كركوك العراقية.. محاولات الأكراد لضمها تواجه تحذيرات من حرب أهلية
لا تزال محط خلاف كبير بين الحكومة الاتحادية في بغداد وبين حكومة إقليم كردستان، إنها مدينة كركوك العراقية الغنية بالنفط والتي تعد خامس أكبر مدينة بالبلاد من حيث عدد السكان وتبعد عن العاصمة المركزية 240 كيلومترا إلى الشمال.
القصة بدأت عام 2005 عندما أقر الدستور العراقي الجديد، ونصت المادة 140 منه على أن يجري استفتاء للسكان في المناطق التي يرى الأكراد أنها تضم غالبية كردية بمحافظات عديدة مثل نينوى وصلاح الدين وديالى، وكركوك التي تعد الأهم.
أزمة مستمرة
ورغم أنه -ومنذ الغزو الأميركي عام 2003- تشكلت بالعراق 7 حكومات كاملة الصلاحيات، إلا أن الأطراف السياسية لم تفلح في التوصل لحل هذه المعضلة التي عاد الحديث عنها مؤخرا عندما أعلن وزير العدل خالد شواني، في 28 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، موافقة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني على إعادة تشكيل اللجنة العليا لتفعيل المادة 140 الدستورية المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها، مما أثار جدلا واسعا وصل حد تحذير البعض من حرب أهلية في حال المضي بالإجراءات سيما في كركوك.
ويطالب الأكراد بضم كركوك إلى إقليم كردستان انطلاقا من أن المدينة تتمتع بغالبية كردية بالأساس، إلا أنه في فترة النظام السابق (ما قبل عام 2003) تعرضت لتغييرات ديموغرافية سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، تمثلت بتهجير عائلات عربية من الجنوب والوسط إليها، مما أدى لتغير ديموغرافي لصالح المكون العربي على حساب الكردي.
أهمية كركوك
وفيما يتعلق بأهمية كركوك للأكراد، يرى الصحفي الكردي سامان نوح أن كركوك كانت مهمة بالنسبة للأكراد، إلا أن أهميتها زادت بعد أن اكتشف إقليم كردستان السنوات الأخيرة أن حقول نفط الإقليم ليست واعدة باحتياطاتها، مشيرا إلى أن نحو ثلث ما تصدره كردستان من نفط لحسابها يأتي من حقول نفطية تابعة إداريا لمحافظة كركوك.
وأضاف: في حال خسر الأكراد صراع ضم المدينة فسيشكل خسارة اقتصادية كبيرة وانتكاسة لمشاريع قومية استمرت لعقود طويلة، وشكلت أحد أهم محاور الخطاب القومي الكردي.
ويؤكد ما ذهب اليه نوح تصريحات رئيس وزراء إقليم كردستان مسرور البارزاني الذي أكد، الثلاثاء، مساعي حكومته لتنويع مصادر الدخل، مضيفا أنه لن يكون هناك نفط في المستقبل، معلقا في مقابلة صحفية محلية “علينا الاعتماد على الزراعة، وإذا طورنا هذا القطاع فلن يكون هناك خطر على الأمن الغذائي لكردستان، ففي أي بلد الزراعة هي الأساس لاقتصاد قوي”.
مخاوف سياسية
في غضون ذلك، أعاد قرار تشكيل لجنة -تعطلت عام 2014- المخاوف من أن تتسبب في تصدع الوضع السياسي مجددا بين بغداد والإقليم، خاصة أنها تعد نقطة خلاف مركزي بين الطرفين، فضلا عما يمكن أن تسببه من عودة الخلافات السياسية، سيما أن وزير الإعمار والإسكان بالحكومة الاتحادية وعضو الحزب الديمقراطي الكردستاني بنكين ريكاني كان قد أكد أن الاتفاق لإعادة تفعيل اللجنة المعنية بتشكيل المادة كان ضمن اتفاق جميع القوى الموقعة على وثيقة تأسيس ائتلاف إدارة الدولة إبان التفاهمات السياسية التي أفضت لتشكيل حكومة السوداني.
وفي حديث سابق للجزيرة نت، أكد ريكاني أن عدم الالتزام بهذه التعهدات يجعل كل طرف سياسي في حِل من التزاماته، مما يهدد مستقبل الحكومة الحالية التي جاءت بعد مخاض سياسي عسير استمر أكثر من عام بعد الانتخابات الأخيرة في أكتوبر/تشرين الأول 2021.
تلويح بالتدويل
أما الموقف الكردي من جهة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، فقد عبر عنه عضو البرلمان الاتحادي جياي تيمور -الذي اعتبر أن عدم تطبيق المادة 140 يعد إخلالا بالاتفاقات السياسية وإخلالا بالوعود- الأمر الذي قد يدفع الأكراد لطلب تدويل القضية والتحكيم الدولي، لافتا في الوقت ذاته إلى أن فرص تطبيق المادة ستبقى ضعيفة في ظل الظروف الحالية والعقلية السياسية السائدة.
وبيّن تيمور -في حديث سابق للجزيرة نت- أن قضية كركوك تمثل مسألة حساسة وقنبلة موقوتة بين الإقليم وبغداد، كما أنها معرضة للانفجار في أي لحظة، لذا يجب أن تسعى كل الأطراف لإيجاد حل عادل قابل للتنفيذ من روح وطنية صادقة بعيدة عن الانحياز المذهبي والقومي، وأن تنصف من تعرضوا للتمييز من قبل حكومات سابقة، بحسب تعبيره.
في غضون ذلك، يرى رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري أنه -ورغم تضمين المادة 140 اتفاقيات تحالف إدارة الدولة لتشكيل الحكومة- فإن بعض الأطراف قد تتنصل من تطبيقها، بما يجعل من الصعوبة بمكان تطبيق هذه المادة، لافتا إلى أن مسألة المطالبة بتطبيق المادة يخدم الحزب الديمقراطي الكردستاني للحد من تداعيات الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان عن العراق عام 2017، وفق تعبيره.
تحذير من حرب أهلية
تعد محافظة كركوك عراقا مصغرا، إذ تضم 4 أقضية إدارية هي كركوك والحويجة وداقوق والدبس، وتضم خليطا سكانيا متنوعا من الأكراد والعرب من السنة والشيعة والتركمان (سنة وشيعة) والآشوريين المسيحيين، وبحسب المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي فإن عدد سكان المحافظة يبلغ 1.75 مليون نسمة. أما عن عدد سكان المكونات التي تسكن المحافظة، فقد أكد للجزيرة نت أن الوزارة لا تمتلك معلومات عن حجم المكونات للمحافظة سواء كانوا عربا أو أكرادا أو من التركمان.
ولم تمض أيام على أنباء تفعيل لجنة المناطق المتنازع عليها حتى ظهرت تحذيرات من اندلاع حرب أهلية في كركوك في حال ضمها لإقليم كردستان، إذ حذر مجموعة من النواب التركمان في مؤتمر صحفي من أن المضي بإجراءات المادة 140 قد يؤدي لحرب أهلية في المحافظة.
وجاءت هذه التحذيرات على لسان رئيس الجبهة التركمانية حسن توران الذي قال خلال مؤتمر صحفي بكركوك السبت الماضي في بغداد “إن ما تم تداوله من قبل بعض المسؤولين حول إحياء المادة 140 من الدستور العراقي والذي أشير إليها في البرنامج الحكومي بتواطؤ الجميع وبتغييب التركمان، فإن موقف التركمان الواضح هو أن هذه المادة فشلت في إيجاد حلول مستدامة سلمية لقضية كركوك”.
واستدل توران خلال مؤتمره الصحفي بقوله “إن تقرير بعثة الأمم المتحدة حول هذه المادة قد أشار وبشكل جلي إلى أن ما ورد من فقرات بهذه المادة كالاستفتاء قد يكون سبباً في إشعال الحرب الأهلية بين مكونات كركوك” بحسب نص البيان.
نتائج كارثية
أما النائب التركماني والرئيس السابق للجبهة التركمانية أرشد الصالحي، فأكد أن هيمنة أي طرف على آخر في كركوك سيؤدي لنتائج غير واقعية، بما لا يعكس الوضع الاجتماعي السائد الآن بالمحافظة.
ويرى -في حديثه للجزيرة نت- أن المادة 140 فشلت في إيجاد الحلول منذ إقرارها، لافتا إلى أن تطبيقها دون التشاور مع التركمان سيؤدي لعدم رضا التركمان والعرب، مبديا تخوفه من أن تكون نتائج تطبيق هذه المادة كارثية على المحافظة.
وتابع -في حديثه للجزيرة نت- أن الإجراءات التي قد يتخذها التركمان إزاء ذلك تستند لقرار مجلس النواب عام 2017 وأن تكون ملفات الأمن والسلطة بالمحافظة تابعة للحكومة الاتحادية، منبها إلى وجود مقترح يحظى بموافقة التركمان والعرب بكركوك، في أن تكون هناك فدرالية خاصة لكركوك دون الانضمام لأي إقليم، بحسبه.
صعوبات
لا يمكن تطبيق المادة 140 من الدستور دون المضي بالإجراءات التي نصت عليها، وهو ما يؤكده الخبير القانوني علي التميمي، إذ يرى أن قرار المحكمة الاتحادية 71 لعام 2019 أكد بقاء المادة 140 من الدستور وضرورة تطبيقها من خلال التطبيع والاستفتاء وتحديد إرادة الناخبين.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح التميمي أن التطبيع يعني إعادة المرحلين وتخيير الوافدين وتعويض المتضررين، حيث قدرت التعويضات بـ 3 مليارات دولار، لافتا إلى أن رسم الحدود يعد بالغ الأهمية، معلقا “لابد من تحديد المناطق المشمولة بهذه المادة سواء في الموصل أو كركوك وهل تطبق على أجزاء منها أم كلها وهل تُعتمد حدود 1968 أم لا، كل ذلك يحدده قرار من مجلس الوزراء”.
وأوضح أن الإحصاء السكاني مهم جدا قبل المضي بتطبيق المادة الدستورية، إذ أنه سيحدد الأشخاص الذين يحق لهم التصويت، فضلا عن ضرورة تحديد ذلك من خلال الاتفاق على الإحصاءات السكانية السابقة وأي منها سيعتمد لتنفيذ المادة الدستورية، الأمر الذي يستوجب على البرلمان تحديد ذلك بدقة من خلال قانون يقره النواب.
ويذهب في هذا المنحى، الصحفي الكردي سامان نوح الذي يرى أنه -ومع غياب أي استفتاء يحدد حجم نسبة كل مكون بمحافظة كركوك- لا يزال الجدل مستمرا بشأن هويتها ومصيرها، مضيفا أنه ووفق النتائج الانتخابية الأخيرة، فإن الأكراد يشكلون أغلبية فيها، إلا أنها ليست حاسمة، في حين يشكل العرب المكون الثاني الأكبر، ومع التركمان سيشكلون نوعا من التوازن مقابل الأكراد.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح نوح أن المكونين العربي والتركماني متوافقان على منع ضم المحافظة لإقليم كردستان، بل ويحذران من أن إعادة السيطرة العسكرية الكردية عليها أو المضي بأي خيار يحسم مصيرها لصالح الكرد سيفتح باب صراع قومي في المدينة، بحسبه.
ليس هذا فحسب، إذ يرى أن ما يزيد من احتمالات فشل أي تسوية، بشأن كركوك، هو وضع الكرد اليوم الذي لم يعد قادتهم يملكون فيه القوة التي كانت بحوزتهم بين عامي 2003 و2013، إذ باتوا منقسمين ومتصارعين داخل الإقليم وخارجه، ولا يملكون رؤية موحدة ولا أدوات عمل مشتركة، بحسب تعبيره.
رفض إقليمي
أما عن الموقف الإقليمي، فيعتقد نوح أن إيران مع إبقاء كركوك خاضعة للحكومة الاتحادية لمنع توسيع إقليم كردستان، وهو ما ينطبق على تركيا التي -ورغم أنها تتمتع بعلاقات جيدة مع الحزب الديمقراطي الذي يقود فعليا إقليم كردستان- إلا أنها ترفض بشدة تسليم المحافظة للأكراد.
ويذهب في هذا المنحى إحسان الشمري -في حديثه للجزيرة نت- مضيفا أنه لا يمكن فصل قضية كركوك عن البعد الإقليمي المتمثل بتركيا وإيران، حيث يرى أن هاتين الدولتين لن تسمحا لإقليم كردستان بالتحول الى دولة من ضمنها كركوك مهما كانت مستوى علاقة الإقليم مع هاتين الدولتين، لافتا إلى أن تركيا كانت قد لوحت بأن ضم كركوك للإقليم غير مسموح.