت مصلحتان تفضل المصلحة العامة على الخاصة”، بحسب التميمي.

محمود داغر2 (مواقع التواصل)
محمود داغر: الأموال المستردة من المتهم ستعود للدولة (مواقع التواصل)

عقارات المتهم

وعن كيفية تحويل العقارات إلى أموال لتعود تباعا إلى خزينة الدولة، أكد الخبير المالي محمود داغر أن الأموال المسروقة ستعود إلى مصارف الدولة بعد استردادها من المتهمين بالسرقة، مشيرًا إلى أن إطلاق سراح المتهم نور زهير جاء بسبب وجود عدد كبير من العقارات التي اشتراها لكنها غير مسجلة باسمه للتمويه، وبذلك يحتاج إلى مواجهة هؤلاء لإرجاع تلك العقارات.

وتساءل داغر -خلال حديثه للجزيرة نت- عن مصير الأموال التي تم تحويلها إلى الخارج ضمن السرقة نفسها، لا سيما أن هذه المسألة تحتاج إلى إثبات وحسابات وتقديرات لاستكمال القضية، ومن ثم رفعها إلى الشرطة الدولية (الإنتربول)، وهذا ممكن إذا ما صدقت النيات، حسب تعبيره.

1 3
الساعدي رأى أن استرداد الأموال يعتمد على تعاون المتهم نفسه مقابل صفقة تخفيف الأحكام ضده (الجزيرة نت)

الأموال المهربة

وبشان إمكانية استعادة الأموال المهربة خارج العراق وسبل إعادتها إلى الدولة، يؤكد المستشار القانوني لمبادرة الشفافية العراقية المحامي محمد مجيد الساعدي -للجزيرة نت- أن ذلك ممكن وربما لا تكون هناك حاجة للإنتربول، إذ إنه يعتمد على مدى تعاون المتهم نفسه في استرداد هذه الأموال مقابل صفقة تخفيف الأحكام ضده، وبذلك تكون آلية استردادها سهلة وممكنة.

وبشأن إمكانية تمديد المهملة الممنوحة للمتهم لاسترداد الأموال، يوضح الساعدي أن ذلك ممكن أيضا، خاصة أن محكمة تحقيق الكرخ اتخذت قرار إطلاق سراح المتهم لسبب واحد فقط، ويتمثل في استرداد الأموال المنقولة (المبالغ النقدية) وغير المنقولة (العقارات والأملاك والأراضي)، مؤكدا أن بإمكان المحكمة التمديد لحين استرداد أكبر مبلغ من هذه الأموال وإعادتها إلى خزينة الدولة، فضلا عن إمكانية بيعها للمصارف الحكومية أو تسجيل المتهم لهذه العقارات باسم وزارة المالية نفسها أو بيعها للمصارف الأهلية، وفق الساعدي.

وكان قد ألقي القبض على نور زهير يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بأوامر من وزير الداخلية حينها عثمان الغانمي، وذلك خلال محاولة زهير الهروب خارج البلاد عن طرق مطار بغداد الدولي عبر طائرة خاصة، في حين أصدر القضاء العراقي مذكرات قبض ومنع سفر بحق مديرين مفوضين لعدة شركات متهمين بسرقة مبلغ 2.5 مليار دولار من أمانات الضرائب.

جدير بالذكر أن المتهم واسمه الكامل نور زهير جاسم المظفر، والمصنف رجل أعمال وكنيته أبو فاطمة، من مواليد بغداد 1980، حيث سبق له العمل في الموانئ العراقية، قبل أن يعمل مستشارا بمكتب رئيس اللجنة المالية النيابية السابقة.

وتشير تقارير إلى أن نور زهير يمتلك أكثر من 20 عقارا فخما ببغداد، فضلا عن أموال وشركات.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى