معارضون وصفوه بالضربة الموجعة للنظام.. تصويت ضعيف في الانتخابات التشريعية بتونس
تونس – في مركز اقتراع بدائرة حي الخضراء، وهو حي شعبي فقير بالعاصمة تونس وذو كثافة سكانية عالية، خيّم سكون هادئ اليوم السبت، رغم بدء التصويت لاختيار نواب البرلمان في الانتخابات التشريعية.
ومنذ ساعات الصباح، لم يصل إلى هذا المركز سوى بضعة ناخبين من كبار السن للتصويت لمرشح وحيد في تلك الدائرة الانتخابية.
وبينما تمركز رجال أمن وموظفون تابعون لهيئة الانتخابات أمام مدخل مركز الاقتراع بحي الخضراء، بدت مقار التصويت بداخله شبه خالية من الناخبين، إلا بعض الشبان الذين يشرفون على سير الانتخابات وتقديم بعض الإرشادات.
وليست دائرة حي الخضراء الوحيدة التي ترشح فيها مرشح يتيم، إذ توجد 10 دوائر انتخابية تقدم لها مرشح وحيد وغاب عنها التنافس. وسيصعد هؤلاء المترشحون آليا إلى سدة البرلمان المقبل دون أدنى منافسة.
عزوف ملحوظ
وتتواصل اليوم السبت عملية التصويت لانتخابات برلمان جديد في تونس لأول مرة بطريقة الاقتراع على الأفراد حتى الخامسة مساء بتوقيت غرينتش، وسط عزوف ملحوظ من الناخبين الذين يتجاوز عددهم 9 ملايين ناخب.
ولم يتجاوز عدد الناخبين حتى الساعة التاسعة بتوقيت غرينتش (10 صباحا بالتوقيت المحلي) 271 ألف ناخب، وفق ما كشفته هيئة الانتخابات.
وكان اقتراع التونسيين بالخارج شهد بدوره، أيام 15 و16 و17 ديسمبر/كانون الأول الجاري، ضعفا في الإقبال.
وتتزامن هذه الانتخابات التشريعية التي تمثل أحدث حلقة في خارطة الطريق التي وضعها الرئيس قيس سعيد، مع الاحتفال بذكرى اندلاع الثورة التونسية يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، في ظل أوضاع معيشية صعبة.
وقد تجولت الجزيرة نت في العاصمة تونس متنقلة بين عدد من مراكز الاقتراع منذ بدء التصويت الساعة 8 صباحا، وكان القاسم المشترك بين تلك المراكز خلوها شبه التام من الناخبين.
وبدت حركة المارة وسير العربات منذ الصباح في العاصمة بطيئة، حيث ظهرت أغلب الشوارع مقفرة من الناس بالنظر إلى تزامن الانتخابات مع يوم عطلة، ولم تشهد مكاتب الاقتراع أي طوابير كما كان بالانتخابات السابقة.
خطوة صحيحة
يقول المتقاعد مختار الخياط الذي قدم للتصويت في دائرة حي الخضراء إنه مهما كان عدد المرشحين في منطقته فإنه جاء ليمارس حقه الدستوري في التصويت لإنجاح هذه المحطة من أجل تأسيس مرحلة سياسية جديدة.
ورغم أنه لا يعلم شيئا عن المرشح الوحيد في دائرته، فإنه يؤكد للجزيرة نت أن اختيار نواب البرلمان القادم عبر نظام الاقتراع على الأفراد خطوة صحيحة لتشكيل برلمان ناجع بعيدا عن خصومات وتجاذبات الأحزاب السياسية.
ويرى مختار الخياط أن إرساء برلمان جديد على أنقاض البرلمان السابق، الذي ألغاه الرئيس قيس سعيد بموجب تدابيره الاستثنائية التي اتخذها يوم 25 يوليو/تموز 2021، هو “إجراء ضروري لتصحيح ما خربته الأحزاب في العشرية الماضية”.
شروط معقدة
وفي موقع غير بعيد، تبدو حركة الناخبين بمركز الاقتراع في “المنزه” -أحد الأحياء الراقية بالعاصمة- باهتة، حيث تظهر بوضوح المشاركة الضعيفة، وفي أغلب فترات الصباح كان عدد رجال الأمن الذين يحرسون المركز أكبر من الناخبين.
وهنا توجّه المتقاعد زياد المحفوظي بخطى متثاقلة إلى المركز للتصويت لمرشح وحيد لا يعلم برنامجه ولا حتى شكله. ويقول للجزيرة نت إن التنافس يغيب في سباق البرلمان المقبل، لكن مع ذلك تبقى المشاركة مهمة لإنجاح الانتخابات.
ولا يخفي هذا الناخب، وهو موظف سابق بالبنك المركزي التونسي، تحفظاته بشأن قانون الانتخابات الذي عدله الرئيس قيس سعيد، مرجعا ضعف إقبال المرشحين الأفراد على تقديم ملفات ترشحهم إلى الشروط المعقدة بالقانون.
لكنه يرى أن تغيير نظام الاقتراع إلى طريقة الاقتراع على الأفراد، بدلا من القوائم الحزبية كما كان في الانتخابات السابقة، خطوة مفيدة لتصحيح طريقة اختيار البرلمان، معربا عن استيائه من أداء الأحزاب الممثلة بالبرلمانات السابقة.
ويرى زياد المحفوظي أن الرئيس قيس سعيد “مبعوث لتصحيح مسار البلاد وإنقاذها مما لحق بها من أضرار جراء تكالب الأحزاب على السلطة ونهب المال العام وارتكاب الفساد وتهميش حياة المواطنين وترذيل البرلمان”، وفق تعبيره.
غياب الشباب
ولا تختلف مراكز الاقتراع عن بعضها، فالسمة المشتركة بينها غياب الصخب والإقبال المكثف على الانتخابات وعزوف شبه تام من فئة الشباب، مقابل مشاركة طفيفة لدى الكهول وكبار السن الذين تعودوا على الذهاب للتصويت.
ففي أكبر مركز اقتراع في العاصمة وتحديدا بالدائرة الانتخابية “باب بحر”، ظهرت أعداد كبيرة من الصحفيين ووسائل الإعلام التي تنافست لالتقاط صور بعض الناخبين الذين توافدوا بشكل متقطع للتصويت.
وبمركز اقتراع “التحرير” في منطقة “باردو” التي تضم مبنى البرلمان، لم تشهد الأجواء اختلافا، وكانت نسبة المشاركة ضعيفة في بدايات الصباح. وهناك ترشح 7 مرشحين في سباق الانتخابات، سيتم اختيار نائب من بينهم.
وقال رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر، في تصريح صحفي منتصف نهار اليوم السبت، إن عدد الناخبين الذين توجهوا لصناديق الاقتراع بلغ حتى الساعة 10 صباحا 270 ألفا و32 ناخبا، معتبرا أنه رقم إيجابي باعتبار أن العدد مرتبط فقط بالساعتين الأوليين من التصويت.
وقال إنه يجب أخذ نسبة المشاركة بحذر فيما يخص أعداد الناخبين، مؤكدا أن نسبة الإقبال سترتفع بشكل ملحوظ في الساعات القليلة القادمة قبل غلق مراكز الاقتراع مساء.
دوائر شاغرة
وسيتكون البرلمان المقبل من 161 نائبا، وقد ترشح في سباق الانتخابات 1058 مرشحا، أغلبيتهم الساحقة من الرجال.
وفي 10 دوائر انتخابية بالخارج لم يترشح سوى 3 أشخاص سيصعدون آليا، في حين ستبقى 7 دوائر شاغرة. وسيتم عقد انتخابات جزئية خاصة بالدوائر السبع في وقت يعلن عنه لاحقا.
ويعدّ أغلب المترشحين من المستقلين غير المعروفين بنشاط سياسي سابق، في حين ينتمي آخرون إلى الأحزاب الداعمة لإجراءات الرئيس سعيّد على غرار “حركة الشعب” (كانت ممثلة بـ15 مقعدا بالبرلمان السابق) وحزب “التيار الشعبي”.
غياب كبير لممثلي المرشحين
وجاء في بيان لشبكة “مراقبون” لملاحظة الانتخابات، وهي شبكة وطنية مختصة في الرقابة على الانتخابات وقد أمنت ملاحظة جميع المحطات الانتخابية التي شهدتها تونس منذ 2011، أنه مع فتح مكاتب الاقتراع صباحا حضر 94% من أعضاء مكاتب الاقتراع بشكل كامل (3 أعضاء أو أكثر)، في حين سجل في 5% من مكاتب الاقتراع حضور عضوين فقط (العدد الأدنى المطلوب).
وبخصوص حضور ممثلي المترشحين داخل مكاتب الاقتراع، قالت الشبكة إن 64% من مكاتب الاقتراع لم يحضر بها أي ممثل عن المترشحين، و20% من المكاتب حضر بها على الأقل ممثل واحد عن المترشحين.
مقاطعة الانتخابات
وتجرى هذه الانتخابات وسط مقاطعة أغلب الأحزاب وأكبرهم وزنا كحركة “النهضة” الإسلامية صاحبة الأغلبية النيابية السابقة، وأحزب أخرى منها “الدستوري الحر” و”قلب تونس” و”ائتلاف الكرامة” و”التيار الديمقراطي” و”آفاق تونس” وغيرها.
ويقول الأستاذ المتقاعد شكري الوسلاتي، أحد المنتمين لحركة النهضة والمقاطعين للانتخابات، إن ما يحصل “مهزلة”، معتبرا ضعف المشاركة في الانتخابات “ضربة موجعة” لنظام الرئيس الحالي “الذي يبحث عن شرعية دستورية”.
ويؤكد للجزيرة نت أن البرلمان المقبل سيكون فاقدا لكل شرعية بدعوى أن الرئيس انقلب على الدستور السابق وعلى مؤسسات الدولة المنتخبة لتركيز حكمه الفردي، مقدرا أن يكون البرلمان المقبل “أداة بيد الرئيس لتمرير مشروعه”.
ويجري انتخاب البرلمان المقبل وفق قواعد دستور جديد صاغه قيس سعيّد بنفسه، مستبدلا النظام البرلماني برئاسي، ومضيفا مزيدا من السلطات إلى منصب الرئيس.
خلافا للبرلمان السابق الذي وفّر حصانة أكثر لأعضائه، فإن نواب البرلمان المقبل معرضون لخطر سحب الثقة من عُشر الناخبين بدائرتهم الانتخابية إذا أخلّوا بوعودهم.
كما منع الدستور الجديد الذي صاغه قيس سعيد، انتقال النواب بين الكتل البرلمانية، فلم يعد الدستور يسمح بتنقل نائب من كتلة إلى أخرى كما كان يحدث سابقا.