انسحاب تكتيكي أم فشل ذريع.. ماذا تعني رغبة العسكر السوداني في حكم مدني تام؟
باتفاق إطاري أجّل النظر إلى حين في بعض القضايا التي وصفت بالجوهرية يمضي السودان بأزمته نحو مرحلة جديدة يفترض فيها أن تؤسس لسنتين من الحكم الانتقالي المدني، لتبقى الوجهة الإستراتيجية وفق منطوق الاتفاق وما أطلق بشأنه من تصريحات متفائلة التمكين لحكم مدني ديمقراطي مستدام.
وقّع عدد من القوى المدنية ومجلس السيادة في السودان اتفاقا سياسيا إطاريا يؤسس لمرحلة انتقالية مدتها 24 شهرا، ونص الاتفاق على أن المرحلة الانتقالية تبدأ من تاريخ تعيين رئيس للوزراء وتنتهي بإجراء انتخابات شاملة.
ومن بين النقاط المهمة التي ينص عليها الاتفاق دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، وجرّم الانقلابات العسكرية وكل تغيير سياسي خارج الأطر الدستورية، فيما رفضت قوى مدنية سودانية أخرى الاتفاق، وأكدت أنه أدى إلى انشقاقات داخلية، ولم يحظ بتوافق بقية القوى السياسية.
وألزم الاتفاق السلطات الانتقالية بتحقيق العدالة الانتقالية وكشف الجرائم ومحاسبة مرتكبيها، كما نص على تقويم وتقييم اتفاق جوبا للسلام مع اعتباره جزءا من الوثيقة الدستورية.
انسحاب أم فشل؟
ومن وجهة نظر المكون العسكري، فإنه من خلال هذا الاتفاق يؤكد العسكر رغبته في حكم مدني كامل خلال المرحلة الانتقالية، وكذلك رغبته في الخروج من المشهد السياسي بشكل تام، حسب ما جاء في حديث الفريق أول فتح الرحمن محيي الدين الخبير العسكري وقائد سلاح البحرية السوداني الأسبق لبرنامج “ما وراء الخبر” (2022/12/5).
لكن الأمر مرهون أيضا بالمكونات السياسية المدنية التي يجب عليها أن تعتمد الاتفاق لكي تتوسع قاعدة المشاركة، حيث كانت هناك شكوك بأن المكون العسكري متشبث بالسلطة ولا يرغب في التنحي عن الحكم بالبلاد، غير أن هذا التوقيع بشهادة المجتمع الدولي يؤكد أن المكون العسكري يجزم بحكم مدني كامل في حال توافق المكونات السياسية.
أما من جانب المكون المدني فيؤكد الكاتب والمحلل السياسي أشرف عبد العزيز أن القوى المدنية كانت لديها رغبة دائمة في التوصل إلى اتفاق وتفاهمات، وغالبا ما كان العسكريون يؤججون الفتن والصراعات، ولكنهم تراجعوا بعد إحساسهم بالفشل الذريع ولم يكن لديهم مناص إلا القبول بالحل السياسي السلمي لحل الأزمة التي صنعوها.
واعتبر عبد العزيز أن الكرة ما زالت بيد العسكريين، حيث لا تزال بعض القضايا المعلقة، خاصة تلك الخاصة بالعدالة الانتقالية والحصانات الإجرائية، وكذلك قضايا تفكيك نظام 30 يونيو/حزيران.
تصريحات رسمية
وتوالت التصريحات الرسمية بشأن هذا الاتفاق، حيث قال ممثل القوى المدنية المشاركة إن الاتفاق يهدف إلى توحيد السودانيين تحت راية مشروع إقامة سلطة مدنية بغية استكمال الانتقال الديمقراطي وتحقيق أهداف الثورة.
أما رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان فقال إن الاتفاق يعني توافقا على قضايا وطنية لا بد من وضع حلول لها بمشاركة واسعة من القوى السياسية.
من جانبه، أكد محمد حمدان حميدتي نائب رئيس مجلس السيادة السوداني أن بناء الدولة الديمقراطية يتطلب الاعتراف والاعتذار عن أخطاء الدولة تجاه الشعب السوداني، وتحقيق العدالة الانتقالية لرد المظالم، وفق تعبيره.
كما اعتبر الممثل الأممي في السودان فولكر بيرتس أن توقيع الاتفاق السياسي الإطاري بين قوى مدنية ومجلس السيادة جاء ثمرة جهود الأطراف السودانية لإيجاد حل للأزمة وإعادة النظام الدستوري.
في الأثناء، شهدت مناطق في العاصمة السودانية الخرطوم خروج احتجاجات دعت إليها ما تعرف بلجان المقاومة، رفضا للاتفاق السياسي الموقع بين قوى مدنية ومجلس السيادة.