60% من محطات التوليد طالها القصف.. كيف يواجه الأوكرانيون نقص إمدادات الكهرباء والماء؟
كييف- كان قدَر مئات الآلاف من سكان مدينة أوديسا الساحلية جنوبي أوكرانيا أن يبيتوا ليلتهم -أمس الاثنين- من دون مياه أو كهرباء؛ فالقصف الروسي الواسع الأخير على منشآت الطاقة والبنى التحتية الحيوية الأخرى ألحق بها أمس أكبر الضرر، بالمقارنة مع 13 منطقة أخرى طالها القصف.
وما أوديسا إلا آخر حلقة في مسلسل القصف الذي بات دوريا على تلك المنشآت، والذي يحرم -حتى يومنا هذا- ما لا يقل عن 10 ملايين نسمة من إمدادات الكهرباء والمياه، وما يتصل بها من خدمات التدفئة والاتصالات والإنترنت، أي انقطاعها عن نحو ثلث من تبقى من سكان أوكرانيا فيها.
لكن النسبة الباقية من السكان تعيش واقعا جديدا صعبا أيضا، وإن كان أقل سوداوية، فالكهرباء تنقطع بصورة دورية، لفترات تتراوح بين ساعتين و8 ساعات، أو بصورة طارئة لفترات أطول من ذلك بكثير، ومن غير جداول زمنية معينة، بعد أن أتى القصف على نحو 60% من محطات التوليد في البلاد.
برد أقسى من نيران الحرب
كل هذا يتزامن مع حلول فصل الشتاء، وتراجع درجات الحرارة في عموم البلاد إلى ما دون الصفر، وصولا إلى 10 درجات تحت الصفر في بعض المناطق، الأمر الذي يراه كثيرون أقسى وأشد عليهم من نيران الحرب ذاتها.
ذلك لأن البرد دخل كل البيوت خلال الأسبوع الماضي، ويهدد بأن يكون ضيفا ثقيلا دائما عليها، إذا ما استمر قصف منشآت الطاقة.
نمط حياة جديد
كل ما سبق ينعكس بشكل واضح على نمط حياة الأوكرانيين، الذي بات يُنظَّم -في البيت والعمل- على أساس انقطاع الكهرباء، الذي أوقف بدوره معظم وسائل المواصلات الكهربائية، وسبب كثيرا من حوادث المرور، وألغى كثيرا أيضا من عادات الحياة السابقة، وحتى حاجاتها الضرورية.
في أحد المباني السكنية بالعاصمة كييف، قالت السيدة لودميلا (72 عاما) للجزيرة نت “أخشى الخروج من بيتي، حتى لا أضطر لصعود الدرج حتى الطابق التاسع إذا توقف المصعد؛ كثير من الجيران علقوا فيه من دون سابق إنذار. وإذا اضطررت لشراء طعام أو دواء أطلب من الجيران ذلك، أو أصبر على الجوع والألم حتى اليوم التالي”.
وتضيف “لست وحدي من يعاني؛ أنظر إلى الشارع، لا تجرؤ أم على الخروج والتنزه مع عربة طفلها، للأسباب ذاتها”.
وفي هذا الإطار، انتشرت ظاهرة جديدة في كثير من مصاعد المباني السكنية، حيث يترك السكان صندوقا يحتوي على شيء من الماء والطعام وغيرها من الحاجيات، لإعانة “العالقين” على تحمل ساعات طويلة من الانتظار قبل عودة الكهرباء، أو إخراجهم.
وفي السياق ذاته، يقول الشاب أنتون -للجزيرة نت- “هواتفنا النقالة تحولت إلى مصابيح، وحضور كل مباريات بطولة كأس العالم التي انتظرناها بات ترفا وحلما صعب المنال. نشكر الرب، لأن كثيرا من النساء والأطفال خارج البلاد، ولا يعيشون هذا الواقع”.
أوكرانيا تنشر نقاط صمود
هذا الواقع يشغل الجميع، لا سيما أن الشتاء لا يزال في أوله، والقادم قد يكون أشد وأخطر، في ظل دعوات و”تلميحات” مسؤولين إلى ضرورة “ترك المدن”، واللجوء إلى دفء الحطب في القرى.
أما السلطات، فعمدت إلى نشر نحو 4800 موقع في شتى المناطق، ضمن مدارس وجامعات وأقسام شرطة وغيرها من المباني والمقار العامة والحكومية، أو حتى من خلال نصب خيام خاصة سمتها “نقاط الصمود”، أو نقاط “حياة لا تقهر”.
وهذه النقاط مزودة بمولدات كهرباء لشحن الهواتف وتشغيل المدافئ، وكذلك بمياه وشبكة إنترنت وكراسي وحتى أسرّة، إضافة إلى توفر بعض الأطعمة، وإمكانية احتساء الشاي الساخن.
مقارنات وحسرات
في هذه النقاط، تدرك أن الحرب ألقت بتداعياتها على جميع الفئات؛ فالخيام -على سبيل المثال- لم تعد للمشردين كما جرت العادة سابقا، إذ أصبحت تضم بين أركانها الأمهات المرضعات، والأطفال من طلاب المدارس.
في إحدى هذه الخيام، قالت السيدة نتاليا -للجزيرة نت- “طوال الوقت، أفكر بما آلت إليه حالنا. لم نكن نتخيل أن هذا سيحدث، وأن الحصول على كوب ورقي من الشاي الساخن غير اللذيذ سيشعرنا بشيء من النصر”.
ويقول أندري -الذي كان يجلس مع 3 من أبنائه في المكان- “أتيت فقط ليتأقلم أولادي مع الخيمة، حتى لا يسبب المجيء صدمة نفسية لهم إذا ساءت الأمور”.
إصرار على التحمل
وكلما ابتعدنا عن المدن في بعض المناطق، نجد الظروف أسوأ بكثير، ولكن تبرز في تحديها إرادة قوية، لدرجة يصعب تخيلها.
في خيمة “صمود” ببلدة “هورينكا” في ضواحي كييف، أمام أحد المباني السكنية التي قصفها الروس خلال شهري فبراير/شباط ومارس/آذار الماضيين، قابلنا السيدة ناديا (68 عاما) التي تحدثت للجزيرة نت قائلة “بيتي -حاليا- كالشارع، فلا كهرباء ولا مياه ولا تدفئة ولا غاز، وكلها لن تعود قريبا، فالمبنى دُمر، ولا ينفع معه الإصلاح”.
وتضيف “الجدران الباردة تمنح قلبي الدفء، وهي أحن عليه من بيوت النزوح واللجوء، التي أشعر فيها بالذل، مهما كان التعامل معي حسنا فيها”.
ورغم أن دموعها تنهمر قهرا، فإن السيدة ناديا تؤكد أن “الأوكرانيين لا يُقهرون، وأنهم سينتصرون على البرد كما انتصروا على الروس في البلدة قبل شهور”؛ وتتساءل “ما الذي فعلناه لبوتين ليفعل بنا كل هذا؟ لم نؤذ أحدًا، ولم يبق أحد منا من دون أذى”، على حد قولها.