الاخبار العاجلةسياسة

الذكرى 12 للثورة التونسية.. لماذا بقيت المشاريع المرصودة لسيدي بوزيد حبرا على ورق؟

سيدي بوزيد- عوض أن يكون في الفصل يدرّس التلاميذ مادة اللغة العربية، يُمضي الهادي حسناوي الشاب التونسي ابن محافظة سيدي بوزيد (وسط غرب) معظم وقته في العمل يوميا في بيع الملابس المستعملة مصدر رزقه الوحيد بمحافظة صفاقس (وسط شرق).

وحصل حسناوي على شهادته الجامعية سنة 2015 وشارك مثل الآلاف باختبارات وطنية، ولم يوفق فيها، فلجأ إلى صفاقس العاصمة الاقتصادية والتجارية هربا من شبح البطالة والفقر المتفشيّيْن في سيدي بوزيد.

من رحم معاناته، استنبط حسناوي (29 سنة) مقولة “نحن في سيدي بوزيد نزرع الشعير ونأكل الرغيف في محافظات مجاورة” ويؤكد للجزيرة نت أنها ترجمة حرفية لواقعهم المعيشي المزري.

blogs الثورة التونسية
الذكرى 12 للثورة التونسية تأتي وسط تحديات سياسية واقتصادية بالغة الصعوبة (رويترز)

تقسيم غير عادل

ويعزو حسناوي هجرته الداخلية إلى انعدام فرص العمل فيها جراء تعطل المشاريع منذ الثورة إلى اليوم بسبب ما يعتبره تقسيما غير عادل للثروات، واعتبار سيدي بوزيد “مجرد مكمل لمحافظات تونس الـ 24”.

كما يتحدث عن “حرمان” محافظته من أبناء ورجال أعمال يدافعون عن حقها في التنمية مما يجعل الدولة “لا توليها الأهمية المطلوبة” وحمّل من يحكم البلاد مسؤولية “الوعود الزائفة وسياسة المحسوبية التي عطّلت تنفيذ المشاريع”.

بدورها، تخرجت سوسن جدي (37 عاما) ابنة سيدي بوزيد سنة 2011 في تخصص مساعد تمريض، وهي عاطلة عن العمل إلى اليوم منذ تخرجها عام 2011، وتلجأ بين الحين والآخر لمهن حرة، كالحلاقة والزراعة، لمساعدة زوجها العاطل هو الآخر عن العمل -رغم أنه حاصل على شهادة جامعية- ويتنقل بين المهن الحرة لإعالة أسرته.

تختزل سوسن أسباب تعطل المشاريع المرصودة لسيدي بوزيد في عدم وجود تمويلات لذلك خاصة وأن “تونس مفلسة رغم وجود سياسيين وشباب من أبناء المحافظة أوصلوا أصوات سكانها ودافعوا عن حقهم في تنمية عادلة” كما تقول للجزيرة نت.

وتحمّل المواطِنة السياسيين -وعلى رأسهم نواب البرلمان المنحل- مسؤولية عدم الدفع باتجاه تنفيذ هذه المشاريع على أرض الواقع، آملة في أن يحقق النواب المرتقبون ذلك خاصة وأنه من بينهم وجوه شابة ينحدرون من المناطق المهمشة ويعون حجم المعاناة، حسب رأيها.

منيرة حجلاوي_شارع الثورة بسيدي بوزيد شهد قبل 12 سنة احتجاجات تطالب بالحرية والكرامة_تونس_سيدي بوزيد_خاص الجزيرة نت )صورة المراسلة)
شارع الثورة في سيدي بوزيد شهد قبل 12 سنة احتجاجات تطالب بالحرية والكرامة (الجزيرة)

حبر على ورق

على مدار 12 سنة، أعلنت الحكومات المتعاقبة في تونس حزمة من المشاريع الوطنية لفائدة سيدي بوزيد بالقطاعات الحيوية مثل التربية والصحة والنقل والصناعة والزراعة، غير أنها بقيت حبرا على ورق ومجرد “وعود كاذبة” كما يصفها أبناء المنطقة.

وعلى رأس هذه المشاريع المعطلة، سوق الإنتاج الكبرى وكلية للطب ومستشفى جامعي وطريق سيارة، المعلن عنها على الترتيب (أعوام 2012 و2013 و2018 و2019) وغيرها من المشاريع التي أقرتها مجالس وزارية سابقة ولكنها لم تر النور بعد.

اقرأ ايضاً
شكاوى ضد شخصيات ألمانية متهمة بدعم الإبادة في غزة.. من هم؟

ويؤكد المحلل السياسي محمد ذويب أن سيدي بوزيد مهد ثورة 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 مهمشة منذ عقود من الزمن، مضيفا أن أهلها ظنوا -بعد عام 2011- أنها ستكون ذات أولوية في التنمية خاصة وأنها مدينة ذات موقع متميز ومناخ ملائم لجذب الاستثمار.

ويوضح للجزيرة نت أن وعود كل الحكومات منذ 2011 عالية، ولكن لم ينفذ منها شيء “مما ينبئ بانفجار الأوضاع الاجتماعية في أية لحظة”.

منيرة حجلاوي_صورة محمد البوعزيزي مفجر الثورة وسط مدينة الثورة سيدي بوزيد_تونس-سيدي بوزيد_خاص الجزيرة نت )صورة المراسلة(
في ديسمبر/كانون الأول 2011 أحرق البوعزيزي نفسه بسيدي بوزيد ردا على قمع الشرطة (الجزيرة)

تفشي الفساد

ويقول ذويب إن تعطل المشاريع في “مدينة الثورة” يرجع إلى عدم امتلاك الدولة التمويل العمومي الضروري، مع تفشي الفساد في الإدارة التونسية، وعدم الرغبة في معالجة هذه الظاهرة وفي تغيير واقع البلاد.

أما رمضان بن عمر الناطق الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة غير حكومية مستقلة) فيعزو تعطل المشاريع لعدم الاستقرار الذي نتج عنه تعدد الحكومات المتعاقبة، كما يقول للجزيرة نت.

ويتحدث الناطق باسم هذا المنتدى الحقوقي عن غياب إرادة سياسية حقيقية في العمل على تنفيذ كل هذه المشاريع من خلال غياب مبادرات تشريعية وقانونية لتذليل الصعوبات البيروقراطية الإدارية أو العمل باتجاه تعبئة الموارد المالية اللازمة لها.

تعامل تمييزي

وأشار بن عمر إلى ما قال عنه “تعاملا تمييزيا من الدولة مع المناطق الأكثر هشاشة، إذ لا تحظى المشاريع التي تستهدفها بأولوية الحكومات لأنها تراها ليست خزانا انتخابيا يضم جذورا كبيرة للممسكين بالمشهد السياسي” التونسي.

ويؤكد أن الحكومات المتعاقبة تعلن المشاريع وتعتمدها فقط شعارات لكسب بعض التأييد والتعاطف في مواعيد معينة، وسرعان ما تنتفي ولا تتم على أرض الوقع.

ويحمّل ذويب الأحزاب الحاكمة ونواب سيدي بوزيد، بقطع النظر عن مختلف الأحزاب التي ينتمون لها وخاصة الحاكمة منها، مسؤولية حرمان “مدينة الثورة” من مشاريع وطنية كبرى أعلنتها مختلف الحكومات المتعاقبة.

ويرى أن الحل يكمن في مزيد ضغط من الناس لافتكاك نصيبهم من التنمية، وذلك بتنظيم تحركات واحتجاجات وعرائض.

ويعود رمضان بن عمر محملا السياسيين المسؤولية لأنهم “الممسكون دائما بدواليب الدولة وعليهم اتخاذ القرار السياسي المناسب لتذليل الصعوبات وتعبئة الموارد، إضافة إلى الإدارة التونسية التي هي جزء كبير من الأزمة لأنها دخلت في صراعات وينتشر فيها الفساد ولأنها مخترقة وأصبحت نجاعتها محل تساؤل”.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى