الاخبار العاجلةسياسة

هل تطيح أموال “صفقة الجواميس” المسروقة برئيس جنوب أفريقيا؟

بعد 4 سنوات من عزل سلفه جاكوب زوما ثم سجنه بعد سلسلة من الفضائح، يواجه رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا مصيرا مماثلا محتملا، إذ يضغط شق داخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم لإقالته من منصبه بشبهة تورطه في قضية فساد مالي تنذر بوضع حد لحياته السياسية في حال تمت إدانته رسميا.

والفضيحة التي أثيرت حول رامافوزا (70 عاما) -والتي تهدد مستقبله السياسي- أُطلق عليها “فالا فالا” (Phala Phala) وهي منطقة محميات طبيعية تقع بمقاطعة ليمبوبو على حدود بوتسوانا وزيمبابوي وموزمبيق، ويملك فيها الرئيس مزرعة كبيرة.

ومن هذه المزرعة، التي تضم أنواعا من الحيوانات بينها الجواميس، تفجرت الفضيحة عندما سطا لصوص عام 2020 على مئات آلاف الدولارات وربما الملايين المخبأة تحت وسائد أريكة، وتختلف الروايات بشأن حجم هذه الأموال المسروقة إذا تقدرها بعض المصادر بـ 4 أو 5 ملايين دولار.

والأربعاء الماضي، قدمت لجنة تحقيق شكلها البرلمان ويرأسها وزير العدل السابق سندايل نكوبو “أدلة دامغة” من شأنها أن تدين الرئيس الذي كان يفترض أن يصرح بالأموال ولكنه لم يفعل.

وورد بالتقرير أن رامافوزا ربما انتهك القانون فيما يتعلق بالأموال التي كانت مخبأة في “غرفة لا تستخدم كثيرا” بمزرعته، ولكن أحد نواب حزب المؤتمر الوطني المؤيدين للرئيس قال إن التقرير لا ينص على محاسبته، وإنما أشار إلى أنه ربما كان من الضروري فعل ذلك.

ومع ذلك، وضع التقرير مصير الرئيس على المحك، وتردد احتمال عزله بقوة في أروقة الحزب الحاكم على الرغم من أنه قد يكون حصل على دعم كاف من قادة الحزب يجنبه العزل.

وأعلن المتحدث باسم الرئاسة السبت أن رامافوزا لا ينوي الاستقالة وسيسعى لنيل ولاية ثانية عام 2024، كما قال إنه سيقاتل سياسيا وقضائيا لدحض هذه الادعاءات.

South African panel to make recommendation on possible Ramaphosa impeachment in Cape Town
رئيس لجنة التحقيق يسلم رئيسة البرلمان التقرير بشأن فضيحة فالا فالا (رويترز)

صفقة الجواميس

وظهرت الفضيحة للعلن في يونيو/حزيران الماضي حين قدم مسؤول سابق بالاستخبارات -يوصف بأنه قريب من معارضي رامافوزا في حزب المؤتمر الوطني- شكوى بشأن الأموال المسروقة من مزرعة رامافوزا، وتتهم الشكوى الرئيس بعدم إبلاغ الشرطة أو مصلحة الضرائب بالواقعة.

وفي رده على الشبهات التي أثيرت حوله، قال رامافوزا إن المبلغ الذي سرق من مزرعته هو 580 ألف دولار فقط، وليس ملايين الدولارات، مؤكدا أن المبلغ هو ثمن جواميس اشتراها منه رجل أعمال سوداني ودفع ثمنها نقدا.

ووفق رواية الرئيس، فإن أحد الموظفين رأى أن من المناسب إخفاء الأموال تحت وسائد الأريكة بدلا من وضعها في خزنة يستطيع العديد من الموظفين الوصول إليها.

لكن التقرير الذي سلم للبرلمان ذكر أن على الرئيس أن يوضح مصدر النقد الأجنبي الذي استولى عليه اللصوص من مزرعته في فالا فالا.

ونقلت مواقع إخبارية عن رامافوزا قوله إنه لم يخن القسم مطلقا، نافيا كل الادعاءات التي أثيرت ضده في هذه القضية.

South Africa's ANC party holds national policy conference
رامافوزا يتحدث خلال اجتماع لحزب المؤتمر الوطني في يوليو/تموز الماضي بجوهانسبرغ (رويترز)

سياسة وأعمال

والرئيس رامافوزا ليس رجل دولة فقط، فقبل نحو عقدين من انتخابه رئيسا للبلاد، وتحديدا العام 1997، استقال من المؤتمر الوطني وتفرغ للأعمال التجارية، وخلال فترة انقطاعه عن العمل السياسي، تحول لرجل أعمال مكوّنا ثروة كبيرة.

ووفقا لمجلة “فوربس” (Forbes) فإن ثروة رامافوزا قدرت عام 2015 بنحو 450 مليون دولار، ليكون بذلك من بين أغنى 50 شخصا في أفريقيا.

اقرأ ايضاً
ما الذي ستفعله أزمة الغاز بأوروبا هذا الشتاء؟

وتشير المجلة إلى أن الرئيس الحالي بنى ثروته من نشاطه التجاري، حيث أسس العام 2001 شركة “شاندوكا” الاستثمارية.

ولكن عقب تعيينه عام 2014 نائبا للرئيس زوما، تخلى عن إدارة أنشطته التجارية تجنبا لتضارب المصالح، وباع حصته البالغة 30% في شركة شاندوكا التي اندمجت لاحقا مع شركة “أخى” مشكلتين مجموعة تقدر أصولها بنحو 900 مليون دولار.

11173236
اللجنة التنفيذية دعيت الجمعة لبحث تداعيات الاتهامات الموجهة للرئيس (الأوروبية)

شبح العزل

وقبل انتخابه في فبراير/شباط 2018 رئيسا من قبل البرلمان عقب فوزه في اقتراع داخلي بأغلبية بسيطة من أصوات أعضاء حزب الزعيم الراحل نيلسون مانديلا، خاص رامافوزا حملته الانتخابية حاملا شعار مكافحة الفساد، وقدم جملة من الوعود لكنها بمرور الوقت تبخرت أو لم يتحقق منها إلا القليل، بحسب ما يقول منتقدوه.

واليوم، يجد نفسه تحت الضغط، ليس فقط من حزبه الذي يعاني من الانقسامات وتفشي الفساد وتراجع مستمر في شعبيته، ولكنه أيضا يواجه بعض الضغوط من الرأي العام لأسباب بينها انكماش الاقتصاد، خاصة بسبب تداعيات جائحة كورونا.

وقبل إعلان المتحدث باسم الرئاسة السبت أن الرئيس لا يعتزم الاستقالة، كان موقع  “آي أو إل” (IOL) الإخباري الجنوب أفريقي ذكر أن رامافوزا ربما كان سيعلن استقالته، إذ كان من المقرر أن يلقي كلمة الخميس الماضي ولكنه لم يفعل.

كما أشارت صحيفة “ذي سويتان” (The Sowetan) المحلية إلى أن رامافوزا أجرى مشاورات مع حلفائه من أجل إعلان استقالته، وقالت إن عدم حضوره اجتماع اللجنة التنفيذية للحزب الحاكم الذي عقد الجمعة أثار استياء الأعضاء.

وقد دعا عدد من رؤساء أفرع حزب المؤتمر الوطني، بينهم رئيس فرعه بمقاطعة كوازولو ناتال، الرئيس للاستقالة تجنبا للمحاكمات القضائية والبرلمانية.

وفي المقابل، حصل رامافوزا على دعم قياديين مؤثرين في الحزب الحاكم ورجال أعمال، بالإضافة إلى رئيس الكنيسة الأنغليكانية ثابو ماكغوبا.

وقبل أقل من أسبوعين على انعقاد مؤتمر حزب المؤتمر، يظل احتمال عزل رامافوزا معلقا على التوازنات الداخلية، علما بأن الحزب له أغلبية الثلثين بالبرلمان الذي سيناقش الثلاثاء التقرير بشأن فضيحة فالا فالا.

يذكر أن نفس الحزب سبق له بعد تجاذبات طويلة أن أجبر الرئيس السابق (زوما) على الاستقالة بعد أن اتُّهم في قضايا فساد، وأحيل لاحقا على القضاء وأمضى مدة في السجن.

وفي الآونة الأخيرة، بدا رامافوزا المرشح الأبرز لولاية رئاسية ثانية عام 2024 في حال فاز الحزب بالانتخابات المقبلة، ولكن الشبهات التي تحيط به ربما تبعده عن المنافسة حتى لو لم يفلت من المحاسبة بهذه القضية.

وقالت صحيفة غارديان البريطانية (The Guardian) إنه في حال خسر رامافوزا زعامة الحزب الحاكم فسيكون من الصعب عليه أن يستمر في منصبه رئيسا، إلا أنها استبعدت أن يصوت نصف نواب الحزب الحاكم في البرلمان لصالح عزله.

وفي هذه الأثناء، يخشى مواطنو جنوب أفريقيا أنه في حال تغلب خيار العزل فقد يؤدي ذلك لتكرار سيناريو الاضطرابات التي وقعت صيف العام الماضي بعيد اعتقال الرئيس السابق، والتي سقط فيها قتلى وجرحى ووصفت بأنها أسوأ موجة عنف تشهدها جنوب أفريقيا منذ أعوام.

المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى