المخدرات في العراق.. آفة خطيرة تفتك بجسد المجتمع
بغداد– بعد استفحال ظاهرة تجارة المخدرات وتعاطيها في العراق بين فئة الشباب خاصة، ثمة مساع يبذلها البرلمان العراقي بالتعاون مع السلطة التنفيذية للحد من الظاهرة من خلال تشكيل هيئة عليا ترتبط بمجلس الوزراء، وإجراء تعديل على قانون مكافحة المخدرات.
وبينما تحول العراق من معبر للمخدرات إلى مستهلك في العقدين الأخيرين، حسب متخصصين، فإن تجارة وتعاطي المخدرات في البلاد وصلت إلى آفاق غير مسبوقة تنهش جسد المجتمع، الأمر الذي دعا البرلمان إلى التحرك للحد من الظاهرة من خلال تشديد العقوبات.
وتعمل لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي على نحو متواصل مع الحكومة لاستحداث هيئة لمكافحة المخدرات ترتبط برئاسة الوزراء مباشرة، حسب عضو اللجنة حسين العامري.
وقال العامري في تصريحات صحفية إن المخدرات والجرائم الإلكترونية أسلحة خطيرة وفتاكة أثرت تأثيرا كبيرا في المجتمع، مؤكدًا أن لجنته مستمرة في عقد اللقاءات بخصوص تعديل قانون المخدرات والمؤثرات العقلية.
وتنتشر المخدرات وتباع وتوزع في المناطق الفقيرة والمحرومة في بغداد العاصمة والمحافظات الأخرى خاصة الجنوبية منها، ولا توجد إحصائية رسمية منشورة لأعداد المتعاطين للمخدرات في البلاد، ولكن وحسب مسؤولين أمنيين فإنها تنتشر بين فئة الشباب ومن كلا الجنسين.
أسباب تفشي المخدرات
وحسب عضو مفوضية حقوق الإنسان العراقية السابق علي البياتي، فإن الأعداد المعلنة رسميا للعام الماضي 2022 تمثلت باعتقال 14 ألف شخص بين متعاط ومتاجر، بينهم 500 من النساء والأحداث، حيث تقوم عصابات الاتجار باستغلالهم لغرض الترويج والنقل.
وفي حديثه للجزيرة نت، لفت البياتي إلى أن المخدرات تنتشر أكثر في المناطق الفقيرة والمدن التي تعاني نسب بطالة عالية، حيث تصل نسبة التعاطي بين الشباب في المناطق الأكثر فقرا إلى 70%.
وعزا تفاقم انتشار المخدرات إلى غياب الحلول التي تعالج الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وقلة الوعي، وكذلك إلى عدم وجود تقنيات حديثة للكشف عن المخدرات في المناطق الحدودية، وتورط جهات سياسية ومجاميع مسلحة، وغياب مراكز التأهيل في العراق.
وعن سبل علاج الظاهرة، يرى البياتي أن على الدولة تخفيف العقوبات عن المتعاطين في ظل تفاقم الأزمات مع عدم وجود حلول سريعة، وتوفير مراكز التأهيل والعلاج للمتعاطين، مع وضع برنامج حقيقي لمعالجة الأسباب الاقتصادية والاجتماعية وزيادة الوعي في المدراس والجامعات والمنصات الدينية والثقافية والفنية.
كما حث على تشديد العقوبة على المتاجرين بالمخدرات وتطوير الإمكانات للكشف المبكر وعدم السماح لهم بالإفلات من العقاب مع السعي لتعاون دولي في الملف، والسعي لكشف الشبكات الداخلية والجهات السياسية المستفيدة أو المتعاونة في الترويج للمخدرات.
معالجة الإدمان
وعن أعداد المعالجين من الإدمان من قبل الجهات الصحية، أوضح مستشار الصحة النفسية في وزارة الصحة عماد عبد الرزاق -للجزيرة نت- معالجة 4500 مدمن ومتعاط للمخدرات منذ بداية عام 2022، منوها إلى أن أكثر المتعاطين بأعمار تتراوح من 15 إلى 30 عاما.
ومن جهتها، أكدت مديرية مكافحة المخدرات القبض على أكثر من 15 ألف متهم بقضايا المخدرات خلال العام المنصرم، بينما ضبطت كميات تقدر بنصف طن من المخدرات، مشيرة إلى أن مادة الكريستال المخدرة تدخل بطرق غير قانونية من محافظات حدودية عدة.
وتحول العراق بعد عام 2003 من معبر لانتقال المخدرات إلى مستهلك بحسب الجهات الأمنية، لا سيما أن معظم الحدود والمعابر البرية العراقية تتضمن عددا كبيرا من المناطق الهشة أمنيا، والتي تتسرب إليها أنواع مختلفة من المخدرات على مدار اليوم.
وكان العراق يفرض عقوبة الإعدام على متعاطي المخدرات وتجارها، لكنه سنّ قانونا جديدا عام 2017 ضم في بنوده عقوبات تشمل مروّجي المخدرات، بالإضافة إلى قوانين خاصة بعلاج المدمنين.
وفي هذا الشأن يؤكد الخبير الأمني صفاء الأعسم أن العراق على مرّ الأنظمة السابقة كان خاليا من المخدرات، “ولكن ضعف الدولة وتهاونها أدى إلى انتشار كبير”، خاصة أن الجهات العليا أكدت مرارا أن ما نسبته 50% من الشباب يتعاطونها.
ويرى الأعسم -في حديث للجزيرة نت- وجود ضعف في ضبط الحدود وأذرع تعمل على إدخال المخدرات إلى العراق، لذلك “لا بد من تطبيق القانون بصرامة ليتمكن العراق من تجفيف المنابع وإنهاء الظاهرة، فضلا عن ضرورة وجود حملات توعية بشتى الوسائل”.
قاعدة بيانات
وفي تطور لاحق، وجه وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، مطلع الشهر الجاري، بتأسيس قاعدة بيانات لشبكات تجارة المخدرات، في اجتماع موسع ضم مدير مكافحة المخدرات والمديريات في المحافظات، نبّه فيه على ضرورة تفعيل الجانب الاستخباري لملاحقة المتاجرين بالمخدرات وتنفيذ مذكرات القبض بحق تجار المخدرات والمروجين لها.
ويعد الفقر والبطالة عاملين رئيسين لانتشار المواد المخدرة في العراق، إذ تشير وزارة العمل والشؤون الاجتماعية إلى أن هناك 4 ملايين عاطل عن العمل في العراق، بينما تؤكد وزارة التخطيط أن 14% من الشباب العراقي عاطلون عن العمل ولا يملكون أي مصدر للدخل.
وفي هذا الصدد يرى مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية قاسم حسين صالح أن الأشد خطرا على المجتمع تعاطي الشباب للمخدرات التي تؤدي إلى تلف الجهاز العصبي وتعطل الطاقة الإنتاجية، فضلا عن قيام المتعاطي بارتكاب جرائم قتل وسرقة، وقد تؤدي به إلى الموت المفاجئ أو الانتحار، مثلما تفضي إلى الخيانة الزوجية وممارسة الدعارة، وأحيانا الزنا بالمحارم.
مقترحات متعددة
وفي وقت سابق، كشفت مديرية مكافحة المخدرات في وزارة الداخلية عن تقديم وزارة الصحة مقترحًا لفحص جميع موظفي الدولة لتثبيت سلامتهم من تعاطي المخدرات.
وقال مدير إعلام المديرية العقيد بلال صبحي، في تصريح لوكالة الأنباء الرسمية، إن وزارة الصحة قدمت مقترحًا لفحص جميع موظفي الدولة للتأكد من سلامتهم من تعاطي المخدرات، وأن مديريته وافقت عليه شريطة أن يدرج في نص قانوني ضمن قانون مكافحة المخدرات.
وقال النائب في البرلمان عن كتلة السيادة أحمد عدنان الجحيشي إن كتلته طالبت بتعديل قانون مكافحة المخدرات ليتضمن فحص جميع الموظفين والطلبة من قبل لجان طبية بنحو سنوي، مشددا على أن المخدرات باتت خطرا حقيقيا يهدد العراق، ومنوها إلى الحصول على أكثر من 50 توقيعًا لتشريع هذا التعديل مع دعم من رئيس البرلمان محمد الحلبوسي.
لا حاجة لهيئات جديدة
ولمنظمات حقوق الإنسان المحلية رأي آخر، إذ يرى مدير المرصد العراقي لحقوق الإنسان (منظمة غير حكومية) مصطفى سعدون أن العراق لا يحتاج إلى هيئات أو مؤسسات جديدة بقدر حاجته إلى آليات فعلية ومستدامة لظاهرة انتشار المخدرات، فمنع وصولها إلى المدن ودخولها إلى البلاد أهم من تشريع قوانين تشدد العقوبات دون تنفيذ.
وأعرب سعدون للجزيرة نت عن خشيته من أن استحداث هيئة لمكافحة المخدرات ستكون حلقة زائدة، وربما تسهم في سيطرة طرف سياسي أو حزبي على تجارة المخدرات في البلاد، خاصة إذا ما خضعت الهيئة للتحاصص السياسي، مشيرا إلى أن مشكلة العراق الحالية في ملف المخدرات هي مشكلة تنفيذية.
من جهته، يرى الخبير القانوني علي التميمي أن الدستور العراقي يجيز إنشاء الهيئات للضرورة وعند اقتضاء الحاجة، بشرط أن تكون بقانون.
وفي حديثه للجزيرة نت، أوضح التميمي أن قانون المخدرات السابق لسنة 1965 كان متشددا حيث يعاقب بالسجن 15 عاما لمن يتعاطى المخدرات، على الرغم من أن المخدرات لم تكن منتشرة، أما القانون الحالي الذي شرع عام 2017 فالعقوبة فيه هي الحبس من سنة إلى سنتين، وغرامة مالية تصل إلى 10 ملايين دينار (6850 دولارا) فقط، معتبرا أنها عقوبة غير رادعة.
إتلاف أطنان المخدرات
وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي كشفت وزارة الصحة العراقية عن إتلاف 5 آلاف طن من المخدرات والمؤثرات العقلية، و54 مليون حبة مخدرة و31 ألف أنبولة و9 آلاف قنينة من المخدرات المختلفة، وهي الكمية الأكبر من المخدرات التي ضبطت في تاريخ العراق، كانت مخزنة منذ سنوات في دائرة الطب العدلي.