الاخبار العاجلةسياسة

الملاحة وسد النهضة ومآرب أخرى.. هل تستعيد القاهرة حضورها في القرن الأفريقي عبر الصومال؟

القاهرة- بعد سنوات من الخطوات الدبلوماسية “غير الودية” وفق تقديرات القاهرة، تتطلع مصر إلى الرئيس الصومالي الجديد حسن شيخ محمود؛ لدعم مصالحها في القرن الأفريقي، الامتداد الجيوستراتيجي الجنوبي المتخم بأزمات وصراعات لها تداعيات سلبية على مصر، أبرزها سد النهضة الإثيوبي.

زار شيخ محمود القاهرة الاثنين الماضي، تلبية لدعوة رسمية من نظيره المصري عبد الفتاح السيسي، وهي الزيارة السابعة للرئيس الصومالي إلى الخارج منذ إعادة انتخابه رئيسا للبلاد منتصف مايو/أيار الماضي، وهو حليف سابق لمصر في ولايته الأولى (2012 – 2017)، على خلاف سلفه محمد عبد الله فرماجو، الذي شارك في تحالف ثلاثي إلى جانب إثيوبيا وإريتريا وكانت له مواقف مناوئة للقاهرة.

وخلال الزيارة، التقى شيخ محمود -أمس الثلاثاء- الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، وناقشا دعم الصومال في مجالات التعليم والصحة، والتنسيق مع الدول العربية والمنظمات الدولية لمواجهة الجفاف والأمن الغذائي، وغيرها من التحديات التي تواجه بلاده.

وبعد سنوات من فتور العلاقات خلال ولاية فرماجو، تثير زيارة الرئيس الصومالي الجديد للقاهرة -في ظل دلالاتها وأبعادها الإقليمية السياسية والأمنية وتوقيتها- تساؤلات تسعى الجزيرة نت إلى الإجابة عنها، وأبرزها تتعلق بفرص مصر في استعادة الصومال كورقة ضغط تدعم مصالحها في ملفات سد النهضة الإثيوبي، وتأمين الملاحة في البحر الأحمر ومنه إلى قناة السويس، ومكافحة الإرهاب.

حليف سابق

أقام حسن شيخ محمود خلال فترة رئاسته السابقة علاقات طبية مع القاهرة، حتى بعد انتهاء ولايته بشكل غير رسمي، وسبق أن حضر صيف 2014 حفل تنصيب السيسي رئيسا.

كما شهدت ولايته الأولى عام 2013 إعادة فتح السفارة المصرية في مقديشو، التي كانت تمارس مهامها من العاصمة الكينية نيروبي، لأسباب أمنية.

وثمة إشارة مهمة حول مدى التطلعات المصرية من الرئيس الصومالي الجديد، تتمثل في مشاركة رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في حفل تنصيب شيخ محمود رئيسا بالعاصمة مقديشو في التاسع من يونيو/حزيران الماضي، في زيارة نادرة لمسؤول مصري كبير من هذا النوع منذ سنوات.

آنذاك، تعهد شيخ محمود بسياسة خارجية محايدة وعدم الانخراط في صراعات دولية، وتحسين العلاقات مع دول الجوار، بما يخالف سلوك فرماجو الذي كانت له خطوات دبلوماسية غير ودية تجاه القاهرة وابتعاد عن الحاضنة العربية، وفق تقارير صحفية ومراقبين.

وكانت أبرز المواقف التي أثرت سلبا على نظرة القاهرة لفرماجو، تحفظ الصومال على قرار للجامعة العربية، صيف 2020، يطالب إثيوبيا بالامتناع عن البدء في ملء خزان سد النهضة من دون التوصل لاتفاق مع مصر والسودان حول قواعد الملء والتشغيل.

وفي مؤشر آخر على فتور العلاقات في عهد فرماجو، منح الأخير العام الماضي إثيوبيا متنفسا على البحر الأحمر حين سمح لها باستخدام ميناء بربرة الصومالي للمرة الأولى منذ 20 عاما من انقطاع الخدمة، في وقت تصاعدت فيه نبرة الإعلام المصري تجاه إثيوبيا بسبب تأزم مفاوضات سد النهضة.

وعام 2020، ألغت حكومة فرماجو بروتوكول التعاون التعليمي مع القاهرة، وطالبت بعثتها التعليمية بمغادرة البلاد، من دون إبداء أسباب.

دوافع وتطلعات

منطلقا من الدور المصري لإحلال السلام في الصومال، شدد اللواء محمد عبد الواحد -الخبير في شؤون الأمن القومي والمتخصص في العلاقات الدولية- على أن العلاقات المصرية الصومالية متأصلة تاريخيا، حيث مارست القاهرة دورا كبيرا وكانت على مسافة واحدة من الفرقاء الصوماليين، ممن كانت لديهم شكوك تجاه الدور الإثيوبي والإيطالي (المستعمر القديم) خلال سنوات الحروب الأهلية أواخر القرن الماضي.

وعمل عبد الواحد منسقا لعملية المصالحة الصومالية على مدى عقدين من الزمن، وأشرف على اتفاق القاهرة 1997 الذي وضع الأسس الشاملة للمصالحة الصومالية آنذاك.

وحول أبعاد ودلالات زيارة شيخ محمود للقاهرة، يقول عبد الواحد إن بلاده لديها تطلعات ودوافع لإعادة العلاقات القوية مع الرئيس الصومالي الجديد وتعزيزها؛ وذلك لأسباب أبرزها:

  • رغبة القاهرة في عودة العلاقات الطيبة مع مقديشو كما كانت عليها في الولاية الأولى لشيخ محمود، التي كانت أفضل حالا من ولاية سلفه فرماجو، الذي كانت له علاقات قوية مع إثيوبيا، وربما بإيعاز من دول أخرى، على حد تعبير عبد الواحد.
  • إثر انشغال القاهرة بأوضاعها الداخلية بعد عام 2011، أصيبت العلاقات بشرخ كبير، مما أفرز فراغا استثمرته قوى إقليمية على غرار إثيوبيا وتركيا.
  • لا تنظر القاهرة إلى الصومال باعتباره ورقة ضغط في القرن الأفريقي، بل تسعى إلى علاقات متوازنة مع الأطراف كافة بما في ذلك جيبوتي وإريتريا، وحتى إثيوبيا.
  • القرن الأفريقي منطقة حساسة وشائكة في ظل الصراعات الإقليمية والدولية، ومصر حريصة على استقرارها.
  • ما يعزز الموقف المصري الداعم لحفظ الأمن في القرن الأفريقي، عدم استخدام أي خيار عنيف للقوة الصلبة (الحل العسكري) تجاه إثيوبيا في ملف السد.
اقرأ ايضاً
وزراء خارجية الخليج يستعرضون التطورات الإقليمية والدولية

مصالح مصرية

وللقاهرة مصالح كبيرة في الصومال، تتمثل وفق عبد الواحد، في:

  • أهمية الحفاظ على الهوية العربية والإسلامية للصومال في ظل التجاذبات الدولية والإقليمية الراهنة.
  • الحفاظ على أمن واستقرار الصومال يعزز جهود مكافحة الإرهاب، في ظل وجود “حركة الشباب المجاهدين الموالية لتنظيم القاعدة الإرهابي، التي نفذت عمليات إرهابية في الصومال ونطاقه الإقليمي”، وفق تعبيره.
  • الموقع الإستراتيجي للصومال وإطلالته على مضيق باب المندب مرورا بالبحر الأحمر.
  • أمن واستقرار الصومال يحافظ على مصالح مصر في الملاحة البحرية خاصة التجارية حيث قناة السويس.
  • توخي التأثيرات والتداعيات السلبية على الأمن القومي المصري التي تنجم عن: عسكرة القرن الأفريقي في ظل النفوذ الأجنبي المتمثل في قوات مكافحة الإرهاب والقرصنة، والقواعد العسكرية الأجنبية المتعددة التي يتمركز أغلبها في جيبوتي وخليج عدن وباب المندب وبحر العرب.

السد الإثيوبي والتحالف الثلاثي

وخلال المؤتمر الصحفي مع نظيره الصومالي، حذر السيسي من خطورة اتخاذ خطوات أحادية بشأن الممرات المائية وضرورة التوصل لاتفاق قانوني ملزم بملف سد النهضة.

لكن متحدث الرئاسة الصومالية، عبدالكريم علي، نفى تطرّق رئيس البلاد حسن شيخ محمود لملف مياه النيل خلال لقائه مع نظيره المصري عبدالفتاح السيسي.

وحسب ما نقلته وكالة الأناضول للأنباء، قال المتحدث الصومالي أمس الثلاثاء -في تصريحات متلفزة إن الجانبين لم يتطرقا خلال المفاوضات والمؤتمر الصحفي إلى مسألة مياه النيل، مضيفا أن “موقف الصومال صريح وواضح تجاه ملف مياه النيل، وهو أن تستغل دول حوض النيل مياهه بطريقة منصفة وسلمية”.

ومنطلقا من هذه التحذيرات، شدد عبد الواحد على أن قضية المياه واحدة بالنسبة لمصر والصومال. وأوضح أن الصومال يعاني تقريبا من المشكلة المصرية نفسها في ما يتعلق بالأنهار الدولية العابرة للحدود، مضيفا أن الصومال يمر به نهران ينبعان من إثيوبيا (شبيلي وجوبا)، والأخيرة دشنت سدودا على نهر شبيلي تسببت في انخفاض مناسيب المياه وجفاف شكّل كارثة إنسانية.

وتوقع الخبير الأمني أن تبدي حكومة شيخ محمود تفهما للوضع المصري في ملف السد الإثيوبي، مشيرا إلى أن القاهرة تنتظر من الصومال دعما لموقفها في هذا الملف بعد المواقف غير الجيدة من حكومة فرماجو.

وأضاف أن الرئيس الصومالي السابق فرماجو كان يدعم أديس أبابا على حساب القاهرة في المحافل الدولية والإقليمية، كما حدث في اجتماع سابق بالجامعة العربية ناقش تداعيات سد النهضة على مصر.

وتعقيبا على سؤال عن تداعيات انتخاب شيخ محمود على التحالف الثلاثي الذي جمع سلفه فرماجو ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي، وكانت له مواقف سلبية تجاه مصر، استبعد عبد الواحد وجود مساع مصرية لتفكيكه؛ كونه لا يشكل تهديدا على مصر، حسب رأيه.

وأوضح أن بلاده تسعى دائما إلى إقامة علاقات متوازنة، خاصة أن لها علاقات تاريخية طيبة مع الدول الثلاث مهما اختلفت الأنظمة، في حين تبقى المعضلة في سد النهضة الذي أدى إلى حالة غضب تجاه السلوك الإثيوبي، وهو ما دفع مصر إلى عدم الحل العسكري لحرصها على الوصول إلى حلول مقبولة من خلال مفاوضات جادة تضمن حقوقها، وفق قوله.

 تقارب مهم وإن تأخر كثيرا

على مسافة قريبة من الرأي السابق، قال فرغلي طه -الدبلوماسي المصري السابق سفير القاهرة لدى جيبوتي (2007 – 2011)- إن التقارب مع الصومال مهم جدا وإن تأخر كثيرا، مشددا في تصريحات -عبر صفحته على موقع فيسبوك- على أن مشروعات التعاون والتقارب التي تشعر بمردودها الشعوب لا تقل أهمية عن العلاقات الجيدة مع الحكام.

ومشيرا إلى فرص ضائعة وتوصيات سابقة عن أهمية القرن الأفريقي لمصر، أوضح طه أن التعاون المصري الصومالي كان مطلوبا، لمواجهة التهديدات الإثيوبية في ملف المياه.



المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى